ألمانيا الاتحادية كما ألمانيا النازية في خدمة الصهيونية
السبت, 14-أبريل-2012
نضال حمد -

لا تخفي الحكومة الألمانية كما سابقاتها من الحكومات التي تعاقبت على الحكم منذ الحرب العالمية الثانية وهزيمة النازية فيها انحيازها كما تأييدها المفتوح للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة. وأبعد من ذلك تتبنى ألمانيا حماية وأمن ما تسميه الشعب "الإسرائيلي" والدولة "الإسرائيلية".

وبغية تحقيق ذلك تواصل تزويد الكيان الصهيوني بكل ما يحتاجه من سلاح وخبرة ومال ودعم بلا حدود. كل هذا يتم على حساب الشعب الفلسطيني الذي مطلوب منه أن يوثق كافة الخطوات والمواقف والمساعدات الألمانية للكيان الصهيوني لاستخدامها فيما بعد في المحاكم الدولية كأدلة على تورط ألمانيا في الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة والدول العربية الأخرى.

تواصل الحكومات الألمانية عقد صفقات لبيع أو منح "إسرائيل" أحدث الغواصات النووية "دولفين" التي يمكن استخدامها في ضرب أي مكان بالعالم وبالذات الدول العربية وإيران. وقد استلم الكيان الصهيوني من ألمانيا التي تعتبر ثالث مصدر للسلاح في العالم، ست غواصات نووية والسابعة في طريقها للاستلام، إما مجانا أو كهبات ومساعدات وتعويضات عن قيام ألمانيا النازية بملاحقة وقتل اليهود في الحرب العالمية الثانية.

والغريب أن هذا العالم المنافق، وعلى رأسه حكومات وبرلمانات ألمانيا الاتحادية المتعاقبة والبرلمانات والحكومات الأوروبية والأخرى الغربية، يعطي التعويضات للكيان الصهيوني الذي لا علاقة له بالضحايا لا من قريب ولا من بعيد. لأنه بالأصل لم يكن هناك شيء اسمه كيان "إسرائيل" في تلك الفترة من الزمن، بل إن الضحايا اليهود هم رعايا لدول أوروبية متعددة. ومن المنطقي والطبيعي والعقلاني والقانوني، وكذلك من المفترض أن تذهب التعويضات الى هذه الدول والى عائلات الضحايا، لا الى عصابات استولت على أراضي الغير بالقوة وتمارس الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين. فأعمال الصهيونية في فلسطين المحتلة تعتبر أعمالا إرهابية وفاشية وعنصرية مثل أعمال النازية بحق اليهود في أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية.

والفرق بين النازية والصهيونية أن الأولى مارست إرهابها ووحشيتها لسنوات معدودة ومحدودة، لكن الثانية تواصل أعمالها الإرهابية والوحشية منذ ما قبل احتلالها لفلسطين سنة 1948 وحتى يومنا هذا، وبدون محاسبة ومعاقبة من احد. وتستخدم العصابات الصهيونية الحاكمة في الدولة اليهودية الصهيونية السلاح الألماني والغربي وبالذات الأمريكي في عدوانها المستمر بلا توقف على الشعب الفلسطيني. وقد ارتكبت مستخدمة تلك الأسلحة أو مستعينة بها عشرات المذابح والجرائم في فلسطين ولبنان وسوريا ومصر والأردن وحتى تونس والسودان. والآن تهدد بشكل علني باستخدامها في عدوان تحضره ضد إيران.

الأديب الألماني الكبير غونتر غراس الحائز على جائزة نوبل للآداب، والذي ضاق ذرعا بما يراه من نفاق ألماني وأوروبي وغربي لصالح الكيان الصهيوني، وغض نظر عن ترسانته النووية الضخمة، كتب مؤخرا قصيدة بعنوان "ما ينبغي أن يُقال" هاجم فيها الكيان الصهيوني والنفاق الغربي. وجاء في القصيدة نقد لاذع للكيان الصهيوني وللأوروبيين والغربيين. وهذا مقطع من القصيدة:
الحكم الشائع: "معاداة السامية".
ولكن الآن، لأن بلدي،
الذي تلاحقه المرة تلو الأخرى،
جرائم عتيدة، لا نظير لها، تُعرضه للمساءلة،
سيورّد غواصة أخرى إلى "إسرائيل"،
مجرد صفقة معهودة،
وإنْ كانت الشفاه تسرع في وصفها بأنها تعويض..

اعتبرت هذه القصيدة بمثابة هزة أرضية في ألمانيا وأوروبا لأن كاتبها سخر من التبريرات المقدمة كغطاء للهبات الحربية الألمانية للكيان الصهيوني. على أثرها اتخذت حكومة نتنياهو قرارا بمنع غراس من دخول "إسرائيل". لكن هذا لن يمنع العجوز غراس من رفع صوته ونقد بلده ألمانيا لانحيازها الى جانب الصهاينة ومغالاتها في الدفاع عنهم وحمايتهم وتزويدهم بالسلاح الفتاك، الذي برأيه لن تتوانى "إسرائيل" عن استخدامه ضد الدول والشعوب الأخرى في المنطقة. لذا جاء في مقطع آخر من القصيدة:
"إن القوة النووية إسرائيل تهدد
السلام العالمي الهش بطبيعته؟"

في مقالة نشرت بتاريخ 11-11-2011 على موقع بوابة الوفد الاليكترونية المصري بعنوان "إسرائيل صُنعت في ألمانيا" يصل كاتبها الأستاذ ناجي عباس وبعد شرح طويل وعرض معلومات غاية في الأهمية عن التنسيق الألماني الصهيوني في كافة المجالات وبالذات المخابراتية والحربية والاستفادة من خبرات ضباط نازيين سابقين الى نتيجة مفادها أن: "واقع الأمر يؤكد أن الضباط النازيين السابقين الذين اٌتهموا من "إسرائيل" بحرق اليهود في معسكرات النازي كانوا من أهم المتعاونين مع الموساد "الإسرائيلي" لحماية الدولة العبرية وبمعني أن هتلر ورجاله لم يكتفوا عبر سياساتهم بالتسبب في إنشاء دولة "إسرائيل" بل أيضا حمايتها وبناء أجهزة مخابراتها".

في صيف سنة 2006 وفي فترة حرب تموز- يوليو بين الصهاينة والمقاومة في لبنان قال رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك ايهود اولمرت في مقابلة معه نشرتها جريدة "سود دويتشه تسايتونغ" الألمانية الواسعة الانتشار في الرابع من أغسطس/ آب 2006. إنه يؤيد مشاركة ألمانيا في قوات دولية ترابط في جنوب لبنان من أجل المساعدة على "ضمان أمن الشعب الإسرائيلي". وأضاف في هذا السياق أنه "لا يوجد بلد في العالم يكن صداقة لإسرائيل مثل ألمانيا".

تصوروا هذا المديح لألمانيا من رئيس وزراء صهيوني سابق!! وعلى ماذا يدل هذا المديح؟

يدل على أن ألمانيا تعمل في خدمة الصهيونية والكيان الصهيوني، أولاً لمشاركتها في قوة السلام الدولية من أجل حفظ أمن ما سماه اولمرت أمن "الشعب الإسرائيلي" وهذا يعني أن أمن سكان جنوب لبنان العرب لا قيمة ولا معنى له عند الصهاينة وعند الحكومة الألمانية. ومن المفيد العودة قليلا الى الوراء ونبش العلاقات الألمانية الصهيونية، إذ منذ جاء الى الحكم في ألمانيا سنة 1949 المستشار كونراد اديناور تعهدت ألمانيا بالالتزام المادي والمعنوي لدعم قيام الدولة اليهودية. وبعد سنوات قليلة في سنة 1952 وقعت ألمانيا على "اتفاقية لوكسمبورغ" مع الكيان الصهيوني وتعهدت بموجبها تقديم تعويضات مالية كبيرة جدا للكيان الصهيوني. وبعد ذلك توالت المليارات على الكيان الصهيوني سواء كمالٍ، أو كعتاد حربي وأدوات اتصال وخبرات حربية وأمنية وتقنية وعلمية واقتصادية، وكان ذلك يتم سرا أو-وعلانية.

في العام الفائت 2011 صوتت ألمانيا بكل وقاحة وصلف ضد قبول عضوية فلسطين كعضو كامل في منظمة العلوم والثقافة والفنون، اليونسكو، التابعة للأمم المتحدة، وذلك تأييداً للموقف الصهيوني وإذعانا لطلب "إسرائيل". ولا يذكر المرء أن ألمانيا صوتت في يوم من الأيام مع قرار واحد يدين الصهاينة ويؤيد القضية الفلسطينية بشكل واضح، بل حرصت دائما على أن تكون مثل الولايات المتحدة الأمريكية في صف الكيان الصهيوني ظالما أم مظلوما. حتى أنها عجزت عن، أو ترفض، حماية مواطنيها وسياسييها المعارضين للكيان الصهيوني مثل رئيس وزراء ولاية شليسفيج هولشتاين بارشل، الذي جاء عنه التالي على لسان رجل الموساد السابق المنشق فيكتور استروفسكي، الذي قال في معرض حديثه عن علاقات ألمانيا والصهاينة في كتابه "كنت عميلا لإسرائيل"، إن "إسرائيل" أقدمت على اغتيال سياسيين ألمان وقفوا ضد مصالحها واعترضوا على استباحة "إسرائيل" لألمانيا أرضا وجوا. ومن هؤلاء الضحايا رئيس وزراء ولاية شليسفيج هولشتاين بارشل".

وفي انحياز واضح وسافر الى جانب الكيان الصهيوني أقدمت شركة اديداس الألمانية المختصة بالرياضة بـ"تسييس" الرياضة، حيث رعت الشركة تظاهرة رياضية سياسية في القسم الشرقي من القدس المحتلة ما اعتبره الفلسطينيون السلطويون والعرب العاجزون انتهاكا لما يسمونها قرارات الشرعية الدولية. وجاء تنظيم هذا الماراثون الرياضي الذي شارك فيه 1500 عداء صهيوني بتمويل من شركة اديداس الألمانية وتحت شعار القدس لنا وعاصمة "إسرائيل" الأبدية من أجل تحقيق حلم الصهاينة في إعلان القدس عاصمة موحدة لكيانهم الاحتلالي.

ومن الواضح ان العداء للفلسطينيين والانحياز الى جانب الصهاينة لم يعد حكرا على الحكومات الألمانية المتعاقبة فقط لا غير فها هو يمتد ليصل الى شركات رياضية كان من المفترض بها ان تنأى بنفسها عن الانحياز الى جانب الكيان الصهيوني المتهم بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية.

على كل حال فإن الشعب الألماني له موقف مغاير عن مواقف حكوماته إذ جاء في دراسة حررتها سامية بيبرس، من الطاقم الدبلوماسي في جامعة الدول العربية، ونشرتها مجلة السياسة الدولية، على الرغم من عمق ورسوخ العلاقات الألمانيةـ "الإسرائيلية" إلى جانب مساعي الجانبين لإقامة شراكة إستراتيجية بينهما، بما فى ذلك وضع إطار مؤسسي لهذه الشراكة، إلا أن هناك بعض المتغيرات قد تنعكس بصورة أو بأخرى بشكل سلبي على علاقاتهما الثنائية، الأمر الذي يثير قلق الجانب "الإسرائيلي". وتتمثل أبرز هذه المتغيرات في صعود الحزب النازي الجديد، وفي التغييرات التي طرأت على الرأي العام الألماني حيث تنامت المشاعر المعادية لـ"إسرائيل" والمؤيدة للفلسطينيين داخل أوساط الرأي العام الألماني.



نقلاً عن صحيفة
العرب إونلاين