أوباما للمرة الثانية
السبت, 17-نوفمبر-2012
د.عبد العزيز المقالح -

كما تمنيت في زاوية سابقة منشورة في هذا المكان، استطاع الرئيس باراك أوباما أن يعود إلى البيت الأبيض لأربع سنوات مقبلة، ونجح في أن ينتصر على خصومه العنصريين الذين وجدوا أن فترة واحدة كافية لمثل هذا الرئيس الذي ليس من طينتهم الزرقاء . وكنت أشرت في تلك الزاوية إلى أن حرص الكثيرين على نجاح أوباما لم يكن حباً لشخصه ولا تقديراً لإنجازاته، فقد خيب الظنون وذهبت الكثير من وعوده أدراج الرياح من خلال محاولاته استرضاء خصومه وتجنب ما يثير غضبهم، وإنما كان الحرص على بقائه لأنه الرئيس الأفضل للولايات المتحدة في هذه الفترة العصيبة والأفضل للعالم، كذلك مقارنة بمنافسه الجمهوري الذي كشّر عن أنيابه ولم يترك نقيصة سياسية داخلية أو خارجية لم يتمثلها ويعلن التزامه بتحقيقها إذا ما تمكن من الوصول إلى الرئاسة .

لقد كانت المراهنة على فوز أوباما مضمونة لمجموعة من الأسباب منها أن الأكثرية داخل الولايات المتحدة مقتنعة بقيادته، ولأن منافسه الجمهوري لم يكن في المستوى الذي يوحي إلى مواطنيه أولاً وللعالم ثانياً، أنه سيقود الدولة العظمى بعيداً من التوترات والحروب . وكانت لتصريحاته المتهورة ردود أفعال محلية ودولية أعادت إلى الأذهان مواقف جورج بوش الابن بكل بشاعتها وصفاقتها، وفي الوقت نفسه كان لتصريحات أوباما تلك التي يقول فيها إنه لن يزج ببلاده في حرب جديدة أثرها الطيب في الداخل والخارج، فالعالم الآن لديه ما يكفيه من المشكلات الاقتصادية والسياسية ولم يعد قادراً على تحمل أوزار حروب أخرى أثبتت فشلها، وكانت وبالاً على مثيريها والمروجين لها، كما أثبتت أنه من السهل خوض الحروب، لكنه من الصعب الخلاص من آثارها المدمرة أو الاستفادة من نتائجها المخيبة للآمال .

والآن، وبعد النجاح الذي أحرزه أوباما بعودته مرة ثانية إلى البيت الأبيض فإن العالم يجد نفسه مضطراً إلى استعادة قائمة الوعود والأحلام التي أطلقها قبل وبعد دخوله إلى البيت الأبيض لأول مرة، وهي وعود كثيرة وكبيرة كان قد ألزم بها نفسه وإدارته لكنه تخلى عنها أو عن أهمها تدريجياً وشغل نفسه، وهو الذي يكره الحروب بحروب أخرى على ما يسمى بالإرهاب، ويبدو أن هذه المهمة قد شغلته حتى عن تحدي الإعصار الاقتصادي ومحاولة إيقاف مده التسونامي الذي استشرى وما يزال يتصاعد ويمسك برقاب المؤسسات والبنوك في كل من الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى من العالم . وقد لاحظ المراقبون أن اللوبي الخفي الذي يتحكم في القرارات المصيرية للدولة العظمى هو الذي أدخل الرئيس أوباما في المتاهات القانونية والأقل شأناً، لكيلا يتفرغ لتحقيق ما وعد به بلاده والعالم .

والآن، وبعد النجاح الذي أحرزه أوباما في ولاية ثانية هل سيتفرغ للوفاء بوعوده وردم الهوة التي يتزايد اتساعها بين الولايات المتحدة وكثير من المناطق الحيوية في العالم، لاسيما المنطقة العربية المعنية بالقضية الفلسطينية وما يسببه تجاهلها للعرب وللعالم من اختلالات وفقدان للأمن والاستقرار نتيجة ما يقوم به الكيان الصهيوني الإرهابي وما يتلقاه من دعم الإدارات الأمريكية المتلاحقة ومن انحياز مفضوح يتنافى مع أبسط القواعد الإنسانية والسياسية؟ وعلى الرئيس أوباما أن يتذكر أن هذا الكيان لم يربك حال الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم فحسب، بل عمل على تسميم العلاقات العربية الأمريكية، وكان بأفعاله العدوانية شبه اليومية وراء ارتفاع حدة الكراهية المتزايدة في الأوساط الشعبية خاصة، لكل ما هو أمريكي ولو كان مفيداً .





*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية