الخليج وإيران، العربي التائه يحاور الإمام المهدي
الخميس, 07-يوليو-2011
بقلم: عبد العزيز الخميس -
قبل أسابيع مضت نشر موقع ميدل إيست أونلاين خبرا مفاده أن السعودية تتحفظ على عقد لقاءات مع وزير الخارجية الإيراني صالحي. واليوم هاهو وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل يؤكد ذلك ويزيد أنه رفض صيغة لقاءات طرحها الوزير الإيراني، وأن الإيرانيين وسطوا الباكستانيين من أجل ذلك، لكن السعوديين قابلوا الأمر بكتف بارد.

بعيدا عن الموقف السعودي ومسبباته، يمكن لنا طرح موضوع العلاقات السعودية الإيرانية للتدقيق السريع هنا، إذ كيف يمكن لبلدين أن يقيما علاقات صحية إذا كان أحدهما يمارس التقية الدبلوماسية، فيما الطرف الاخر يتعامل مع الطرف الأول ولزمن طويل على أنه من الممكن إقامة علاقات طبيعية معه وأن الأمر يمكن معالجته مستقبلاً.

الدبلوماسية الإيرانية لديها مرتكز مهم وثوابت معروفة للقاصي والداني أولها خدمة توسع سيطرة الولي الفقيه في العالمين العربي والإسلامي والثوابت هي ان تقض مضاجع الدول العربية بدواع ومسميات ولافتات كثيرة لعل أهمها الإخوان المسلمين الذين باعوا عروبتهم لصالح الوصول الى كرسي الحكم حتى ولو ببترودولارات طهران.

تصور انك تتباحث مع طرف يوسعك قبلا ويحتضنك بحنان طاغ وخنجره يغرزه في ظهرك. هذا الخنجر وضح بعد ان ابتعد عن الحكم الرذيسان رافسنجاني وخاتمي وتبوأ سلطة منزوعة شخص مهووس بالمهدوية، يرسم استراتيجياته حسب ما يريده إمام الزمان. كيف لك ان تصنع علاقات جيدة وصداقة مثمرة مع نظام يقف على رأسيه شخص يرى ان العالم ذاهب الى القبول بمرجعيته كنائب للإمام المعصوم، وطرف ثان هو شخص متيم بفكرة أن الإمام المهدي اقترب خروجه من السرداب وإنها إلا أيام قليلة وسيتغير وجه الكرة الأرضية.

وكما يقال من فمك أدينك. فكيف يمكن للخليجيين ان يديروا حوارا مثمرا مع نظام احتار حتى أهله فيه. فهذا مستشار خامنئي لشؤون الامن القومي ومسؤول الملف النووي الإيراني سابقا حسن روحاني يهاجم اداء السياسة الإيرانية الخارجية ويقول إنها تؤدي الى عزلة إيران الدولية. ويؤكد روحاني على أهمية أن تتفاهم إيران مع بقية العالم. وينتقد تصريحات الرئيس الايراني بقوله "نحتاج الى سياسة خارجية ايجابية، اي قول عبارات تستدعي الموافقة. هل تعني السياسة الخارجية التبجح وقول عبارات نابية؟" ويضيف روحاني "يمكن للمرء ان يحترم شخصا اخر لانه يحمل سكينا في يده، لكن هذا يختلف كثيرا عن الاحترام الذي نكنه لشخص بسبب علمه واخلاقه ومعرفته."

كيف يمكن لسياسي ودبلوماسي عريق ان يفترش طاولة حوار وعلى الجانب الأخر من الطاولة عقول تملكتها افكار ميتافيزيقية لا علاقة لها بعالمنا المتحضر، عقول تستغل العلم لترسيخ التخلف.

كيف لصانع القرار الخليجي ان يقوم بعمله على أكمل وجه وهو يتعامل مع نظام مهدوي مغرق في التاريخ وطامع في ان يقوم المهدي بتغيير العالم وليس الخليج العربي وحده.

أيضا تصور انك تبادل الأخر المودة والصداقة وهو يحيك لك المؤامرات، ليس فقط على النظام بل على مقومات سلمك الاجتماعي، ويراك بعين طائفية ويخوض معك صراعا سرمديا لا نهاية له الا بحلول المهدي وظهوره كي يحل المعضلة.

يواجه من يدير حوار مع ايران مشكلة كبيرة. فهناك رأسان للحكم هما خامنئي ونجاد، وبوجودهما دخلت ايران كهفا مليئاً ببخور الاساطير وهمهمات تصدر من قلعة آلموت الدبلوماسية عبر حراس الحرس الثوري.

على الدبلوماسي الخليجي ان يفهم نقطة مهمة وهي انه لا يتحاور مع نظام مستقر عقليا. نحن امام نظام غريب الاطوار كل اجهزته موجهة ضد العرب وتنتظر فرص ضعفنا ووهننا. ما ان غضت الكويت الطرف وتساهلت حتى نبتت طحالب التجسس الايرانية فيها.

لكن ماذا لو تحدث المسؤولون السعوديون مثلهم مثل الكويت عن شبكات التجسس الإيرانية التي يتم اكتشافها داخل السعودية والتي لا نعرف عنها كمواطنين سوى إن أسعفنا الحظ حضور صالون مسؤول أمني مهم.

