حوار الأخوان والاميركان: حفلة تخرج.. ام امتحان؟
الثلاثاء, 05-يوليو-2011
بقلم: عبدالله كمال -
ربما يكون «الإعلان» عن بدء «اتصالات محدودة» بين وزارة الخارجية الأميركية وجماعة الإخوان في مصر قد تأخر بعض الشيء، إذ كان من المتوقع أن تقدم واشنطن على خطوة من هذا النوع في غضون مارس/آذار الماضي، وبعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك وإجراء الاستفتاء على التعديل الدستوري، واتضاح مسعى الجماعة «المعضد» نحو الاستحواذ على المشهد السياسي القادم في مصر.

«الإعلان» في حد ذاته، قد لا يكون أكثر من غطاء مكشوف لمجريات كثيفة، حان وقت إتمامها، حتى لو كانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قد وصفت الاتصالات مع الجماعة بأنها سوف تكون «محدودة»، ومن المفهوم أن «الحوار الرسمي» سيكون قمة جبل الجليد لقدر واسع من اللقاءات التي لن تكون معلنة على مستويات مختلفة وعبر قنوات لا علاقة لها مباشرة بـ «الخارجية الأميركية»، وإنما مع أجهزة أمنية وجهات أخرى في الأساس لابد أنها سوف تضم يهودا أميركيين.

عمليًّا، وعلى الرغم من «الحرج» الذي كان يمنع واشنطن من التواصل المباشر مع الإخوان، فإن اللقاءات والاجتماعات بين ممثلي الولايات المتحدة «المختلفين» وبين أعضاء الإخوان كان يأخذ في عهد مبارك أشكالا خاصة، لاسيما من خلال نواب الجماعة في مجلس الشعب بمقتضى صفتهم البرلمانية أو من خلال حضور الإخوان مؤتمرات خارجية أو عن طريق بعض المدونين الشباب. لكن الوزيرة كلينتون كانت قد قالت في تصريحات لها يوم 5 فبراير/شباط الماضي وإبان احتدام الأزمة المصرية إن الولايات المتحدة تتواصل مع جميع الأطراف المصرية، مردفة: «حين أقول كل الأطراف فأنا أعني جميع الأطراف»، ما فهم منه أن هذا كان يشمل الإخوان أيضا..فضلا عن أن صيغة الإعلان عن الحوار قد التزمت بتعبير «الاستئناف»، ما يعني أنه كان «قائما» بالفعل.

تقديرات ملموسة تعتقد أن «الإعلان» عن «حوار الاتصالات المحدودة» بمثابة «حفل تخرج» للجماعة، وأن كل شيء قد تم وبقي أن يتم «إخراج» المشهد السياسي. لكن تقديرات واقعية وعملية وتعرف ما هي التعقيدات الأيديولوجية التي تتسم بها جماعة الإخوان ترى أن هذا الإعلان إنما يمثل «امتحانا أميركيًّا» بقدر ما تراه الجماعة نفسها «فرصة».

عبارة «الاتصالات المحدودة» قد تبدو «مهينة» للإخوان، وقد تكون مجرد كلمة غير مقصودة، لكن الأخبار التي تسربت صباح الخميس الماضي ثم انكشفت بوضوح رسمي في مسائه، سرعان ما وضعت الجماعة في موقع «الدفاع عن النفس».. إذ سارع المتحدثون باسمها لأن يقولوا إن «الحوار سوف يكون فرصة لتوضيح الصورة وجسر الهوة».

من جانبها، فإن كلينتون وضعت في نص تصريحها شروطا أحاطت بها الحوار تمثلت فيما يلي:

- التخلي عن العنف والالتزام بالسلمية.

- الإيمان بالديموقراطية الكاملة، التي لا تعزل الأقليات، وتستبعد نصف المجتمع ـ في إشارة إلى موقف الإخوان من الأقباط والمرأة.

- احترام تعهدات مصر الخارجية، خصوصا اتفاقية السلام مع إسرائيل.

