لماذا المغرب والاردن... والخروج على الجغرافيا؟
الثلاثاء, 17-مايو-2011
بقلم: خيرالله خيرالله -
لماذا الاردن... ولماذا المغرب؟ ولماذا الخروج على الجغرافيا؟ قد يكون الجواب ان مجلس التعاون لدول الخليج العربية بدأ اخيرا يتصرّف استنادا الى ما تفرضه التحديات الجديدة التي تواجه دوله في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة. يمكن وصف هذه التطورات، التي بدأت بالتغيير الجذري الذي حصل في العراق، بانها تاريخية بكل معنى الكلمة. هناك اعادة رسم لخرائط الدول في المنطقة، بل اعادة تشكيل للمنطقة كلها في ضوء الخلل الكبير الذي اصاب التوازنات الاقليمية ابتداء من العام 2003 تاريخ حصول الزلزال العراقي. وهذا يعني، في طبيعة الحال، ان الزعماء الخليجيين لم يعودوا في وارد التوقف عند الجغرافيا كما كانت عليه الحال في الماضي، حتى لو ادى الى تغيير طبيعة المجلس. من هذا المنطلق، كان طبيعيا ان تاتي الدعوة الموجهة الى كل من المغرب والاردن من اجل الانضمام الى المجلس الذي تأسس عام 1981 في أبوظبي بمبادرة من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، بعد اقل من سنة من اندلاع الحرب العراقية- الايرانية...

كان العراق الذي دخل في حرب مع ايران في اساس قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وُجد مجلس التعاون اصلا ليكون مظلة تحمي دوله من خطر توسع الحرب العراقية-الايرانية. ادى المجلس الدور المطلوب طوال الحرب وحمى، ولا يزال يحمي، دوله الست في الوقت ذاته من المحاولات الايرانية الهادفة الى "تصدير الثورة". ولدى انتهاء الحرب في العام 1988، ادّى المجلس كل ما هو مطلوب على صعيد حماية الامن الخليجي بعد اقدام صدّام حسين في العام 1990 على مغامرته المجنونة في الكويت.

بعد ثلاثين عاما من تأسيس المجلس ياتي العراق ليفرض البحث في توسيع المجلس بغض النظر عن حدود الدول الاعضاء فيه وطبيعة النظامين في كل من المغرب والاردن. فما لا يمكن تجاهله ان النظام في هذين البلدين ملكي، لكنه يتميز بوجود احزاب عقائدية بعضها يساري وبعضها الآخر يميني وليبيرالي. تضاف الى ذلك كله حركات اسلامية تنزل الى الشارع بشكل علني وتطرح مطالب ذات طابع جذري. ادى الزلزال العراقي الى الذي افتعله الاميركيون الى تحوّل ايران لاعبا اساسيا، بل اللاعب الاساسي في العراق. لم يعد في الامكان تشكيل حكومة عراقية من دون ضوء اخضر من طهران. اخذ مجلس التعاون علما بذلك. اخذ ، خصوصا، علما بانّ الانتصار الايراني في العراق فتح شهية طهران الى ابعد حدود وجعلها تصدّق انها قوة اقليمية قادرة على التوسع وفرض نفوذها في الاقليم الممتد من المحيط الى الخليج. من كان لا يزال لديه ادنى شك في ذلك، اضطر الى مراجعة حساباته بعد احداث البحرين واكتشافه لمدى التورط الايراني فيها...

ولكن لماذا الدعوة موجهة الى المغرب والاردن بالذات؟ يبدو ان دول مجلس التعاون مضطرة الى ان تاخذ في الاعتبار ان الامن العربي واحد. فالمملكة الاردنية الهاشمية كانت دائما من دعائم الامن العربي، هي التي وقفت طوال سنوات وسنوات على اطول جبهة مع اسرائيل. من يدعم المغرب والاردن انما يدعم الامن العربي في مواجهة الهجمة الشرسة التي يتعرض لها كل ما هو عربي في الشرق الاوسط عن طريق اثارة الغرائز الطائفية والمذهبية التي تصب في نهاية المطاف في خدمة اسرائيل. وفرت المملكة الاردنية الهاشمية دائما كل ما لديها من خبرات في مجال مساعدة الدول العربية في الخليج. لا حاجة الى تعداد الامثلة على ذلك بدءا بالدور الذي لعبته القوات الاردنية في القضاء على التمرد في ظفار في مطلع السبعينات من القرن الماضي وتحول سلطنة عُمان الى دولة مستقرة الى حدّ كبير. ولا داعي خصوصا للاشارة الى تدخل الاردن الى جانب اي دولة خليجية تواجه الارهاب والتطرف كما حصل ابان احداث المسجد الحرام في العام 1979. ولا داعي اخيرا الى اعادة تاكيد ان الملك عبدالله الثاني كان اوّل من تجرّأ على التحذير من الخطر الايراني ومن استخدام طهران السلاح المذهبي لاختراق الامن العربي. كان ذلك في العام 2004 عندما لم يكن هناك بين العرب من يسمّي الاشياء باسمائها ويتحدث بالفم الملآن عن الاختراق الايراني للعراق وسوريا وصولا الى لبنان وفلسطين...

في الوقت الراهن، تمر الاردن في مرحلة دقيقة عائدة اساسا الى الزيادة الكبيرة في اسعار النفط. هناك وعي اردني لخطورة الازمة الاقتصادية والى مدى استعداد اطراف خارجية لاستغلالها بغية ضرب الاستقرار في المملكة التي هي جزء من الاستقرار الخليجي لا اكثر ولا اقلّ.

ما ينطبق على الاردن، ينطبق الى حد كبير على المغرب على الرغم من انه من ابعد الدول العربية عن الخليج. لعب المغرب تاريخيا دورا فعالا في مجال حماية الامن الخليجي. في هذه الايام التي يفتقد فيها العالم العربي عموما، والخليج خصوصا الثقل المصري ليس غريبا ان تتعمّق اكثر العلاقة بين المغرب ودول مجلس التعاون، وهي علاقة عميقة اصلا. من يتذكّر ان الرباط بادرت الى قطع العلاقات الديبلوماسية مع طهران بعدما ادركت باكرا ان كلّ همها تحويل البحرين الى "محافظة" ايرانية؟

اخذ مجلس التعاون علما بان العالم العربي يتغيّر بسرعة كبيرة وان عليه مواكبة التغيّرات. مصر تغيّرت. تونس دخلت مرحلة المجهول. ليس معروفا كيف ستنتهي ليبيا. هل تبقى بلدا موحدا ام بلدين. اما سوريا، فانها في مهب الريح ما دام ليس فيها من يعي خطورة اللجوء الى القمع في مواجهة ثورة شعبية حقيقية.

الاهمّ من ذلك كله، ان النفوذ الايراني في العراق يزداد يوما بعد يوم. يحصل ذلك في وقت لا وجود لسياسة اميركية تعي ابعاد التغلغل الايراني في هذا البلد، العربي الى ما قبل فترة قصيرة، والذي كان احد اعمدة النظام الاقليمي.

في ضوء هذه المعطيات هل من المستغرب اقدام مجلس التعاون على ما اقدم عليه في وقت يتوجب عليه ابقاء اليمن تحت المراقبة الدقيقة؟
المصدر : ميدل ايست اونلاين