ليس سرا أن إيران تغزو دول الخليج بشبكات تجسس من كل نوع. في الكويت بدأوا بإيرانيين ثم اكتشفت الكويت ان هناك شبكة سورية ولبنانية. والله أعلم كم من المحليين ممن يعملون حاليا بقصد او دون معرفة لخدمة أطماع ولي الفقيه.

في السعودية أكاد اجزم ان هناك الكثير من المحاولات الإيرانية لاختراق العمق السعودي. فإيران فعلت بالكويت ما فعلت وهي صديقة لولي الفقيه عبر وزارتها حاليا فماذا تفعل للسعودية حاليا وهي العدو رقم واحد في الخليج.

لا تتمدد ايران لأن لها قوة عسكرية او سياسية بل لأنها تستخدم المغرر بهم من أبناء المنطقة. وتتستر وراء مظلومية الشيعة ودعم القضية الفلسطينية ومن خلال زرع شبكات تجسس وتأييد وخلايا نائمة. ويساعدها على ذلك صمت الدول العربية الكبرى وانشغالها بأوضاعها الداخلية.

إيران تهرب من وضعها الداخلي بتصدير ثورتها وكسب نقاط إعلامية، مستفيدة من بيع بعض العرب لبلدانهم ومصالح أمتهم، لنيل إما رضا ولي الفقيه أو دولاراته. ودولنا العربية الكبيرة كالسعودية تقف صامتة في ركن هادئ وسط صالون يعج بالضوضاء وفي يدها كأس مثلج باللا مبالاة.

صحيح أن السعودية وشقيقاتها من دول الخليج العربية أوقفت التدخل الإيراني في البحرين رغم الاحتجاج الاميركي. ولكن يمكن لنا ان نتوقف عند نقطة مهمة هي تضارب المعلومات. فمصدر مسؤول سعودي يقول ان السعودية بدأت سحب قواتها من البحرين بينما الأمير سعود الفيصل يقول أنها باقية ما بقت الفتن.

قد يقف البعض لينكروا علينا نقد السياسة السعودية وإتهامها بالبرود في التعاطي مع إيران. ويطرح تساؤلاً: ماذا تفعل السعودية وهي ترى أنها والإمارات والبحرين يقفون ضد السياسة الإيرانية دون معونة من عمان أو قطر أو حتى الكويت ضد المخطط الإيراني، الذي لو تكاتف الخليج العربي ضده لتضعضع. صحيح هذا الرأي. لكن الدول الكبرى لا تستحق هذا المسمى ان كانت تحتاج غيرها مهما بلغ حجمه.

تحتاج السعودية أن تحصن نفسها بتلاحم بين شعبها وقيادته عندها وبمشاركة أخوتها في الخليج ستقف سورا منيعا لحماية عروبة الخليج ونمائه وإزدهاره.هذا التلاحم يحتاج إلى أن تكون هناك عدالة ومساواة وحقوق وحريات. بكل هذا تبنى الأمم القوية.

هذا لا يعني أن إيران لم تصل إلى ما وصلت إليه لأن لديها ديمقراطية وعدالة ومساواة، فلا فرق بين دول الخليج وإيران سوى أن إيران أسوأ اقتصاديا واكثر عزلة وهروبا الى المغامرات السياسية.

لكن ايران دولة لديها عقيدة وهدف، عقيدتها ما يريده الولي الفقيه وهدفها التوسع والسيطرة. سلاحها ذكاء ساستها ودهائهم الفارسي. والأهم من ذلك كله إستفادتها من غباء السياسة الاميركية وتقديمها العراق ولبنان وايضا سوريا على طبق من ذهب لإيران. وأهم من ذلك عدم فطنة إخوتنا الشيعة العرب في مناطق عديدة وتحالفهم مع الولي الفقيه الذي لا يراهم سوى اتباع لا مواطنين، ويستعملهم لتنفيذ مخططاته.

طبعا لا نريد من حكام الخليج أن يلبسوا عمائم ويبشروا في الأرض بالتطرف والمذهبية.

نريد منهم أن يلبسوا عمامة التحالف بين بعضهم البعض. وأن لا يكونوا ملوك طوائف. أن يكون الوطن قبل الحاكم لدى كل مواطن كعقيدة، فالخليج العربي في طريقه لأن يصبح مقاطعات إيرانية اذا لم يبدأ مواطنوه شيعة وسنة حمايته. ومهما أبتسم متقي او صالحي او حتى خامنئي، علينا أن لا نقبل القول دون الفعل.

إن أرادت ايران دورا في المنطقة فعليها أن تفهم ان لنا أيضاً دورا، بل نحن أهل المنطقة في غرب الخليج وشرقه.

وان إرادت إيران أخوة إسلامية فلا نريد أخوة تشبه أخوتها للشعب العراقي المجروح، بل نريدها ان تعكف على نمائها وراحة شعبها، وأن تقتصد في أمواله التي تنفقها في مغامرات تفشل وستفشل ان شاء الله.

ما يحدث حاليا بين الدبلوماسيين العرب ونظرائهم الايرانيين هو أشبه بحوار بين الإمام المهدي وعرب تائهون وسط أساطيره.

عبدالعزيز الخميس