دخل الإخوان في واحدة من معضلاتهم الأحدث بمجرد الإعلان عن «الحوار»، إذ تضاربت تصريحات «الجماعة ـ الأم» مع تصريحات «الحزب - الابن» الذي ينتمي إليها، وعاد السؤال ليطرح نفسه: أيهما الإخوان؟ والأهم: لمن الولاية ولمن الموقف.. لمن المنهج ولمن السياسة.. وهل الحزب سيكون مستقلا عن الجماعة أم أنه إليه تنفيذ عملية لتوجهات الجماعة وليس سوى وسيلة تابعة لا مرونة لديها؟ أنها معضلة الاستقلالية التي كان قد طرحتها ورقة مناقشة أخيرة صادرة عن مركز «كارنيجي» كاشفة عن التباسات قائمة بالفعل أمام الأميركيين.. وهي على كل حال مطروحة على الإخوان في مصر منذ سنوات وقبل أن يشكلوا حزبهم.

رشاد البيومي، نائب المرشد محمد بديع، بلغة إخوانية صريحة، تحدث عن «المشروع الصهيوني ـ الأميركي»، باعتباره العدو الأول للعالم العربي، في ذات الوقت الذي كان يقول فيه إن الجماعة لن تهرول إلى الحوار بمجرد أن توجه إليها الدعوة، وأن لديها شروطا لابد أن تتم الاستجابة إليها، معبرا بذلك عن «صقور الإخوان».. في ذات الوقت الذي كان فيه القيادي الحزبي محمد سعد الكتاتني رحب بالحوار قائلا: لقد أصبحنا حزبا موجودا.. كنا من قبل نشترط وجود ممثل حكومي في الحوار.. لكن شرعيتنا الآن توجب أن يكون الحوار مباشرا.

لقد اعتبرت دوائر إخوانية أن الإعلان عن الحوار بمثابة «وقيعة مع التيارات السياسية المصرية الأخرى»، وربما كانوا يفضلون أن تلفه السرية وأن يصلوا إلى صيغ في الخفاء، استنادا إلى طبيعة ذاتية ركنوا إلى مواصفاتها سنوات طوال، ولاشك أن مخاوفهم في محلها.. إذ لابد أن يكون مطروحا على الرأي العام المصري والعربي الآن سؤال مؤداه: أليست هذه التواصلات هي التي كانت تقوم بها إدارة مبارك المنتهية والمنتقدة؟

في الجانب الآخر، أميركيًّا، هناك التباسات واضحة، وتواجه الإدارة الأميركية انتقادات واسعة بشأن الحوار والإعلان عنه، مثلا روبرت ساتلوف، وهو من المحافظين الجدد كان أن قال إن الحوار مع الإخوان لا تحيط به استراتيجية أميركية واضحة ومحددة الأهداف، دون أن يتجاهل الهجوم على الإدارة لأنها بعد أن قامت بدور مؤثر في أحداث مصر خلال يناير وفبراير الماضيين عادت إلى التكاسل غير مدركة أن هناك مهام واجبة في مصر من الضروري القيام بها.

أما كارل روف، أحد مستشاري إدارة بوش السابقة، متعانقا مع قناة فوكس التي استضافته، فقد شنا سويا هجوما حادا على الإدارة لأنها تحاور «جماعة خطرة»، تميل إلى العنف، لها علاقة وثيقة مع حماس، بل رددت مذيعة فوكس سؤالا لم يكن موجها لضيفها حين قالت: كيف يمكن أن تتحاور واشنطن مع جماعة تقول: «القرآن دستورنا.. والجهاد في سبيل الله أسمى أمانينا».

