الآفاق المستقبلية لاستقلال أمريكا في مجال الطاقة
الأربعاء, 19-ديسمبر-2012
زكي العايدي -

لبعض الوقت الآن، ظلت رؤية استراتيجية معينة تكتسب المزيد من الزخم، ومفادها أن الولايات المتحدة أصبحت قريبة من تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة، وهو ما يمهد الطريق أمام انسحابها سياسياً من الشرق الأوسط وتبرير “محورها” الاستراتيجي الجديد باتجاه آسيا . وقد تبدو هذه الرؤية صحيحة بداهة، ولكن أهي كذلك حقاً؟

الواقع أن أمريكا المتعطشة للطاقة اعتمدت لفترة طويلة على السوق العالمية في تلبية الطلب المحلي . ففي عام ،2005 استوردت الولايات المتحدة 60% من استهلاكها من الطاقة . ولكن منذ ذلك الوقت، تناقصت حصة الواردات، وينبغي لها أن تستمر في التناقص . فمن المتوقع أن تصبح الولايات المتحدة مكتفية ذاتياً في مجال الطاقة بحلول عام ،2020 ثم تصبح مصدرة للنفط بحلول عام 2030 .

وهذا السيناريو يمنح الولايات المتحدة ثلاث مزايا هائلة . فهو من شأنه أن يعزز القدرة التنافسية الاقتصادية للولايات المتحدة، خاصة نسبة لأوروبا، نظراً لانخفاض تكاليف استخراج الغاز الصخري . ومن شأنه أن يقلل أيضاً من تعرض أمريكاً للاضطرابات المتصاعدة في العالم العربي . وأخيراً، يزيد هذا السيناريو من الضعف النسبي لمنافسة أمريكا الرئيسة الصين التي أصبحت معتمدة بشكل متزايد على إمدادات الطاقة القادمة من الشرق الأوسط .

من الواضح أن هذه الحقائق لابد أن تؤخذ على محمل الجد، ولكن لا ينبغي للعواقب التي قد تخلفها هذه الحقائق على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط أن تستخلص على عجل . فبرغم أن الاعتماد على الغير في مجال الطاقة يشكل عنصراً رئيساً في السياسة الخارجية التي تنتهجها الولايات المتحدة في المنطقة، فإن هذا ليس العامل الوحيد . ذلك أن أمن “إسرائيل” والرغبة في احتواء إيران لا يقلان عن مسألة الطاقة الأهمية . فضلاً عن ذلك، فإن الدور الذي يلعبه الشرق الأوسط في الجغرافيا السياسية العالمية سوف ينمو في العقود المقبلة، وهو ما من شأنه أن يزيد من صعوبة التعرف إلى الكيفية التي قد تخرج بها الولايات المتحدة ببساطة من المنطقة . ففي غضون الأعوام الخمسة عشر التالية، سوف تمثل دول منظمة الأوبك نحو 50% من إنتاج النفط على مستوى العالم، مقارنة بنحو 42% اليوم . وعلاوة على ذلك فإن الدولة التي سوف تتوقف عليها هذه الزيادة في الأرجح هي العراق .

وإذا كان النفط يمثل حقاً المصلحة الأمريكية الوحيدة أو الأولى في الشرق الأوسط، فإن علاقة الولايات المتحدة الخاصة ب”إسرائيل” تصبح محيرة للغاية، نظراً للضرر الذي قد تنطوي عليه بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة بين الدول العربية المصدرة للنفط . فحتى عندما كان اعتماد الولايات المتحدة على الطاقة القادمة من الشرق الأوسط في أوجه، فإنها نادراً ما بدلت سياستها في دعم “إسرائيل” .

ومن الأهمية بمكان أيضاً أن نضع في اعتبارنا أن معاناة الولايات المتحدة في عام 1973 بسبب الحظر النفطي الذي فرضته منظمة أوبك كان أقل من معاناة أوروبا، رغم أن أمريكا التي أعادت تمويل وإمداد “إسرائيل” في حربها ضد مصر وسوريا في أكتوبر/تشرين الأول من ذلك العام، كانت الهدف الأساسي من ذلك الحظر . وفي نهاية المطاف، تعزز موقف أمريكا في المنطقة بعد أن أصبحت مصر حليفة للولايات المتحدة وأبرمت معاهدة سلام مع “إسرائيل” .

كما يعني اهتمام الصين المتزايد بالشرق الأوسط تضاؤل احتمالات الانسحاب الأمريكي . فسوف تظل الولايات المتحدة مهتمة بضمان أمن إمدادات الطاقة لحلفائها في آسيا التي أصبحت تعتمد بشكل متزايد على البلدان المصدرة للنفط في المنطقة، مثلها في ذلك كمثل الصين .

رغم ذلك، وفي حين يبدو الانسحاب الأمريكي من المنطقة غير مرجح إلى حد بعيد، فإن تعرض الولايات المتحدة للمنطقة سوف يتضاءل حقاً؛ وفي ظل هذا التضاؤل فإن الدور الذي تلعبه أمريكا هناك سوف يصبح على الأرجح أكثر خفوتاً بل وربما أكثر استهزاء . ومن المرجح أن تكون مشاركتها في الصراع “الإسرائيلي” الفلسطيني محدودة بالحفاظ على الوضع الراهن بدلاً من السعي إلى التسوية الشاملة . وهذا الموقف الذي انعكس في معارضة أمريكا لمنح فلسطين وضع الدولة المراقب في الأمم المتحدة سوف يكون بمثابة الاعتراف من جانب الولايات المتحدة بأنها تخلت عن حل الدولتين في الشرق الأوسط . ومن المؤكد أن هذا من شأنه أن يرضي رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو والطرف الفلسطيني الساعي إلى إضعاف السلطة الفلسطينية . ولكن هذا يؤكد بشكل كامل مزاعم أولئك الذين يعتقدون أن الرئيس أوباما رجل حسن النوايا ولكنه ليس زعيماً ذا رؤية .

* “بروجيكت سنديكيت”


*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية