كرامةُ اليمنِ أولاً..!!
الأحد, 29-مايو-2011
كلمة صحيفة الثورة -

أخطر ما في الأزمة الراهنة التي يمر بها الوطن اليمني أنها أتاحت لأكثر من طرف وأكثر من طامح أو حاقد أو صاحب أجندة خاصة أو متربص يتحين اللحظة لتصفية حساباته مع هذا البلد وشعبه ونظامه السياسي الديمقراطي، أن يطل بقرونه، إما متدثراً بلبوس الصلاح والتقوى كما هو حال من أوكلت إليهم مهمة إصباغ صفة الشرعية على مشروع الشرق الأوسط الكبير الهادف إلى تمزيق أقطار الأمة وتفتيت مجتمعاتها.
ومثل هؤلاء ظهر علينا بعض الكتاب من الأشقاء الذين منحوا لأنفسهم الحق في الحديث عن شؤون اليمن وفق رؤية من يدفع لهم، ويسخر أقلامهم لخدمة مراميه وأهدافه وغاياته المشبوهة.
وعلى نفس المنوال التحق بعض السياسيين في الداخل والخارج مع جوقة الاستهداف هذه، التي جمعت تحت مظلتها أصنافاً شتى من ثعالب الأمة التي اعتدنا على ظهورها في المنعطفات الاستثنائية أو الطارئة.
ومع أننا وحتى هذه اللحظة لا ندري ما علاقة هؤلاء بالأزمة الراهنة في اليمن، وما هو الدور المرسوم لهم في الأحداث الأخيرة، التي أشعلها أولاد الأحمر وعصاباتهم المسلحة، من خلال قيامهم بالاعتداء على العديد من المؤسسات والمنشآت العامة والخاصة، وانتهاكهم لحرمات هذه المؤسسات وسفك دماء الجنود المكلفين بحراستها، فضلاً عن ترويعهم للمواطنين، واستباحتهم لمنازلهم وأعراضهم ودمائهم، خاصة وأن ما عبر عنه الكثير من هؤلاء جاء كاشفاً عن أنهم يلعبون دوراً واحداً إن لم يكونوا يؤدون مهمة لصالح جهات بعينها.
وبصرف النظر عن كل الهرطقات التي تطلقها هذه الثعالب فإن ما يجب أن تفهمه هذه النتوءات التي تحاول التقليل من شأن اليمن وشأن أبنائه وثقافتهم وما يتسلحون به من وعي أن اليمنيين يملكون من الحصافة والفطنة والرشد والمكنون الحضاري ما يجعلهم أسمى من كل تلك الترهات والهرطقات والدس الرخيص وكل المرامي الخبيثة، وأنهم لن يسمحوا لأي كيانات أن تنتقص من هيبة دولتهم ومؤسساتهم الدستورية والشرعية، وأن أجهزة الدولة ستظل تمارس صلاحياتها وواجباتها وردع الخارجين على النظام والقانون أيّاً كانوا ودون هوادة بكل صرامة وحزم، بل أن على أولئك الذين أرادوا التنفيس عما في قلوبهم من غل وحقد على اليمن ووحدته ونهجه الديمقراطي التعددي من خلال استغلالهم للأحداث الأخيرة المؤسفة في حي الحصبة بالعاصمة صنعاء أن يعلموا تماماً أن القبيلة لا يمكن أن تحل محل الدولة، وأن الشعب اليمني الذي يتحدثون عنه باستخفاف، لم يعد ذلك الشعب الأمي الجاهل، بل أنه صار يتفوق عليهم علماً ووعياً وفكراً وثقافة ومدنية ومعاصرة، وأن من يخشون من تفكك الدولة لصالح هيمنة القبيلة لا يعرفون اليمن تماماً، الذي استطاع أن يقيم أركان دولته على أسس صلبة وراسخة وأن ما جرى من تطاول على مؤسسات هذه الدولة ليس سوى حالة عارضة تعاملت معها القيادة السياسية اليمنية بزعامة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية بحكمة وحنكة وواقعية، حرصاً منها على حقن الدماء، ولا تعني هذه الواقعية بأي حال من الأحوال القبول السلبي بذلك التطاول على هيبة الدولة.
ولعل هذا التعامل الحصيف يؤسس لمشروعية التمييز بين السياسي الذي يبني خطواته وفق رؤية استراتيجية تغلب عليها النباهة وقوة التصميم والإرادة، وبين المغامر الذي لا يمتلك رؤية ولا يحمل فكراً سياسياً ولا حكمة تجعله يقدر عواقب أعماله.
ومثل هؤلاء المغامرين موجودون في كل المجتمعات الإنسانية مع الفارق أن يعاقبة الثورة الفرنسية والستالينيين والنازيين من بعدهم، كانوا يبنون تطلعاتهم على نزعة العنف، فيما القوى التقليدية في بلادنا على سبيل المثال تراهن على إعادة تدوير عجلات الزمن إلى الخلف واسترجاع عقارب الساعة إلى أزمنة اللا دولة، وذلك بناءً على الأخيلة المريضة التي تعشعش في رؤوس هذه القوى.
ونتيجة لكل هذا التبست الخيارات على بعض المتعاطين مع الشأن اليمني وخاصة في المنعطف الراهن، وأخذ كل منهم يتعاطى مع هذا الشأن وفق أهوائه خدمة لبعض الأجندات أو رغبة في الوصول إلى مصلحة ذاتية أو لمجرد إرضاء طرف إقليمي أو دولي يهمه تشويش الصورة عن الواقع في اليمن.
وأمام هذه المخططات لا خير في يمني لا يُغَلّبُ مصلحة وطنه العليا على أهوائه ومصالحه الذاتية، ولا يضع أمن واستقرار اليمن فوق أي اعتبار آخر، ولا يجعل كرامة اليمن هي المنطلق لكينونة وكرامة أبنائه.