الرصاصة التي عرَّت الرئيس المصري وجماعة الإخوان
الأربعاء, 20-فبراير-2013
سمير درويش -

يوم الثالث من فبراير خرجت طلقة من سلاح ميري "حكومي"، فسكنت قلب عمر صلاح، طفل في الثانية عشرة يبيع البطاطا بمحاذاة ميدان التحرير بالقرب من السفارة الأميركية، طلقة واحدة في منتصف القلب تمامًا، وكأن راميا بارعا كان يصوب نحوه في مسابقة دولية. إلى هذه النقطة يصلح الحدث خبرا مقتضبا في الجرائد اليومية، قد يثير بعض اللغط وتسعى بعض الصحف لإبراز حكاية الطفل وظروف عائلته، ثم تهدأ الأمور حين يستجد جديد في مصر من حوادث القتل والاغتيال، وما أكثرها. لكن ما حدث في العشرة أيام التالية حوَّلَ الحادث من خبر عاديٍّ إلى أيقونة، فضحت الرئيس وجماعته التي تدعي الحكم باسم الإسلام.

أتشكك كثيرا في الروايات الرسمية التي قيلت حول مقتل الطفل، لأن الكذب الفاضح سمة ميزت حكم مرسي وأتباعه منذ اليوم الأول لوصوله إلى السلطة، من إنكار خطابه الودود إلى شيمون بيريز، إلى الادعاء بأن الحسيني أبو ضيف – الصحفي الناصري الشهيد – ينتمي إلى الإخوان المسلمين، والعشرين مليارًا التي ستأتي من قطر إذا تم التصويت بـ"نعم" على الدستور الملفق. ورغم هذا الشك فإن ما يهمني ليس كيف قتل عمر، ولا منْ قتله، على أهمية السؤالين، بل يهمني سؤال أكثر عمقًا: ماذا حدث منذ قتله يوم الثالث من فبراير وحتى انكشاف الحكاية يوم الحادي عشر؟ إذ تشف الإجابة عن طبيعة الجماعة وأهدافها وطرقها للوصول إلى غايتها.

الثابت أن الجناة حاولوا إخفاء جريمتهم بكل السبل، فحسب روايات العاملين في المنظمات الحقوقية: حين وصل جثمان عمر إلى المستشفى وعلم الجنود المرافقون أنه توفي، رفضوا تحرير محضر بالواقعة، وحملوه معهم عائدين من حيث أتوا. ثم اتصلوا بوالده وسلموه له، وحصلوا منه – وهو أُميٌّ معدمٌ – على إقرار بالتنازل عن الحق المدني، مستغلين فقره وضعفه وقلة حيلته. وحينما بدأت الخيوط تتكشف بدأب المنظمات الحقوقية، بدأت تخرج تصريحات متناقضة، فمرة قتله جندي من الأمن المركزي، وأخرى من قوة الجيش التي تحمي السفارة. وتصريحات مضحكة من قوة سخريتها، كأن يقال إن الطلقة خرجت من الجندي بالخطأ، وإن الجندي والطفل القتيل صديقان اعتادا المزاح معًا طوال الأيام العشرة السابقة على مقتله، أو أن الرصاصة التي اختارت قلب عمر خرجت وقت المزاح. وكأن علينا أن نقتنع أنه لم يقتل لأن القاتل صديقه ولأنه كان يمزح معه، وربما نتقبل فكرة أنه المخطئ، فقد وضع قلبه أمام رصاصة جميلة كاليمامة!

بعد فوات الأوان أصدرت القوات المسلحة بيانًا تعترف فيه أن أحد أفرادها هو القاتل، لكنها لم تقل: كيف؟ ولماذا؟ والأهم: لماذا أخفوا الحادث بشكل بدا متعمدًا؟ ثم: أين الدولة التي مهمتها الحفاظ على حياة المواطنين وحقوقهم؟ وإذا كانت القوات المسلحة سعت للتعتيم حفاظًا على رجالها من غضب الناس – إن كان هذا تفكيرهم – فكيف سمح رئيس جاء بعد ثورة أن يحدث هذا بحق طفل فقير لا يعي من أمره شيئًا؟ ثورة كان أحد أبرز شعاراتها الكرامة الإنسانية، ورئيس يدعي أنه منتخب بإرادة شعبية ويحكم باسم الإسلام!

قتل عمر ومحاولة إخفاء تفاصيل الجريمة ليس سوى صورة مما يحدث مع المواطنين المصريين الآن من قبل نظام الحكم وأجهزته الأمنية وميليشيات جماعة الإخوان المسلمين، بل مع شباب الثورة الذين صمدوا بالميادين حتى رحيل مبارك، وانضموا إلى حملة مرسي – في جولة الإعادة – ليحرموا الفريق شفيق من الوصول للحكم. لم تكن البداية بالاعتداء على بضع عشرات من المعتصمين السلميين أمام قصر الاتحادية يوم الخامس من ديسمبر 2012 من قبل فرقة إخوانية مدربة، ولا تقتصر على أخبار التعذيب بمعسكر الجبل الأحمر التابع لقوات الأمن المركزي، بعد إعطاء الجيش حق الضبطية القضائية والشرطة حق التعامل مع المتظاهرين دون سقف، بل وصلت إلى استهداف الناشطين وأدمن الصفحات المعارضة للجماعة، فردًا إثر فرد، من جيكا إلى الحسيني أبو ضيف ومهند سمير وصولاً إلى محمد الجندي.

الجماعة تتغافل عن كل هذا وتتنصل منه، بل وتقلب الحقائق أحيانًا، وحين تسأل قادتها يحدثونك عن النباتات والمنشآت!

كل حالات القتل هذه صاحبها كذب وتضليل، فمرسي علم بقرار وكيل النيابة الذي يحقق مع المعتقلين من أمام الاتحادية، وأعلنه في خطاب رسمي، قبل أن ينتهي التحقيق الذي جاءت نتيجته مخالفة لما أذاعه علانية، ووزير عدله أعلن نتيجة تقرير الطب الشرعي في حادث اغتيال محمد الجندي قبل أن ينتهي إعداده، والغريب أن التقرير جاء مطابقًا لكلام الوزير الذي تتبع له المصلحة، والأغرب أن أحدًا لم يسائل الرئيس ولا الوزير عن تدخلهما في عمل القضاء!

عمر صلاح هو القتيل الذي كشف الغطاء عن فاشية نظام متمسح في الدين، وصلت أبعد مما كان عليه نظام مبارك نفسه، عمر صلاح عراهم جميعًا بلا استثناء: لأنه طفل يمتلئ براءة، لا يستطيع أي كاذب أن يقول إنه بلطجي أو إنه اعتدى على المنشآت أو على رجال الجيش أو الشرطة، ولأنه فقير من عائلة مهمشة مثل غالبية المصريين، لا سند لها، ولأن قاتله ينتمي إلى القوات المسلحة التي فشلت في السيطرة على الخارجين على القانون من المنتمين إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة في سيناء، ولأنه كان رسالة واضحة، مفادها أن المصري لا قيمة له ولا شأن ولا كرامة، مقابل بقاء أنظمة حكم فاسدة كذابة وفاشلة. أما الكلام عن الثورة والديمقراطية والرئيس المنتخب فليس سوى هراء!


*. نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية.