الثورة ضد الإخوان
الخميس, 29-نوفمبر-2012
أمينة أبو شهاب -

عاجلاً وليس آجلاً يأخذ “الإخوان المسلمون” في مصر في دفع ثمن تناقضاتهم السياسية والأخلاقية والأيديولوجية، وثمن عدم كفاءتهم السياسية وحزبيتهم الضيقة ونزعاتهم إلى السيطرة والتمدّد في كيان الدولة والمجتمع، يدفعون ثمن ذلك غالياً في الغضبة الشعبية المستمرة منذ أسبوع التي هزت كثيراً موقعهم السياسي وأثارت أسئلة المستقبل عنهم . لقد فعلت هذه الغضبة الشعبية في منشأ الإخوان الأم، مصر، شيئاً لا سابق له في تاريخ المجتمعات العربية منذ ظهور جماعة الإخوان في أواخر العشرينات من القرن الماضي، وهذا الشيء هو الهجوم المعنوي الذي يخسر فيه الإخوان أثقل ما يمكن أن يضيع منهم من رصيد، وهو الاحترام ونزع غطاء الهيبة عنهم في عيون شعبهم .

ولئن كان الإخوان محلاً للشيطنة والتشويه السياسي في الماضي بسبب صدامهم مع الحكومات، حيث كانت تلك الشيطنة سبباً في تعاطف الشعوب معهم، فها هم الآن محل للانكشاف والتعرية، والحكم من الشعب الذي نموا في وسطه واحتضنهم على مدى عقود طويلة وهو الشعب المصري .

وأن تنزع هيبة أي حزب سياسي عادي ويكون محلاً لصور الغضب الشعبي والنعوت السلبية والمقيتة، فذلك أمر باهظ الثمن سياسياً، فكيف إذا كان الحزب دينياً في صفته ولغته؟ إن هذا هو ما يشكل المأزق الحالي الأساس للإخوان المسلمين، حيث الخسارة السياسية هي أشد وطأة، فالرأسمال الحقيقي هو الحجاب المعنوي الذي تعرض للتمزيق والاهتراء عبر وضع الإخوان تحت المجهر والعين الشعبية الراصدة خلال الأشهر الماضية التي شكلت زمناً حسابياً فات على الإخوان مدى أهميته، وهم في قمة الحكم وفي موقع الإمساك بنواصي السلطة فيه .

في ضوء ما يخسرون معنوياً وفي عز لحظتهم السياسية الحرجة، ما الذي يملك الإخوان للدفاع عن أنفسهم وهم خالو الوفاض وسجلهم فارغ من إنجاز وطني بنّاء واحد، أو مشروع عمران أو تنمية على الأرض، أو حتى مشروع متماسك مكتوب على الورق، مما يصلح أن يكون وعداً بمستقبل مبشر لأوطانهم . بل إن كل ما فعلته الجماعة في سنتين من صعودها السياسي المدعوم أمريكياً، هو رصيد من خراب أوطان العرب ودمارها وإراقة دماء أبنائها وتقسيمها فصائل وعشائر وأقاليم متقاتلة . الإخوان هم رأس الحربة في مشروع متواصل من الفتن القاصمة للعرب . وفي مصر بالتحديد، فإن الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي هو في حقيقته وضعُ مصرَ على طريق الانقسام والاحتراب الداخلي، حيث ظهر بشكل لا سابق له في عصر الإخوان وحدهم، الشرخ العمودي المخيف في المجتمع المصري ما بين قوى “الحق” و”الباطل”، بحسب اللغة الإخوانية وتصنيفها للمصريين حسب الأهواء والأغراض الحزبية الإخوانية نافخة بذلك شرار العداء بين أبناء الشعب الواحد .

هل هي مصادفة حقيقةً أن انفجار الغضبة الشعبية ضد الإخوان المسلمين منذ أسبوع مضى قد جاءت إثر فصل من فصول تناقضهم السياسي، حيث كان الانفصال الفاضح ما بين سلوكهم السياسي وموجهاته العقائدية والإسلامية بلعب محمد مرسي دور “الوسيط” ما بين دولة الكيان الصهيوني وغزّة؟ لقد أكسبت الوساطة الناجحة في حرب غزة الأخيرة وتقمّص الدور الإقليمي المطلوب أمريكياً، الإخوان مزيداً من الرضا والثناء الأمريكي، وصعد مرسي على موجة الترويج العالية من المسؤولين الأمريكيين وغيرهم بغرور وسذاجة مختاراً توقيتاً ظنّه الأنسب لإصدار قراره الذي يفاجئ به خصومه ومعارضيه . فما كان إلا أن انقلب التوقيت عقاباً له، ذلك بأنه يتحدث بلغتين سياسيتين متناقضتين، وبظاهر وباطن كان لابد أن يصلا إلى حد يثور الشعب وقواه الحية عند حد ما من الاستفحال في المخادعة التي لا تحتمل .

لقد احتوى الإعلان الدستوري لمرسي، موضوع الغضب الشعبي المباشر، أشكالاً من الجور السياسي المطلق والديكتاتورية التي تجاوز بها مرسي حكم الفرعون المصري الذي كان على فرعنته يكن تبجيلاً واحتراماً لقضاته، بعكس مرسي، وذلك في قول قضاة مصر المعنيين بالإعلان، ولكن هذا الإعلان على جدارته بأن يكون سبباً للثورة، لم يكن في الحقيقة إلا القشة التي قصمت ظهر البعير المحمّل بالتراكمات المتلاحقة من ممارسات الإخوان في مصر منذ أن صعدوا موجة الربيع العربي وركبوا قطار الثورة المزعوم .

لم تنكشف فقط “ثوريتهم” المزعومة التي كان باطنها التعاون والتماثل مع أقطاب اليمين الأمريكي من أمثال جون ماكين، ولا عداوتهم للاستعمار وجهاديتهم في فلسطين التي استُبدلت بعلاقة ودية مع “إسرائيل” وتعاون استراتيجي معها، وإنما انكشف كذلك تخليهم السهل عن حدود الشريعة وما يمثل من محرمات معتبرة في الدين مثل القروض الربوية التي أحلوها في قرض صندوق النقد الدولي من خلال علل تحايلية والتفافية . أما مشروع نهضتهم لمصر فقد تجلّى عن أكذوبة صُنعت للانتخابات فقط .

إلى هذا، فلم يُظْهر الإخوان كفاءة سياسية أو اقتداراً في إدارة البلاد، في شتى النواحي بل كان قصورهم وضعف كفاءة قياداتهم أكثر من واضح للعيان، ما أسهم في انحدار البلاد إلى مستويات غير مسبوقة من الفوضى والخراب الاقتصادي . لم يكن الإخوان يمثلون ذلك التناقض والشقة الواسعة بين القول والعمل، ويمثلون صيغة سياسية عنوانها النفاق وعدم الصدقية، بل أظهروا فقراً كبيراً في الأداء الحكومي والتنفيذ وبدت مصر بالفعل أكبر كثيراً من حجمهم .

هكذا تآكل موقع الإخوان على مستوى الحياة المدنية في مصر، ما جعلهم يحاولون الاستعانة بإرهاب السلطة والقوة السياسية في محاولة للقضاء على مؤسسات الدولة التي يمكن أن تشكل حائط صد أمام سيطرتهم .

فلم يكن غريباً إذاً، أن يثور المصريون بقواهم الحية وتياراتهم السياسية وشبابهم على الإخوان بهذه السرعة، بل الغريب ألا يثوروا بعد كل ما رأوه منهم . ثورة المصريين ضد الإخوان تحكي عن الحال السياسي المتردي للإخوان، وهي تُؤْذِن، دون شك، بزوال سيطرتهم السياسية .




*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية