إنه الوقت المناسب للأعداء
الجمعة, 23-نوفمبر-2012
د/ عبد العزيز المقالح -

لم يكن العرب مختلفين في وقت من الأوقات كما هم مختلفون الآن، ولم يسبق للنسيج العربي أن تعرض للتمزق كما يتعرض الآن . وتحت ظروف كهذه لا غرابة أن يأخذ الأعداء استعدادهم للانقضاض والعدوان وإقامة المجازر . كل قطر عربي مشغول بانقساماته وبمشكلاته الحادة غير المسبوقة، وبمحاولات ترقيع ما مزّقه الإهمال وقادت إليه التصرفات الخاطئة . وفي مناخ حزين وكئيب كهذا ما على العقلاء إلا أن يواصلوا بكاءهم على اللبن المراق، فقد ذهبت دعواتهم أدراج الرياح، ولم تعد هناك آذان تصغي ولا عقول تفكر، لاسيما بعد أن تساقط الإحساس بالمسؤولية وبدأ الواقع يطرح بوتائر متسارعة، مستجداته التي ضاعفت من السوء وزادت من تراكم الإشكاليات . وليس في هذا القول أو في بعضه ما يدعو إلى اليأس أو يبالغ في تضخيم الصورة السلبية، فالواقع نفسه هو الذي يعكس حقائقه ويقدمها للناس كما هي بعيداً عن كل تهويل أو مبالغة .

وما حدث ويحدث هذه الأيام في فلسطين، في غزة والضفة، وما يتم في سيناء من استفزازات شاهد على النتائج المؤسفة للواقع العربي، وانعكاس حقيقي للانكسارات المتلاحقة التي وصلت ذروتها الآن . الأشقاء في سوريا يقاتلون بعضهم، والأشقاء في العراق يتربصون ببعضهم ويخوضون المعارك الدموية بصمت . والأشقاء في لبنان في حالة انقسام جارح وحاد، قد يؤدي إلى تمزق آخر قطعة في النسيج الوطني الذي لم يكن في يوم من الأيام متداعياً ومهترئاً كما هو اليوم . والأخوة في ليبيا البلد الذي ضاعت ثروته في المناورات البهلوانية من قبل وتضيع الآن ثروته وكيانه الموحد . ومصر العربية الرمز الكبير للوحدة والمواطنة المتقدمة بدأت تنشرخ من الداخل، وبدأت بوادر الاقتتال الأهلي تتشكل في قلب سيناء التي عادت ولم تعد وتحررت ولم تتحرر .

ولا أريد أن انساق أكثر فأتحدث عن التمزقات والانشطارات التي بدأت تظهر في بقية الأقطار العربية، وفيها ما هو حاد وعنيف وما هو على السطح، وكل ذلك يمنح الأعداء فرصة ثمينة لم تحدث من قبل، وفي هذه المتاهة العربية لا يزال هناك شيء اسمه “الجامعة العربية” يتحرك أو بالأصح يتخبط بعد أن فقد الحد الأدنى من الرؤية والحد الأدنى من الحياد، وإذا كانت فلسطين حاضرة في لقاءات هذه الجامعة ومحوراً من محاورها الدائمة إلاّ أنها تكاد تكون آخر ما يفكر فيه القادة المنضوون في إطار هذا التجمع الذي طال أمده وانتهت صلاحياته ولم يعد لاجتماعاته ولا لقراراته من أثر سواءً على المستوى العربي أو الدولي . وجامعة لا تتمكن من جمع مواقف أعضائها ليست جديرة بأن تعمل شيئاً مهماً وغير جديرة أيضاً بالبقاء .

مرة أخرى أعود إلى القول إنه لا غرابة إذا نشط الأعداء وامتدت أيديهم بشراسة إلى بعض الأقطار العربية أو إليها كلها، وأن يجد العدو الصهيوني في هذا المناخ فرصته المناسبة ليضرب حيث يشاء ويصل عدوانه إلى السودان وأن يشنها حرباً دموية على قطاع غزة وهو واثق من أن العرب في شغل شاغل عنه بأنفسهم وبما يقام بين ظهرانيهم من أحداث ووقائع غير مسبوقة، ولن تضر العدو أو تثنيه تلك التصريحات الكلامية الشاجبة والتي كانت البضاعة الرائجة لدى الأنظمة العربية منذ عشرات السنين . واللافت في هذه الظروف أن عدداً من الأقطار العربية لم تعد قادرة حتى على الشجب والاستنكار .
 


نقلاً عن صحيفة الخليج الإماراتية