إذا كانوا لا يريدون الحوار فماذا يريدون؟!
الثلاثاء, 12-يوليو-2011
أفتتاحية صحيفة الثورة -

نستغرب أن تقابل دعوات الحوار من بعض القوى السياسية والحزبية بالرفض والمواقف المتعنتة والمتشددة، التي يغلب عليها طابع التهور والتطرف الذي يتصادم مع روح الديمقراطية وقواعد ممارستها، بل ومع الإطار العام الناظم لمسارات التداول السلمي للسلطة والتنافس البناء والشريف على كسب ثقة الناخبين في صناديق الاقتراع.
وما يبعث على الاستغراب أكثر أن من يرفضون الحوار يتحججون بأن زمانه قد فات، وأن الأحداث التي مرت بها اليمن قد تجاوزت منطق الحوار، دون أن يقدم هؤلاء البدائل التي يمكن أن تحل محل الحوار رغم أنه لا يوجد بديل لمعالجة المشكلات والخلافات والتباينات والقضايا الشائكة سوى الحوار، الذي ظل وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ثابتاً من ثوابت العقيدة الإسلامية وسنة من سنن الحياة، وخياراً أصيلاً من خيارات الديمقراطية ونهجها التعددي ومفاهيمها الحضارية.
والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان هؤلاء لا يريدون الحوار فماذا يريدون، خاصة وأنه لا شيء يمكن أن يحل محل الحوار إلاّ الحوار؟ وبالتالي فإن من يرفضون الحوار، إنما هم بذلك الرفض يتخلون عن التزامهم بالديمقراطية لصالح تكريس عوامل الفوضى والتصادم والصراع الداخلي، ودفع اليمن إلى أتون حرب أهلية دامية تعمل على تمزيق النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي، الذي يظل خطراً قائماً، إذا ما احتكم الفرقاء السياسيون لمنطق العنف بدلاً عن الحوار.
ولا ريب أن مثل هذا الطرح قد أفرز نوعاً من الثنائية المتضادة، من خلال إصرار تلك القوى السياسية على القول بأنها تمارس أنشطتها في نطاق المحددات الديمقراطية، ومن ذلك الالتزام بالحوار كوسيلة مُثلى لحل خلافاتها وتبايناتها مع الآخر، وفي ذات الوقت تتنكر لهذا المبدأ وتسعى إلى القفز عليه باعتماد فرضيات التثوير للشارع وتحريضه على انتهاك كل شرعية بما في ذلك الشرعية الدستورية والديمقراطية.
ونشفق على هؤلاء حينما يقولون أن زمن الحوار قد فات دون وعي أو إدراك أن الحوار ليس سلعة تنتهي صلاحيتها في وقت محدد، وأن الحوار يستند إلى القيم الإنسانية المشتركة، التي من خلالها يتحقق التكامل والتناغم والتوافق والتعايش بين الأسرة الواحدة والمجتمع الواحد، وبين الشعوب والأمم، والثقافات والحضارات.
وانطلاقاً من هذه القاعدة فقد أصبح الحوار ملازماً لنهج الديمقراطية، الذي غدا هو الآخر اتجاهاً انسانياً لتحقيق التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في المجتمعات الإنسانية.
إلاّ أن ما يبدو جلياً أن بعض القوى السياسية التي ما تزال تتحرك تحت بيارق عصور الهيمنة والشمولية والتسلط وطبول الحروب، وتتغذى من منابت ثقافة جامدة، لم تستطع حتى الآن التكيف مع موجبات الديمقراطية، بدليل أن تركيزها ينصب على منطق الثورة وليس على منطق بناء الدولة، والصدام بدلاً عن الحوار، والتأجيج بدلاً عن التهدئة، حتى أن بعض هذه القوى سارعت إلى ركوب موجة الاعتصامات الشبابية، ليس بهدف ترشيد خطاب هذه الاعتصامات، وتوعية من فيها من الشباب الذين دفعت بهم إلى هذه الساحات، وهم في الغالب من المنتمين إليها، بالوسائل الراقية للتعبير عن الرأي بل أنها مع الأسف الشديد عملت على تسميم تلك الاعتصامات، والاستحواذ عليها وسرقة المطالب المشروعة لشبابها، لتغدو هذه الساحات محاطة بالمستغلين، والانتهازيين والطامعين والطامحين والساديين ومرضى النفوس والحاقدين على كل شيء في هذا الوطن.
وما من شك أننا ما نزال نراهن على العقلاء داخل الأحزاب والتنظيمات السياسية، الذين بوسعهم وضع النقاط فوق الحروف، وتصويب المواقف المتهورة وفرملتها وإخراجها من المأزق الذي وضعت نفسها فيه، عن طريق إرشاد أصحابها إلى الوجهة الصائبة والمتمثلة في الحوار، بعيداً عن تلك الاتهامات التي صار يكيلها بعض هؤلاء لأبناء الشعب اليمني، سواء بوصفهم إياه بالخامل سياسياً أو بالجامد ذهنياً. إذ ليس من الحصافة أن ينبري بعض السياسيين، الذين يتقاطرون على الفضائيات، لتوجيه السباب والشتائم للشعب الذي ينتمون إليه، بمثل تلك الأوصاف التي يحاولون تغليفها بمصطلحات مفخخة.
بل أن من المعيب جداً أن يتعامل البعض مع هذا الشعب وكأنه ما يزال قاصراً، وأن الحكمة تسكن في صوامعهم أو في أبراجهم العاجية مع أنهم في الحقيقة ينسجون في تلك الصوامع والأبراج مخططات الفتن والفوضى، وأحابيل زعزعة الأمن والاستقرار وضرب خطوط الكهرباء والتقطع في الطرقات للحيلولة دون وصول المشتقات النفطية للمواطنين، ليضعوا الوطن أمام فصل جديد من فصول الاضطراب والتوتر والأزمات، ومعارك الهدم والتخريب، جنباً إلى جنب مع استمرار صراخهم وعويلهم ورفضهم للحوار.
وطالما أنهم لا يريدون الحوار يتعين عليهم الإفصاح عما يريدون.