اغتيال قصة
السبت, 22-ديسمبر-2012
د.عبد العزيز المقالح -
القصة التي تعرضت للاغتيال هي (القنديل الصغير) للكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني الذي اغتاله الكيان الصهيوني في بيروت العام 1972م، قبل أن يغتال قصته بأربعين عاماً . واغتيال هذه القصة وحذفها من مناهج التدريس في الأرض المحتلة دليل آخر على أهمية الكلمة ودورها في سحق نفسية العدو، وإظهار مدى هشاشة القوة التي يمتلكها هذا الكيان ويتباهى بأنها أكبر قوة في الشرق الأوسط، فضلاً عن كونها محروسة بالدعم الأوروبي والأمريكي اللامحدود . وإذا كان هناك من معنى يمكن التقاطه لهذه الحادثة التي لا ينبغي أن نمر عليها مرور الكرام، فهو هذا الشعور المفرط بالقلق الذي يتلبّس الكيان الصهيوني منذ ظهوره ويتزايد بمرور الأيام ويتحول إلى حالة كابوسية تتحسس الخوف والخطر من أبسط الأشياء وأقلها تحدياً ومقاومة .

أي نظام هش ومريض ذلك الذي يحكم بالإعدام على قصة قصيرة ويرى فيها خطراً داهماً عليه وعلى مواطنيه؟ قد يتفهم البعض أن تخاف دولة باطشة كدولة الكيان الصهيوني من امتلاك دولة عربية أو إسلامية سلاحاً نووياً يوازي بعض ما تمتلكه من هذا السلاح المدمر وغير المشروع إنسانياً وأخلاقياً، أما أن يخاف ويرتعش من قصة، فذلك برهان على الضعف الذي ينخر في جدار هذا الكيان ويكشف الأسباب الكامنة وراء صلفه وما يخوضه من مجازر وحروب بحثاً عن الأمان المفقود داخل نفسه وفي محيط تكوينه القائم على الإثم والاغتصاب وتزييف وجوده من خلال القتل والإرهاب وافتعال المعارك المستمرة .

ولعل موضوع اغتيال قصة غسان كنفاني (قنديل صغير) يشكل مدخلاً واسعاً لقراءة واقع هذا الكيان الذي يخاف من الكلمة ومن الموسيقا والأغاني ومن الهواء الذي يحمل أصوات البشر المطالبين بأرضهم وبحقهم في الوجود على هذه الأرض المتوارثة لهم منذ آلاف السنين . وربما تمكنت القوة الباطشة إلى حين في فرض الأمر الواقع، لكن هذه القوة الخائفة المرتعشة لا تدوم ولا تستطيع أن تخلق كياناً متجذراً، لأنها تحمل فناءها في ذاتها وفي كونها قوة باطشة لا أكثر، تقوم على الموت والاغتيال، اغتيال كل شيء يقف في طريقها وترى فيه خطراً يهددها حتى لو كان وردة أو قصة قصيرة أو قصيدة أو كتاباً للأطفال، وهذا ما بدأ العالم يدركه بما في ذلك هذا الجزء من العالم الذي يساند الاغتصاب ويبارك القتل والاستيطان .

لقد اغتال الكيان الصهيوني الشهيد غسان كنفاني منذ أربعين عاماً في واحدة من مئات الجرائم الإرهابية الهادفة إلى إسكات أصوات الثوار ووضع حد لحياتهم المقاومة، إلاّ أن قصة قصيرة عنوانها (القنديل الصغير)، فضلاً عن بقية الأعمال الأدبية التي أبدعها الشهيد غسان بقيت تقاوم وتقض مضجع العدو وسيظل ذلك هو حال هذه الإبداعات بوصفها صوت ذلك المفكر والمناضل الذي توهم العدو أنه قد أسكته وفرض عليه الصمت إلى الأبد . كما يمكن القول إن الاغتيال الأخير الذي تعرضت له القصة المشار إليها سيعطيها حياة جديدة وزمناً أوسع وسيجعل ملايين القراء يبحثون عنها ويبحثون فيها عن المعنى المقاوم الذي يفضح طبيعة الكيان العنصري وخوفه الدائم من خطاب الحرية المقاوم للاحتلال وبكل ما يرتكبه من جرائم وآثام


*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية