من يلبس عباءة الدين لا يلبس عباءة السياسة!
الجمعة, 06-أبريل-2012
وفاء الرشيد -

كتبت مقالي الأخير عن الإخوان المسلمين ودورهم في المستقبل القريب للمنطقة، بعنوان كان يطرح سؤالا واضحا ومشروعا «هل يكون الإخوان المسلمين حكام المستقبل العربي؟»، ليأتي مقالي اليوم بعد إعلان الإخوان لمرشحهم الجديد الأستاذ خيرت الشاطر، والذي لمحت عن تجهيزه كمرشح إخواني صحف أجنبية عدة، والذي كان في زيارة عابرة لدولة قطر قابل فيها، قبل ثلاثة أيام من إعلان ترشيحه، أمير البلاد ووزير خارجيتها!

المضحك هو أنه أصبح كل من ينتقد الإخوان المسلمين أو السلف أو أي حزب أعضاؤه يلتحون ويقصرون الثوب، هو علماني خارج عن الدين ويعمل لغير مصلحة الوطن والأمة! وكأن الأحزاب الإسلامية أصبحت اليوم فجأة أوصياء على الإسلام ومن هم فيه! إذ لا يحق لأي فرد كان، أن ينتقد أداء أي حزب سياسي ديني أو أن يتساءل عن نواياه! سباكا كان أو نجارا، مهندسا أو حتى كاتب يتسكع على صفحات الجرائد… إلاّ وتفتح عليه أبواب جهنم الحمراء نقداً وهمساً ولمساً وجهراً… مما جعلني أحمد الله أننا في بلاد الحرمين لا نعاني من حروب الأحزاب هذه ولا النقابات ولله الحمد… ولا قبة لدينا إلا قبة مسجد!
بعد كل النقد الذي تعرض له مقالي الأسبوع الماضي الذي تساءل عن سؤال مشروع ومتداول بالأوساط السياسية، تأكدت أن الكثير ممن يدافع عن الأحزاب السياسية الدينية اليوم هو يدافع لتعاطف أيديلوجي أكثر منه قناعة وفهم دقيق لحقيقة الحال والفكر الذي يمثلونه… فالكثير كان يطالبني مثلاً بأن نعطيهم فرصه قبلما نحكم عليهم! وهم أنفسهم هؤلاء الذين لم يعطوا الفكر الآخر الفرصة لأن يعبر عن نفسه بل حكموا عليه إذا لم يكفروه!… إلا أننا لسبب ما نتحمس دائماً لكل ما هو متعلق بالغيبيات ونساوي بين التدين والكفاءة السياسية ونميل لمن يجاهر في دينه دائماً!

لم يقنعني عذر الإخوان في مصر! لم يقنعني تصريحهم بأن خوفهم على الوطن هو الذي أجبرهم على ترشيح مرشحهم بعد وعود سنين بعدم طمعهم بالسلطة! وبعد فصلهم من الجماعة، للدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح بعدما قرر أن يرشح نفسه ومعاقبة كل من يأيده ها هم يقدمون مرشحهم! والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل بكل هذا التخبط يستطيع الإخوان أن يقودوا السفينة برئاسة مجلس الشعب والشورى والجمعية التأسيسيه للدستور وأضف إلى ذلك اليوم رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية؟ والسؤال الأصعب هو: وبعد حرقهم لكل أوراق الآخرين من القوى الوطنية، من الذي سيساعدهم في هذا الحمل في أصعب أيام تمر بها مصر؟

أن أصوت لشخص صاحب رأي يختلف تماماً من تصويتي لشخص صاحب قرار! وبتوقعي التذبذب والارتباك والتسيب في إطلاق التصاريح النارية الأخيرة للأحزاب الدينية، قد يربك الشارع المصري أكثر من أن يطمئنه! فكلماتك وأنت تحت قبة مسجد أو زاوية، تختلف عما يريده منك مريديك وأنت تناقش تحت قبة برلمان يمثل مستقبل أمة بأسرها… فأين هي الكوادر الإخوانية القادرة على إدارة عجلة الاقتصاد وضبط الانفلات الأمني وتضميد جروح الثورة على الشعب؟ وما هو موقفهم من معاهدة إسرائيل؟ وهم يرفضون دقيقة صمت حدادا على وفاة البابا شنودة في مجلس الشعب! ويهددون بفرض الحجاب وإلغاء تدريس اللغة الإنجليزية وتقفيل السينمات والمسارح وتغيير نمط السياحة التي تشكل جزءا كبيرا من المدخول القومي لدولة مصر! أظن أن الإخوان اليوم غرقوا بمستنقع الغروروالسلطة وأثبتوا بأنهم حزب «وطني» جديد للإخوان المسلمين…

في ديننا الإسلامي قصة جميلة عن النبى موسى عليه السلام (كما ذكرها الكاتب فهمي هويدي) حين غاب عن قومه وتركهم فى عهدة أخيه هارون فانحرف سلوك القوم حتى عبدوا العجل، وحين عاد النبى موسى وفوجئ بما جرى نهر أخاه واشتبك معه وذكر النص القرآنى أن هارون قال: « قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلَا بِرَأْسِى إِنِّى خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إِسْرَائِيلَ» (سورة طه ــ الآية 94) ــ وهى قصة تبرز «فقه الموازنات والأولويات»، ذلك أن هارون سكت على إقدام قومه على عبادة العجل من دون الله، حرصا على وحدتهم، بمظنة أنه إذا ما ضغط عليهم لكى يعودوا إلى عبادة الله فسوف ينفرط عقدهم ويتشتت شملهم. من ثم فإنه وازن بين حالة الشرك العارضة، وبين وحدة القوم التى تعد قيمة استراتيجية بلغة زماننا، فإنه قدم الوحدة باعتبارها مصلحة كبرى، وسكت على الشرك تجنبا للفتنة، وهى الحجة التى قبل بها النبى موسى ولم ينكرها عليه.

قد أكون من القلائل، عدا الحكام، الذين لا يتحمسون للديمقراطية في الوطن العربي، لسبب بسيط أوحد هو أننا لم نزرع الشجرة لنحصد الثمرة في يوم من الأيام ، وبقينا عند العجل!… وبالأغلب أن من يلبس عباءة الدين يجب أن لا يلبس عباءة السياسة قط.

*نقلاً عن صحيفة "الشرق" السعودية