إن الانتقادات اليمينية المعلنة أبعد من أن تكون مجرد تلاسن من المعارضين للإدارة التي يتمنون أن تفشل في أي مسعى لكي يحقق معسكرهم مكاسب انتخابية، ولكنها في العمق تكشف بالفعل عن أن الإدارة لم تقرر ما هي طبيعة الحوار وما هي أهدافه.. هل يتخطى نقطة الاستماع إلى الإقناع؟.. وهل هو يتجاوز مرحلة طرح السؤال إلى محاولة إقناع الإخوان بتعديل الإجابة؟.. هل هو استطلاعي أم تدريب تحويلي؟

حالة من الحفاوة أو للدقة الشغف الإعلامي حظيت بها جماعة الإخوان منذ انتهت مجريات الفعل الثوري في فبراير الماضي في مصر، بتنحي الرئيس السابق حسني مبارك، حتى وصل الأمر حد أن صحفا محلية غير معنية عادة بشؤون الشرق الأوسط في الولايات المتحدة راحت تجيب عن سؤال «من هم الإخوان المسلمون؟» في سبيل تعريف قرائها بهذا الغامض الجديد.

لكن مصادر ترصد ما يدور في واشنطن قالت إن هذه الحفاوة لا تعكس قدرا مهولا من القلق يجوب في أروقة نخبة واشنطن الحاكمة والمتابعة بشأن ما قد يحدث في مصر لو أنها صارت سياسيا في قبضة الإخوان.

وبينما يذهب «متذاكون في الإخوان» إلى أن برجماتية الولايات المتحدة سوف تدفعها إلى أن توائم مصالحها «على أي شاسيه».. هكذا حرفيا يقولون.. أي ليس مهمًّا من الذي يحكم، ولكن كيف تتحقق المصالح الأميركية.. فإن الإعلان عن الحوار أميركيًّا يكشف عن سعي لمعرفة أبعاد هذا الكائن «الأسطوري».. والأهم تطبيق المعلن من قبل الرئيس أوباما نفسه الذي قال إنه سوف ينفتح على الجميع «صديقا أو عدوا»..وأنه سيتحاور مع كل الأطراف.. كما جاء في خطابين رئيسين له في 2008 و2009، وهو ما كان إطارا لحوار لم يكتمل مع إيران ولم يحرز نتائجه.. لقد بدأ أوباما مع إيران بالحوار ولم تزل الأزمة في الخليج تتصاعد بعد أن تجمد هذا الحوار.

المتابعون، يعتقدون أن هناك قدرا من السذاجة لدى الإدارة الأميركية لابد أن عليها أن تكتشفه بنفسها، في ضوء أنها لا تدرك عمق الأبعاد الأيديولوجية التي تقيد عمل جماعة مثل الإخوان بينما هي مطلوب منها أميركا فقط أن تعلن أنها لا تؤيد العنف.. وأن العنف ليس مجرد تصريحات.. وإنما هو مكون أصيل في الثقافة التي تنبني عليها الجماعات المتطرفة، وأن المشكلة ليست في المعلن وإنما في الخفي، وأن هناك ما يعرف باسم «التقية».. والأهم أنه ليس كل ما له علاقة ما بـ«حزب العدالة التركي» سوف يكون مثله.

عمليًّا، جماعة الإخوان بين قطبي رحى وهي تمضي في اتجاه هذا الحوار، الأول هو علاقتها الوثيقة والتنظيمية مع حركة حماس، بكل ما لهذا من أبعاد مع ملف فلسطين، والمقاومة، واحتمالات السلام، والنظرة التي تؤمن بها الجماعة في معالجة أمر «الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي»، وما هي طبيعته.. هل هو «عربي - إسرائيلي»، أم «إسلامي - يهودي»، أم «فلسطيني - إسرائيلي»، أم كما قال رشاد بيومي «مواجهة مع مخطط أميركي -صهيوني»؟ والقطب الثاني هو تلك الأحلام التي تراود الباحثين في مراكز الدراسات الأميركية حين يعتقدون أنه يمكن للجماعة أن تتحول في وقت وجيز إلى نموذج يحاكي حزب العدالة في تركيا.

لا هذه يمكن لجماعة الإخوان أن تتباعد عنها، أي حماس، ولا ذاك يمكن أن تكون عليه نفس الجماعة، أي حزب العدالة.

على سبيل المثال، فإن تحولا هامشيا اتخذه خالد مشعل بينما كان يحضر التوقيع على اتفاق المصالحة بين حماس وفتح في مصر، حيث قال إن من المقبول لأبي مازن أن يتفاوض على الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة والقدس الشرقية..هذا التحول فجَّر في وجه خالد نفسه انتقادات مهولة من داخل حماس - غزة.

كما أن لدى حزب العدالة مجموعة من القيم الأوروبية والرضوخ لقواعد علمانية لا يمكن حتى اللحظة لجماعة الإخوان أن تتعامل معها بصراحة وبنفس الدرجة.. بل يبدو هذا مستحيلا من الناحية العملية.

لقد انبنى وضع جماعة الإخوان الحالي على أساس استثارة الجمهور ضد إدارة مبارك السابقة في ملفات مختلفة، كان من بينها اتهامه بالخيانة والرضوخ للأجندة الإسرائيلية، وإذا كانت الجماعة لا تتطرق الآن إلى ما كانت تردده من قبل بشأن رغبتها في إعادة تقييم اتفاقية السلام مع إسرائيل، فكيف بها يمكن أن تقرر موقفها من تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل، وما هي رؤيتها لمصير بروتوكول الكويز الذي يقتضي تعاون صناعتي النسيج في مصر وإسرائيل، وكيف يمكن أن تتعامل مع مسألة المعبر عند رفح والأنفاق السرية تحته؟ وما هو تصورها لسبل تحقيق السلام إجمالا.. في ضوء تحالفاتها المختلفة وعلاقاتها التنظيمية التاريخية والأهم مرجعيتها الأيديولوجية.

إن السؤال الذي يجب طرحه على الإخوان بينما هذا الحوار يبدأ علنا: إذا كان الرئيس المصري السابق حسني مبارك قد بدأ في نهاية حكمه أقل تعاونا مما تريده إدارة بوش وإدارة أوباما في ملف السلام، فهل يمكن لجماعة الإخوان إذا جاءت إلى حكم مصر أن تكون أكثر راديكالية من مبارك؟ علمًا بأن التحليلات تذهب إلى أن أحد مبررات دعم التغيير أميركيًّا في مصر كان له علاقة بالرغبة في تحريك المواقف الجامدة في المنطقة بخصوص هذا الملف..عن طريق إبعاد عنصر رأت الولايات المتحدة أنه قد أصبح جامدا وغير قابل للتحرك المبدع في اتجاه عملية السلام.

وإذا كان ملف السلام محوريا في هكذا نقاش يمكن أن يدور بين واشنطن وجماعة الإخوان، على أساس أنه محوري في أيديولوجية الجماعة، ومحوري في محددات الدور الإقليمي لمصر عموما، فإن معضلات أخرى سوف تظل مهمة.. ومؤثرة في الحوار وفي مستقبل الجماعة وشكلها وبرامجها.. ومنها ما يلي:

* مسألة موقف الجماعة من المرأة في مصر، وحدود مشاركتها، وأبعاد دورها، في ضوء أنه حتى اللحظة لا يوجد أي تمثيل للنساء في مكتب إرشاد الجماعة أو في مجلس الشورى الذي يملك السلطة الأعرض فيها، ناهينا عن موقف أيديولوجي يؤمن به القوام الأعرض للجماعة ويرى أنه يجب ألا يكون للمرأة دور فاعل في الحياة العامة يتخطى حدود البيت.

وإذا كان من الممكن للجماعة أن تنثر عددا من النماذج النسائية في قوائم المرشحين للانتخابات على مقاعد الرجال أو على مقاعد مخصصة للنساء - حسبما يتقرر وفق قانون انتخابات مجلس الشعب الذي لم يصدر بعد في مصر - فهل الصيغة التي تطرحها الجماعة لوضعية النساء في المجتمع هي التي سوف تكون مقبولة أميركيًّا وأوروبيًّا.. أي الكائن التابع.. الذي يرضى بما يقدمه له الرجال.. هل سوف تقبل الجماعة نموذج المرأة في مجتمع غزة أم تقبل بما يقدمه نموذج حزب العدالة في تركيا.. أو بما تطرحه الدولة الثيوقراطية في إيران؟.. كيف سوف تتصرف الجماعة التي بذلت جهدا ثقافيا مهولا طوال 30 عاما لتعميم حجاب النساء، بل الدفاع أحيانا عن النقاب.. بينما برامج ممولة أميركيًّا تعمل ضد هذا داخل المجتمع المصري من خلال ما يعرف باسم منظمات المجتمع المدني؟.

