الدولة الفلسطينية ... وآفاق التسوية السياسية
الأربعاء, 06-يوليو-2011
بقلم: الدكتور ناجى صادق شراب -
يبدو أن أية مفاوضات قادمة ستتم في ظل ظروف غير مواتية وفي ظل ظروف سياسية غير تفاوضية ولا تسمح بالتسوية النهائية وأمكانية الوصول الى حلول لكل القضايا التفاوضية التي قد حسمتها اسرائيل مسبقا بالتأكيد على ثوابتها ، ومن هذا الفهم أعتقد ان هذه المفاوضات ستقوم على فرضيتين أساسيتين ألأولى عدم أستعداد اسرائيل لا الآن ولا في المستقبل بالتسليم بوجهة النظر الفلسطينية بالنسبة لقضايا القدس أو اللاجئيين أو حتى الدولة الفلسطينية ، وذلك من خلال تأكيدها على يهودية الدولة من ناحية ، ومن خلال حسم قضية القدس قبل التفاوض ، ومن خلال فرض حدود وشكل ومستقبل الدولة الفلسطينية ، والفرضية الثانية ربط قيام الدولة الفلسطينية بمستقبل التسوية السياسية ، بمعنى إذا كانت هناك مصلحة من قيام هذه الدولة في هذا الشأن فقد يسمح بقيام هذه الدولة التي قد تشكل أطارا عاما لتسوية القضايا التفاوضية ألأخرى ، وحيث أن هذه الدولة بكل مكوناتها الجغرافية والطبيعية والطبوغرافية والمساحة ، وتوفر الموارد الاقتصادية ، وفى ضوء العامل السكاني الفلسطيني وزيادته بمتوالية هندسية ، ستكون الدولة الفلسطينية مجرد خطوة أو مرحلة في إطار تسوية إقليمية ، وهذا يقودنا الى إضافة الفرضية الثالثة التالية وهي أن قضايا اللاجئين والقدس لا يمكن أن تحل إلا في إطار إقليمي ، وإذا ما أخذنا في الاعتبار البعد ألأمني ألإسرائيلي سندرك استحالة ألإمتداد ألإقليمي للدولة الفلسطينية بعمقها العربي ، واخيرا لا توجد ضمانات لما يمكن ان تكون عليه هذه الدولة من ارتباطات وتحالفات وخصوصا في ضوء التطورات الفلسطينية الحالية وسيطرة حماس على غزه وصعوبة عودة ألأمور الى سابق عهدها ، وإذا اضفنا بعد الفصل الجغرافي بين الضفة وغزه ، والحواجز الجغرافية التي تفصل مدن الضفة الغربية ، كل هذه الاعتبارات لا ينبغي أن نتجاهلها ، وستفرض نفسها على أجندة المفاوضات القادمة التي ستختزل وتركز على الدولة الفلسطينية كمنهج لإدارة المشكلة وليس حلها ، وعليه في ضوء التسوية ومحدداتها ، وفي ضوء استحالة حل القضايا التفاوضية المذكورة ، لا بد من قيام هذه الدولة وقبولها عضوا في ألأمم المتحدة ، ثم بعد ذلك يمكن الحديث عن الخيارات ألإقليمية الكونفدرالية أو الفيدرالية ما بين ألأردن ومصر وحتى اسرائيل في صورة من صور الكونفدرالية ألاقتصادية لأنه وفي كل ألأحوال لا يمكن ألاستغناء عن أشكال التعاون ألاقتصادي مع اسرائيل التي تملك الكثير من القدرات ألاقتصادية التي تحتاجها الدولة الفلسطينية .وقد يعتقد البعض أنني أكرر ألاقتراح الذي تحدث عنه مستشار ألأمن الاسرائيلي السابق جيورا ايلاند والذي قدم مشروعا ورؤية اسرائيلية لمركز بيغن السادات وأقترح فيه كونفدرالية فلسطينية أردنية من ثلاث ولايات على غرار الولايات الامريكية التي تتمتع بصلاحيات وسلطات واسعة مع سلطات سيادية للسلطة المركزية ، ولسنا بصدد تحليل وتفنيد هذه الدراسة ، لكنها في الوقت ذاته تشكل رؤية سياسية لا يمكن تجاهل أنها تعكس فكرا وتصورا سياسيا اسرائيليا وخصوصا في الفكر الليكودي الذي يؤمن بعدم جدوى قيام الدولة الفلسطينية ألا في اطار الوطن البديل وهو ألأردن ، قد يحمل المشروع بعض النقاط التي تحتاج الى مزيد من التحليل والدراسة ، لكن اهميتها أن على المفاوض الفلسطيني أن يقدم رؤيته الفلسطينية الواضحة والمحددة في ضوء كل ألاعتبارات التي تحكم أي تسوية سياسية واقعية بعيدا عن دور المنتظر لمبادرات ألآخرين ، لا بد من رؤية إبداعية تأخذ في ألاعتبار طبيعة وخصائص الصراع من ناحية ، وشمولية القضية الفلسطينية ، وأبعادها ألاقليمية والدولية ، آخذين في ألاعتبار ماذا تعني التسوية السياسية ،وما هي ركائزها ومحدداتها وبدائلها .
ويجب ان يدرك المفاوض الفلسطيني أن التسوية السياسية في حد ذاتها تشكل مرحلة مهمة يمكن البناء عليها، وعلينا أن لا نقلل من أهمية قيام الدولة الفلسطينية بكل معوقاتها وتحدياتها ، فقيام كينونة سياسية فلسطينية كامله في صورة دولة فلسطينية لها عضوية كامله في ألأمم المتحدة خطوة مهمه في اطار أدارة الصراع بطرق تقوم على التقدم والتنمية وتوظيف لكل الطرق السلمية التي لا تقل أهمية عن ألأساليب العسكرية التي فشلت في حل الصراع ، فمثل هذا الصراع لا تجدي معه الا ألأساليب السلمية وهنا تكمن أهمية قيام الدولة الفلسطينية ، وأهمية التعاون ألاقليمي سواء في صورة كونفدرالية أو فيدرالية.
وأخيرا فان ما نحتاجه هو الرؤية السياسية المستقبلية ، فكفانا أكثر من ستين عاما من فقدان الرؤية السياسية وحصرها في الرؤية الشمولية التي تنتهي بإنتهاء اصحابها . 



المصدر : القدس