الشباب وتنمية المجتمع
الأربعاء, 22-أكتوبر-2008
هشام علي بن علي -  منذ الفتنة التي أشعلها الحوثي في جبال مران بدأ التفكير في الشباب اليمني الذي وقع بعض منه ضحية هذه الفتنة، ويتوه بعضه الآخر في متاهات التيارات الأصولية والسلفية المتطرفة حينما يعاني الجزء الأكبر منه من مشكلات اقتصادية واجتماعية ونفسية، وتتوزع ما بين البطالة والفقر، والاستقرار العائلي والنفسي وغياب الأحلام وإخفاق الأمنيات والقلق العاطفي والأخلاقي والفراغ الثقافي والتوتر والخوف من المستقبل.
ومشكلات أخرى كثيرة تلف مرحلة الشباب بالقيود وتحد حريتهم واختيارهم ابتداء من التخصص الدراسي الذي يحلمون به إلى الوظيفة أو المهنة التي يرغبون بها إلى الزواج المؤجل في انتظار الوظيفة والمسكن وتوفير المهر.. وبين هذه الآمال الكبرى يدرس الشباب على كثير من الأحلام الصغيرة مثل الهوايات والرياضة والسفر والرحلات .
هكذا تضيق دائرة العيش وتكاد تختفي فسحة الأمل وتصبح مرحلة الشباب التي تعد أجمل سنوات العمر مرحلة مليئة بالإخفاقات المتتالية والشعور بالقهر ومصارع الآمال.
إن عمر الشباب في جوهرة هو عمر الأفكار والرؤى الجديدة ، عمر الإبداع والتطلع والطموح ، عمر البحث عن المطلق واللانهائي والمستحيل ، تلك هي طاقات الشباب وهذه هي آفاق الروح الشابة.
والشباب بما يمثلون من طاقة وحرية وتجدد يحركون سكون المجتمع يجددون الحياة في الشرايين المتصلبة التي هدمتها الشيخوخة وغابت عنها نضارة الشباب ، فجعلت إيقاع الحياة في المجتمع بطيئاً متكاسلاً ، وحيوية أي مجتمع تقاس بمقدار ما يملك شبابه من تطلع وتحفز لا رتياد المستحيل.
وعن طريق قيم الشباب المؤمن بقدرته على التجديد ، الشباب الحالم بالمطلق والمؤمل بغد أجمل وعالم أفضل هذه القيم التي يملكها الشباب هي التي تستطيع أن تجدد المجتمعات وتحرك سكونها ويمكن أن نذكر على سبيل المثال ، ثورة الشباب والطلاب التي اجتاحت أوروبا الغربية في 1968، وعبرت عن رفض الشباب لحالة الجمود التي سادت المجتمعات الرأسمالية ، نتيجة لأزمة القيم والأخلاق التي وصلت إليها المجتمعات الغربية ، لقد زال بتأثير التطور الصناعي والتقني ، نظام القيم والأخلاق والميراث الثقافي والاجتماعي ، ولم يحل محلة نظام جديد، نتج عن ذلك تفشي حركات الهروب واللعب والانتماء ، وظهور حركات الهيبيز، وانصرف كثير من الشباب إلى البحث عن الخلاص في تعاطي الكحول وإدمان المخدرات هروبا من الواقع وتعبيرا عن أزمته الحادة ، وقد كان الشباب الواعي الممتلىء بالقيم الإنسانية ، والقلق من شبح الكارثة المخيم في سماء أوروبا ، مدركاً لدوره في تجديد شباب هذه القارة العجوز، التي انهكتها آثار التجربة الاستعمارية وتكاليف الحرب الباردة بين الشرق والغرب.
ومن حرم جامعة السوربون وباريس وروما ومدن أخرى كثيرة خرج مئات الآلاف من الطلاب في ثورتهم الشهيرة التي تجاوزت حدود أوروبا ووصلت إلى أمريكا وكندا واليابان ، بل أنها طرقت بشكل بسيط الجدار الحديدي للإمبراطورية السوفيتية العنيدة ، وربما لا تحتاج للحديث عن الأثر الكبير لثورة الشباب في أوروبا إن حاضر أوروبا الموحدة اليوم هو أحسن برهان على قدرة الشباب على تغيير مسار التاريخ وإيقاظ الشعوب التي خلدت إلى السبات واستسلمت للضياع.
أعود للحديث عن أزمة شبابنا ، وعن الدعوات التي تتردد لاستيعابها وتحصين الشباب من الوقوع في شرك الحركات المتطرفة، ربما نكون قد أحسنا الإصغاء لصوت المدافع ، وأدركنا أن الشباب الذي قاتل إلى جانب قضية خاسرة ، كان شبابا مأزوماً ضالاً ، ولكن ثمة صوتاً ضائعاً لم نسمعه ، هو صوت الشباب أنفسهم ، ليس القلة التي حملت السلاح دون بصر أو بصيرة ، ولكن الشباب الذين يملأون الشوارع والأسواق والطرقات ، الشباب المتفرق بين مقاهي الانترنت ومقاهي الشاي ومجالس القات ، الشباب الجائر الذي يبحث عن ذاته ويبحث عن دوره ولكنه لايجد سبيلاً أو وسيلة للتعبير عن نفسه.
وفي ظني أن الخيط الأول لحل الأزمة يكمن في المدرسة وفي نظام التعليم القائم على التلقين والصوت الواحد، صوت المدرس بينما يغيب الصوت الآخر الضروري ، صوت الطالب وتغيب إمكانية الحوار وإمكانية التعبير عن تطلعات الشباب بأصواتهم أنفسهم.
لقد رأينا أن المدارس والجامعات الأوروبية كانت ساحات الثورة العالمية للشباب ، والسبب في ذلك أن نظام التعليم نجح في خلق جيل من الشباب يستطيع أن يتحسس مكامن خلله في المجتمع ويستمع إلى إيقاع الأزمة ويشعر بالخطر قبل وقوعه ويستطيع كذلك أن يتحدث بصوت عال في كل القضايا التي تخصه وتهم مجتمعه.
وهناك أطراف أخرى لخيوط الحل تتوزع بين الثقافة والمنظمات المدنية والأحزاب وأجهزة الإعلام وغيرها من المؤسسات والمهم في رأيي هي أن نستمع لصوت الشباب ، أن نعرف ماذا يريدون ، أن يتحقق حوار بين الأجيال وهو حوار ضروري وحاسم من أجل أن نكسب المستقبل!