* لقد انضم ابن قس إنجيلي شهير اسمه الدكتور رفيق صموئيل حبيب، يوصف بأنه مفكر، إلى قيادة حزب الحرية والعدالة المنبثق من جماعة الإخوان، لكن هذا لم يؤد إلى طمأنة عامة بين الأقباط في مصر.. الذين يعبرون عن مواقف قلقة للغاية بشأن مستقبل مصر إذا ما وصل الإخوان إلى الحكم. ولعل هيلاري كلينتون قد وضعت يدها على هذا وهي تتحدث في تصريحها بشأن الحوار عن مسألة حقوق الأقليات. علما بأن هناك جماعات قوية لأقباط المهجر تمارس ضغوطا متنوعة داخل المجتمع الأميركي ولديها تواصلات واضحة مع نخبة واشنطن ومؤسساتها.

إن الإخوان عادة ما يرددون عبارة «لهم ما لنا وعليهم ما علينا».. لكن هذا لا ينفي حقيقة أن جماعة الإخوان هي في نهاية الأمر «جماعة مسلمون»..بدءا من قَسَم الولاء إلى طريقة تربية الأعضاء.. تقوم على محورية دور المسجد في تنشئة الكادر، وحيث يؤمن قوام عريض فيها بأن الأولوية في هذا المجتمع لمسلميه، وأن الآخرين هم «أهل ذمة» ليس لهم أن يشاركوا في الخدمة العسكرية داخل الجيش وعليهم أن يدفعوا «الجزية».

* الأهم من كل هذا هو كيف ترى جماعة الإخوان دور رجل الدين في دولة عصرية، ما هي حدود تأثيره، ومتى يجب الرجوع إليه، وما هو معنى عبارة: «حزب عصري له مرجعية دينية»، وما هي حدود استخدام الدين في التنافس السياسي؟.

إن المسألة هنا لا علاقة لها في الأساس بدور المؤسسة الدينية المعروفة في المجتمع.. أي الأزهر الشريف.. وإنما في أن قيادات جماعة الإخوان هم في حد ذاتهم ينظر إليهم على أنهم «رجال دين».. فالقائد الأكبر للجماعة هو «مرشد».. وهو «صاحب الفضيلة».. وهو على الآخرين أن يطيعوه.. وهو يرأس «مكتب إرشاد».. بمعنى أن قيادة الجماعة ليست لسياسيين وإنما لرجال دين أو أشخاص ذوي حيثية دينية.. وصلوا إليها من خلال تدرج تنظيم قام على أسس دينية في الأساس.

هنا، وفي معرض الإجابة عن الأسئلة المحورية، التي لابد أن تكون مطروحة في الحوار، وفق أجندة كلينتون، من المفهوم أنه ستكون هناك مواقف تلجأ إليها الجماعة لإنجاح الحوار..وطمأنة الأميركيين.. لكن هذا سوف يفجر في وجه الطرفين أكثر من مسألة جديدة:

أولا: إخوانيًّا: كيف يمكن التغلب على احتمالات التناقض بين الجماعة وغيرها من الجماعات الإسلامية الأخرى في الساحة المصرية «السلفية - السلفية الجهادية - الجماعة الإسلامية - الصوفية..وغير ذلك».. هل تقبل الجماعة الإخوانية بتفجير هذا التناقض لصالح تمرير الحوار مع الأميركيين بمؤدى صفقة مضمونها أنه يمكن للجماعة أن تكون هي النموذج الأميل للاعتدال.. على حساب تحالفات سياسية محتملة في الانتخابات المصرية المقبلة.. وهل تقوى الجماعة على احتمال انتقادات الجماعات الأخرى في المجتمع؟

في هذا السياق، كيف يمكن الوثوق في أن المواقف التي سوف تتبناها الجماعة سوف تكون حقيقية، وليست توزيع أدوار بين الجماعات، في ضوء أن هناك رؤى موثقة تؤمن بأن هذه الجماعات نابعة من قلب الإخوان وتربطها بها وشائج تنظيمية وأيديولوجية.

