الإخوان وديمقراطية الحشد
الخميس, 06-ديسمبر-2012
أمينة أبو شهاب -

علامات فشل النموذج الإخواني في الحكم وفشل صيغته السياسية، هي الخلاصة التي عادت لتتأكد وتكرر نفسها في المستجدات الأخيرة العاصفة للصراع في مصر الذي يأخذ شكل المواجهة المدنية والشعبية الواسعة ضد الإخوان . الصيغة السياسية التي اعتمدها الإخوان في الأسابيع الأخيرة هي ديمقراطية الاستناد إلى الكثرة العددية وشرعية الحشود والاستقواء بالأنصار، للتمكين لوجودهم في مواقع وهياكل الدولة المصرية، ولتقويض مؤسسات القانون وتهديد مؤسسة الصحافة والمجتمع المدني بعامة . لم ير الإخوان في الديمقراطية الغربية إلا مقولة الغلبة العددية، حيث تتفق مع أهدافهم وطموحاتهم السياسية وتصلح لأن تكون شرعية سياسية، وأكثر من ذلك كما يتبين بعد توليهم أمور مصر، سيفاً وإرهاباً معنوياً مسلطاً على المعارضين وعلى الشعب المصري عامة .

إن مفهوم الديمقراطية كمرادف للغلبة العددية، وكتعريف أساسي لها، هو نوع الديمقراطية الخاص الذي أهداه الأمريكيون إلى العرب، وذلك في توافقهم مع الإخوان حولها، وفي كون الإخوان هم الذين اعتمدهم الأمريكيون للوجود على سدة الحكم وثوقاً في جماهيريتهم وقدرتهم على تجنيد الجماهير وحشدها وجمع أصواتها في الصناديق . الإخوان لا غيرهم - وبسبب جماهيريتهم - هم من يحرسون التحول الديمقراطي في المنطقة ويضمنون امتدادها وانتشار نموذجها، وفق تفاهمات أمريكية إخوانية واسعة تتضمن ضمان مصالح “إسرائيل” ووجودها .

وإذا كانت هذه الديمقراطية هي سبب القرب الإخواني الأمريكي الحميم وجوهر العلاقة في هذا القرب، فأي أثر سيكون لمواجهات الأسبوعين الماضيين في مصر التي كان عنوانها ومحتواها الأساسي هو الحشد والحشد المضاد؟

إن أول من التجأ إلى حشد الأنصار والمؤيدين هو الرئيس مرسي، وذلك كمظهر للقوة السلطوية وللمنعة والترهيب وقت أن أصدر قراراته المنتهكة للدستور والقوانين المصرية . كان الحشد هو لغة “ديمقراطية” أراد مرسي توظيفها لإضفاء الشرعية على قراراته المرفوضة . ومن المؤكد أنه لم يحسب حساباً أبداً أو أنه دار في خلده وبخلد الجماعة، أن المعارضة الحزبية والمدنية والشعبية قادرة على حشد المتظاهرين بالصورة التي كانت عليها في ميدان التحرير في الأسبوع الماضي .

لقد كان الحشد ومظاهر الثورة في الشارع بل والأزمة التي تعيشها مصر، تعبيراً عن حقيقة سياسية موضوعية وهي خسارة الإخوان السياسية وعدم قدرتهم على الحكم والاستقرار فيه . وحدثت الثورة والمواجهة لتراكمات تناقضات الإخوان وفقدانهم مصداقيتهم السياسية، وحنثهم المتكرر بوعودهم وانقلابهم على عهودهم، وما أصبح واضحاً كذلك مع تحالفهم مع أعداء الأمس في الخارج . لقد تجمعت هذه العوامل وتفجرت دفعة واحدة في الحراك الشعبي ضدهم في ظل عامل آخر مهم كذلك هو الإنجاز السياسي والاقتصادي الضعيف لإدارتهم للبلاد التي دامت شهوراً .

حشد التحرير في الأسبوع الماضي كان لا سابق له إلا في زمن أيام مبارك الأخيرة، وكان ذلك يؤشر إلى معطيات موضوعية بانحسار قوة الإخوان الشعبية خاصة في المدن المصرية، هذا عدا انقلاب المجتمع المدني الكامل عليهم .

وكوسيلة دفاعية وهجومية معاً، لجأ الإخوان مرة أخرى إلى قوة الحشد، وذلك لدحض كل الاستنتاجات عن تقهقر مكانتهم الشعبية، في رسالة أيضاً إلى الخارج وإلى الغرب وأمريكا بوجه خاص . لقد كان واضحاً مدى ارتكان الإخوان إلى عددية حشودهم في جامعة القاهرة وغرورهم بضخامتها التي يقال إنهم بذلوا فيها كل جهد مستطاع لاستغلال بؤس الفقراء الريفيين وحاجتهم إلى المال . كما استغلوا بشكل لا لبس فيه عاطفة التدين وروح الدفاع عن الإسلام والانتماء إليه، في مواجهة “الكفرة” و”الفلول” عند هؤلاء .

لقد بدا لوهلة زمنية وكأن معارضيهم لا قبل لهم بحشد تظاهرات مضادة ومعادلة في القوة والتأثير . ولقد سمعنا زعماء الإخوان يصرحون بغرور أن مظاهرات قصر الاتحادية حيث يقيم الرئيس مرسي لا تتجاوز الألفي متظاهر . ولكن ثبت في تجمع الاتحادية، أن الإخوان سيواجهون أسوأ انتكاساتهم وهزائمهم السياسية بهروب مرسي إزاء ضخامة أعداد المحتجين .

والخلاصة أن خاصية القدرة على الحشد التي كان الاعتقاد السائد أنها حكر على الإخوان وحدهم دون القوى السياسية الأخرى، قد تم نفيها بشكل كامل في الأيام الأخيرة، وفي هذا تطور سياسي يستحق الدراسة والتأمل في دلالته المشيرة إلى فقدان الإخوان لأهم أوراق تميزهم، ما يؤيد ويضيف إلى مجمل صورة خسائرهم السياسية وغير السياسية، وهذا التطور لا شك في أنه مقلق للإخوان في علاقتهم بالإدارة الأمريكية المؤيدة والداعمة لحكمهم، فهذا التطور ينقض أهم أساساته النظرية .


*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية