قمة الاتجاه الصحيح
السبت, 26-يناير-2013
د.عبد العزيز المقالح -
بعد أن فشلت القمم السياسية العربية، وأثبتت الأيام وواقع الحال بؤس نتائجها وحصيلة انعقاداتها المتكررة، يعود القادة العرب في الرياض إلى قمتهم الاقتصادية في تحول إيجابي ولافت ومثير للتساؤلات، ومنها: هل ستشكل هذه القمة في المرحلة الراهنة بداية لوعي جديد بأهمية الاقتصاد ودوره في التغيير وفي جمع ما فرقته السياسة؟ حيث أعلن المجتمعون في هذه القمة مواربة أنهم أو أسلافهم أخطأوا الطريق الصحيح إلى بناء أقطارهم، وإقامة علاقاتهم على أسس من المصالح المشتركة التي تجعل الانفكاك عنها يؤدي إلى خلل ضار بالجميع . فهل الأزمة العالمية الطاحنة كانت وراء هذا الوعي والتنادي العاجل إلى النظر في المشكل الاقتصادي، وما بدأ العالم يشهده من ضرباته المتلاحقة في أكثر الدول ثراء واحتكاراً للمصالح العالمية .

تساؤلات كثيرة يطرحها انعقاد القمة الاقتصادية العربية، وما أحاط بها من آمال تداعب مشاعر المواطنين العرب من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق . وليس من الصعب على الاقتصاد أن يجمع ما فرقته السياسة، وأن يصحح ما شهده الوطن العربي في العقود الماضية من انقسامات وصراعات، ما كان لها أن تحدث لو أن الأشقاء جميعاً احتكموا إلى العقل وأعطوا للاقتصاد ما يستحقه من إمكانات قيادة وتسيير للأوضاع، وتحويل الشعارات الفضفاضة إلى قواعد تقوم على المصالح والتكامل، وفي إطار من الأخوة والعلاقات القائمة على مجموعة من الثوابت التاريخية، فضلاً عما يتطلبه واقع التحديات المتكاثرة والمتلاحقة من ضرورة العمل بالشعار القديم الجديد الذي يعلي من شأن وحدة الصف والهدف .

وأعود لكي أكرر القول إن في مقدور الاقتصاد في وطن كبير ومتنوع الإمكانات والقدرات ألا يقوم بتصحيح ما فرقته السياسة وحسب، وإنما بتوحيد الطاقات أيضاً، والوقوف صفاً واحداً في وجه الخصوم والأعداء الذين لم يعودوا يخفون أطماعهم في التحكم بمسار الأمة العربية، والعودة بها إلى زمن الاحتلال والتفتيت . ولنا في هذا الصدد أقرب مثال، وهو الاتحاد الأوروبي الذي أعاد إلى القارة الأوروبية استقرارها، وتعاون أبنائها بعد قرون من التناحر والحروب والتنافس السياسي . وبعد أن كان من المستحيل - على سبيل المثال - أن تلتقي فرنسا بألمانيا نتيجة الحروب والمجازر التي قامت بينهما لعشرات القرون، صار الشعبان أحرص على إنجاح الاتحاد وتعزيز تماسكه، بعد أن صارت تحكمه توجهات اقتصادية موحدة وعملة واحدة وأمل في تنمية يشارك في تطويرها كل أبناء القارة التي خاضت مع نفسها وجيرانها أسوأ الحروب وأكثرها قسوة وبشاعة .

ولا ينبغي أن ينسى الزعماء العرب أن القوى المهيمنة الكبرى في العالم تعاني أزمة اقتصادية حادة، وأنها تسعى إلى أن تحل أزمتها على حساب الدول العربية، ولا خلاص لهذه الدول وللعرب جميعاً إلا بتوحيد اقتصادهم وتفعيل السوق العربية المشتركة التي من شأنها أن تشكل قوة تفوق في مكانتها وتأثيرها عدداً من الدول التي تتحكم في مصير العالم، وتمسك بزمام الخطوط العريضة لشؤونه الاقتصادية والسياسية .



*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.