مستقبل الإسلام المتطرف
الاثنين, 07-يناير-2013
محمد خليفة -
على عكس ما يجري في كل مناطق العالم، فقد ابتليت المنطقة العربية والإسلامية بظاهرة التطرف الإسلامي . ولهذه الظاهرة أسباب متعددة أهمها: شعور رواد التطرف بأن الإسلام هو دين الله وأن كل الشعوب يجب أن تدين به سواء أرادت ذلك أم لا، وأيضاً شعور هؤلاء أن المسلمين أصحاب إمبراطورية وحضارة، ومن الواجب إعادة مجد الإسلام كما كان في السابق . وقد ظهرت مجموعة من المؤلفين على رأسهم الهندي أبو الأعلى المودودي، ومن ثم سيد قطب العربي، وهذا الأخير كان أكثر تطرفاً من الجميع لأنه اعتبر أن المجتمعات الإسلامية الحالية لا تسير على النهج الإسلامي الصحيح، ورأى أنه لا بد من نقض هذه المجتمعات وإعادة بنائها من جديد على أساس الفطرة الإسلامية . وقد توالى المنظرون والمروّجون للفكر الأصولي الإسلامي، وظهرت تنظيمات إسلامية متطرفة مثل تنظيم الإخوان المسلمين، وحزب التحرير الإسلامي، وسرعان ما اتخذت هذه التنظيمات إطاراً عالمياً بعد أن انتشرت في مختلف البلاد العربية والإسلامية .

لقد اتخذت القِوى الغربية من الإسلام المتطرف وسيلة وأداة لقتال الجيش السوفييتي الذي كان قد دخل إلى أفغانستان لمساندة حكومة نجيب الله الشيوعية عام 1980 . واستطاع “المجاهدون” أن يجبروا الجيش الأحمر على الخروج من هناك عام ،1989 ومن ثم قضوا على الحكومة الشيوعية الأفغانية في كابول، وسيطروا على كل أفغانستان . وظهر من رحم الحرب الأفغانية تنظيم القاعدة كعنوان للإسلام الأكثر تشدداً، واتخذ هذا التنظيم شكل التنظيم الإرهابي العالمي بعد اعتدائه على مركز التجارة العالمي في نيويورك عام ،2001 ما دفع الغرب ومعه العالم كله إلى ملاحقة أتباع هذا التنظيم . ومع حدوث الاضطرابات في بعض الدول العربية عام ،2011 فقد استغل الإسلام المتطرف هذه الاضطرابات لمصلحته في الوصول إلى السلطة، وخاصة في تونس ومصر تحت شعار “الديمقراطية”، لكن لم تلبث نوايا الإسلاميين في الاستئثار بالسلطة أن تكشفت واتضح أنهم يسعون إلى تطبيق أفكارهم عن المجتمع الإسلامي المفترض على أرض الواقع . فقد سعوا إلى قمع الحريات وإلى قمع المعارضين، والعمل على التهيئة لبناء نظام الخلافة الإسلامية وفق أفكار تقوم على أساس تقسيم المواطنين إلى مسلمين وأهل ذمة، وتقسيم العالم على أساس دار إسلام ودار كفر وبينهما دار العهد .

وقد دفعت هذه التصرفات شعوب هذه الدول التي وقعت تحت رحمة هذه الأفكار المتطرفة للانتفاض ضدها، وبات المشهد الراهن في الدول العربية يعكس حالات التأزم والتشدد في المطالب والنزول للشارع من أجل إسقاط هذه الحكومات المتطرفة . ويبدو أن العالم العربي مقبل على ربيع خالٍ من التطرف الإسلامي ومن جماعات الإسلام السياسي الذين اتضح أنهم كالفطر السام داخل المجتمعات الإسلامية لأنهم دفنوا رؤوسهم في التاريخ ورفضوا النظر إلى الواقع بعيون العصر .

وإذا ما سقط المشروع الإسلامي المتطرف في بعض الدول العربية- وهذا ما يُرجح حدوثه في المستقبل-، فإن التطرف الديني سوف يتراجع في مختلف البلاد العربية، وسوف يتقدم المشروع الحضاري العربي الذي يسعى إلى النهوض الحقيقي بأبناء الأمة، ويعمل على تكريس ثقافة الحوار والاختلاف بين مكونات المجتمعات العربية والإسلامية .

إن الأمة العربية فيها الكثير من المثقفين والعلماء، وهؤلاء سوف يكونون الطليعة لبناء عصر عربي جديد، يتحول فيه المتطرفون إلى جماعات معزولة وغير فاعلة، لكنها قد تستمر- وهذه ظاهرة صحية-، فثقافة الاختلاف التي يجب تكريسها سوف تستوعب كل اتجاهات الفكر وفق تناغم حضاري غير إقصائي، يجعل المشهد الاجتماعي مثل أي مشهد في حديقة أو غابة، حيث تتعدد النباتات والأشجار والحيوانات والطيور والحشرات، لكنها كلها تعيش في بيئة ومحيط متناغمين، وبمنهج يربط بين كل ما هو موجود برباط التعاطف والتجاوب والتفاهم بالحب والأخاء ونظافة القلب والسلوك، ابتغاء القرب من الحقيقة الواقعية الإنسانية بكل خصائصها (التكافل في الخير والصلاح والنماء)، تطلعاً إلى الخلاص من الفرقة والحواجز المعوقة والشوائب المظللة، ومن بينها حاجز الذات وقيد الأفق الذي يكبر فيه الإنسان ويكابر من كبريائه ويخبط في المتاهات المظلمة .


*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.