ازدهار قابل للتداول
الأحد, 22-يوليو-2012
مايكل سبنس -

إن الاقتصاد العالمي يواجه تحدياً كبيراً فيما يتصل بالنمو، والآن يحاول عدد كبير من البلدان المتقدمة إحياء النمو المستدام في مواجهة الاقتصاد العالمي المتباطئ. لكن التحديات في مختلف البلدان ليست متماثلة. وبشكل خاص، تختلف الأجزاء القابلة وغير القابلة للتداول من مجموعة متنوعة من الاقتصادات إلى حد كبير.

ففي القطاع غير القابل للتداول (60 إلى 70 في المائة من الاقتصاد في الدول المتقدمة)، تتلخص مثبطات النمو الرئيسة في ضعف الطلب كما هي الحال في الولايات المتحدة في أعقاب الأزمة المالية، ومعوقات الإنتاجية البنيوية والتنافسية كما هي الحال في اليابان. وفي القطاع القابل للتداول، يعتمد النمو على إنتاجية الدولة نسبة إلى الدخول والقدرة التنافسية. وعلى المستوى العالمي، من الممكن أيضاً أن يحدث نقصا في الطلب الكلي على الجانب القابل للتداول.
ولقد أثبت روبرت سولو الخبير الاقتصادي الحائز جائزة نوبل أن النمو يأتي من ثلاثة مصادر: السكان العاملون، والاستثمار في رأس المال، والتقدم التكنولوجي. وتساعد الشريحة المتنامية من السكان الشباب في الحفاظ على التوازن المالي وضمان المساواة بين الأجيال، لكنها لا تعمل في حد ذاتها على زيادة الدخول. ومن ناحية أخرى، يعمل النمو الاقتصادي الأدنى في مستواه من مجموع النمو في الشريحة السكانية العاملة والجزء الموفر للعمالة من التغير التكنولوجي على تغذية البطالة.

إن الدول النامية تعمل على توليد النمو من تعميق رأس المال عن طريق الاستثمار بمجرد دخولها نسق النمو السريع، الأمر الذي يعوض عن نقص الاستثمارات في الماضي على نحو أو آخر. ومن الممكن بالنسبة للدول المتقدمة أن تتخلف عن الركب بسبب نقص الاستثمار، وبخاصة في القطاع العام، واعتمادها بدلاً من ذلك على سبل أقل استدامة وقائمة على الاستدانة لتوليد الطلب. وعلى هذا فإن الاستثمار يشكل جزءاً مشروعاً من أي استراتيجية لاستعادة النمو. لكن كما لاحظ سولو فإن الاستثمار ليس بلا حدود، وذلك نظراً لتناقص العائدات الهامشية. في كثير من الأحيان قد لا تكون هذه الحدود ملزمة، لكن بمجرد نفاد القدرة على تعميق رأس المال، يصبح التقدم التكنولوجي، الذي يجعل المدخلات أكثر إنتاجية في خلق القيمة النهاية، محركاً للنمو في الأمد البعيد.

ويتمثل التحدي في تطبيق هذه الأفكار في عالم يتسم بالاعتماد المتبادل على مستوى الاقتصاد العالمي، واختلال التوازن، وتفاقم المشكلات المتصلة بالنمو وتشغيل العمالة. إنه عالم حيث ترتبط الاقتصادات ارتباطاً مباشراً بالقطاع القابل للتداول من الاقتصاد العالمي، وغير مباشر من خلال ارتباطات الطلب وتشغيل العمالة بين القطاعات القابلة وغير القابلة للتداول من الاقتصادات الفردية.

حتى الآن، لم تُظهِر سوق الديون السيادية في الولايات المتحدة أدلة مماثلة تشير إلى بلوغها الحد الأقصى. لكن أسواق السندات لا تصدر إشارات تحذير مبكرة كثيرة: وما علينا إلا أن نتذكر التكالب المفاجئ على صرف العائدات الذي شهدته إيطاليا وإسبانيا قبل عام.

وتتعلق قضايا النمو الأكثر تعقيداً بالجزء القابل للتداول من الاقتصاد العالمي، حيث يصبح الطلب الكلي العالمي ــ والطلب المشتق الذي يهبط في أماكن مختلفة من سلاسل الإمداد أو القيمة المضافة العالمية ــ هدفاً للمنافسة. ويشكل الطلب الكلي ونموه أهمية كبرى، لكن حصة السوق تمثل أيضاً أهمية كبرى. وبالنظر إلى أنماط النمو في مختلف بلدان العالمين المتقدم والنامي قبل اندلاع الأزمة، ثم على الصدمة السلبية الكبيرة، فمن المرجح أن يحدث نقص في الطلب الكلي العالمي القابل للتداول، الأمر الذي يعني إعاقة عنصر مهم من عناصر النمو العالمي.

لكن بالنسبة للاقتصادات الفردية، فإن الإنتاجية النسبية في مقابل مستويات الدخل تحدد الحصة التي يمكن الوصول إليها من الطلب الكلي العالمي القابل للتداول. وخلافاً للجانب غير القابل للتداول من الاقتصاد، فإن العنصر المحلي في الطلب العالمي القابل للتداول لا يشكل قيداً مطلقاً على النمو؛ ولا يشكل معدل نمو الطلب العالمي القابل للتداول قيداً مطلقا، نظراً لإمكانية زيادة الحصة.

إن العديد من بلدان العالم تناضل الآن في محاولة لتكييف أنماط النمو لديها مع التحديات الجديدة التي تواجهها في ظل اقتصاد عالمي متباطئ. وكي تكون هذه السياسات فاعلة وموجهة بالشكل الصحيح، فمن الأهمية بمكان أن تشتمل على تشخيص دقيق لإمكانات النمو ومعوقاته في كل من الجزء القابل للتداول والجزء غير القابل للتداول من الاقتصاد. أما التركيز على جزء واحد (ولنقبل مشكلات القدرة التنافسية في القطاع القابل للتداول) واستبعاد الجزء الآخر (ربما النقص الخطير في الطلب على الجانب غير القابل للتداول أو ركود الإنتاجية المطلقة) فلن يكون كافياً بأي حال من الأحوال.

*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.