الصحافة السجينة في تركيا
الأحد, 17-فبراير-2013
أرييه نيير -
وفقاً لصحيفتين مواليتين للحكومة في تركيا صحيفة “ستار”، وصحيفة “يني أكيت” فضلاً عن تصريحات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ذاته، فإن أولئك الذين يستنكرون حالة حرية الصحافة في تركيا “إرهابيون” . وهو نفس المصطلح الذي استخدموه الأسبوع الماضي في التنديد بلجنة حماية الصحافيين ومقرها نيويورك، ومنظمة “مراسلون بلا حدود” ومقرها باريس، بعد إصدار كل منهما تقارير تقول إن تركيا سجنت من الصحافيين أكثر من أولئك الذين سجنتهم إيران والصين . ففي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أصدرت لجنة حماية الصحافيين تقريراً ذكرت فيه أن 76 صحافياً مسجونون في تركيا، بما في ذلك 61 سُجِنوا بسبب عملهم الصحفي . ورغم انخفاض الرقم الأخير إلى 49 في ديسمبر/كانون الأول، بعد أن أفرجت المحاكم عن بعض المعتقلين، فإن هذا العدد من الصحافيين المحتجزين في السجن يظل كبيراً للغاية .

الواقع أن الوضع مفجع بشكل خاص، لأن أداء تركيا في مجال حقوق الإنسان كان في تحسن كبير لسنوات عديدة في ظل زعامة أردوغان . فقد تراجع استخدام التعذيب بشكل حاد، كما سجلت الحقوق الثقافية للأقلية الكردية الضخمة، بما في ذلك حق استخدام لغتهم، تقدماً كبيراً، وانتهت السيطرة العسكرية على الحكومة المدنية، وغير ذلك الكثير .

ولكن على الرغم من هذا، فمع نجاح أردوغان وحزبه الإسلامي المعتدل “العدالة والتنمية” في ترسيخ سلطتهم وسيطرتهم على البلاد، تراجع تسامحهم مع المعارضة . فاليوم، اختفت حرية الإنترنت إلى حد كبير، حيث تنص التشريعات على غربلة إجبارية للمحتوى، كما تم حجب العديد من المواقع على شبكة الإنترنت لأسباب تراوح بين تسهيل استخدام المخدرات أو المنشطات إلى مخالفات بموجب قانون الجرائم ضد أتاتورك (مؤسس دولة تركيا الحديثة وبطل تركيا الوطني) .

ورغم أن الحكومة التركية تتحمل اللوم عن التراجع الحاد لحرية الصحافة، فإن سياسات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كانت من بين العوامل التي أسهمت في الوصول إلى هذه النتيجة، فقد أشار الاتحاد الأوروبي إلى أن الأداء في مجال حقوق الإنسان يشكل عاملاً أساسياً في تحديد ما إذا كانت تركيا قد تُقبَل كعضو في الاتحاد، ومع هذا فإن أوروبا أدارت ظهرها للبلاد أثناء فترة من التقدم السريع في مجال حقوق الإنسان .

وكانت هذه النتيجة سبباً في إضعاف أولئك الذين روّجوا لإصلاحات حقوق الإنسان في تركيا، ذلك أن مزاعمهم بأن التقدم على مسار حقوق الإنسان يضمن الالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي تبين أنها كانت زائفة، وبهذا تم القضاء على حافز مهم لتحريك المسؤولين . وإذا أعيدت العملية المؤدية إلى الالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي إلى مسارها الصحيح، فإن هذا من شأنه أن يعضد الجهود الرامية إلى ضمان تحول تركيا إلى مجتمع مفتوح بشكل كبير .

ومن جانبها، تميل حكومة الولايات المتحدة إلى الحديث بلين عندما يتعلق الأمر بانتهاكات حقوق الإنسان في تركيا . فأثناء الحرب الباردة، كانت القيمة الاستراتيجية التي تتمتع بها تركيا، نظراً لقربها الجغرافي من الاتحاد السوفييتي، تفوق كل المخاوف الأخرى . واليوم لاتزال الجغرافيا تلعب دوراً ملموساً، ولو أن قرب تركيا من سوريا، والعراق، وإيران، هو الذي رفع من مستوى تردد الولايات المتحدة في إحداث جلبة في مسألة حرية الصحافة . والواقع أن الولايات المتحدة دعمت انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن جهودها في هذا السياق كانت لتصبح أكثر مصداقية في أوروبا لو مارست بعض الضغوط على تركيا أيضاً لمعالجة أوجه القصور التي تعيبها .

بيد أن الأمل لايزال قائماً، ذلك أن تركيا تتمتع بمجتمع مدني نابض بالحياة، ومؤسسات تفتخر باستقلالها مثل بعض الجامعات الشهيرة . وفترة التقدم السريع لم تصبح بعد في الماضي البعيد . إن الاتحاد الأوروبي يعزز من قوته اقتصادياً وعسكرياً إذا التحقت تركيا بعضويته، ويتعين عليه أن يعمل على إحياء مفاوضات الانضمام على الأسس نفسها التي تقوم عليها الدول الأعضاء الأخرى إذا لبت تركيا المعايير السياسية، بما في ذلك حرية الصحافة .

ومع تولي جون كيري منصب وزير خارجية الولايات المتحدة، يتعين على أمريكا أن تدرك أن هذه الدولة الإسلامية الضخمة في ذلك الجوار المضطرب، لابد أن تظهر زعامتها في مجال حقوق الإنسان . وبوصفها قدوة لبلدان المنطقة، فمن الأهمية بمكان أن تمارس تركيا حرية الصحافة . وإذا قامت أوروبا والولايات المتحدة بالدور المطلوب منهما، فقد يقتنع أردوغان باستئناف دور المصلح في مجال حقوق الإنسان الذي لعبه أثناء سنواته العديدة الأولى في المنصب .

* الرئيس الفخري لمؤسسات المجتمع المفتوح، وأحد مؤسسي منظمة “واتش” لمراقبة حقوق الإنسان، والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”



*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.