ثانيا: وهو الأهم، هذا الحوار يتم وفي خلفيته تنظيم القاعدة ومواقفه. الأميركيون يريدون أن يفتحوا هذا الصندوق الإسلامي المغلق بطريقة تقوده إلى الاعتدال حتى لو ظل يتخذ مواقف كلامية شفوية ضد الولايات المتحدة، ولكن بحيث لا يتناقض مع مصالح الولايات المتحدة وبحيث يكون قادرا على أن يوقف مد العنف الذي تمثله القاعدة. كيف إذن سوف ينظر قياديو القاعدة في مرحلتها الجديدة بعد أسامة بن لادن إلى ما يفعل الإخوان.. خصوصا في ظل الوضع المصري الحالي لقيادة التنظيم الدولي الملاحق أميركيًّا.. وفي ضوء أن أيمن الظواهري المطلوب أميركيًّا كان عضوا في جماعة الإخوان ولديه مواقف حادة جدا منها الآن. هل سيقبل الظواهري بأن يكون المتحدث باسم العالم الإسلامي هم جماعة الإخوان؟

ثالثا: ما هي تأثيرات هذا الحوار على قوام الجماعة نفسها، في ضوء أنه من المؤكد أن واشنطن سوف تكشف عما دار فيه، وسوف تختبر الالتزام به،إلى أي مدى يمكن أن يرتضي المنضوون للجماعة المواقف التي ستقبل بها، حتى لو فسر إليهم الأمر على أنه تكتيك سياسي لتمرير العلاقة مع الولايات المتحدة. قد يؤدي هذا الحوار إلى تباين صريح في المواقف بين كل من قيادة الحزب التابع للجماعة الأميل إلى «البرجماتية السياسية» وبين مواقف الجماعة نفسها، حتى لو كان هذا مقبولا في إطار اللعبة السياسية.. فإن هذا على المدى المتوسط يعني أن الجماعة إما أنها تمضي إلى تناقض بين ذراعها السياسية التي اصطنعتها أو أنها تتنازل مع الوقت عن وجودها كجماعة تاريخية لصالحه.. وإن كان هذا احتمالا يتوقف على مدى ما سوف يحققه الحزب من مكاسب سياسية على أرض الواقع.

رابعا: إلى أي مدى سوف ترتضي جماعات الضغط الأميركية بالمتحصلات الأخيرة للحوار، خصوصا تلك المتحفزة من اليمين المحافظ أو من مؤيدي إسرائيل، التي تتحسس سلاحها وهي ترى التغييرات تجرى في اتجاهات مناقضة لما تأمل في مصر.. وكيف يمكن لإدارة أوباما احتمال الانتقادات وهي مقبلة على انتخابات 2013.

قد تكون الولايات المتحدة في منتهى السذاجة وهي تعتقد أنه يمكن من خلال هذا الحوار الوصول إلى صيغ عصرية تتجاهل تراث الإخوان، وقد تكون في منتهى الذكاء إذا ثبت أنها قادرة على صنع هذا التحول، لاسيما إذا كان الحوار أبعد من كونه «استكشافيًّا» وبغرض الاستطلاع الأولي إلى ما هو أبعد. وقد يكون الإخوان بصدد انقلاب تاريخي يعتقد الواقعيون أنه مستحيل وأنه لا يمكن أن يقع بين يوم وليلة. وإنما هو بالفعل في الطريق عبر الحوار إلى اعتلاء منصة «حفلة التخرج» وفق المعايير الأميركية.. لكن «قد» تبقى معلقة بقبضة الاحتمالات ومدخلات المعادلات التي لا يمكن أن تؤدي سوى إلى نتائج محددة.. تتجاوز تمنيات الساذجين والحالمين. 


المصدر : ميدل ايست اونلاين