السلفية في مصر، بين علامات التعجب والإستفهام!؟
السبت, 14-مايو-2011
محمود الزهيري -
لم يكن المجلس العسكري هو القائم بالثورة المصرية التي ضحى فيها المواطنين المصريين الثوار بأرواحهم، ودمائهم، وعملت فيهم الآلة الإجرامية بما أثخنت جراحهم، ونزف دمائهم، وهددت أمنهم، وحياتهم وحاضرهم، وكل هذه التضحيات كانت من مواطنين مصريين عزل من أي اسلحة أو ذخائر، أو أدوات لرد هذا العدوان السلطوي الطغياني من عصابات منظمة كانت تدير شئون المصريين تحت مسميات نظام حاكم، وحكومة، ومؤسسات، إذا إتضحت كل الجرائم التي كان يمارسها النظام الإجرامي الفاشي في حق المصريين.

مضى على الثورة المصرية ما يقرب من شهور خمسة، ولم تقترب المسافة بين المواطنين المصريين، وبين حالة الأمن والأمان، والسكينة والطمأنينة، بل تصاعدت حدة الجماعات الدينية وزاد نشاطها عما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير لدرجة نرى معها أنها تمثل خطورة إجرامية فاقت ما كنا نتوقعه من تنظيم الجهاد، وتنظيم الجماعة الإسلامية، واللذين قضى المنتمون لهذين الجماعتين فترات طويلة في السجون والمعتقلات المصرية.

2

الغريب في الأمر أن الجماعات السلفية تحاط بالعديد من علامات التعجب والإستفهام في هذه المرحلة الحرجة من التاريخ المعاصر، لأنها كانت في السابق تحرم الخروج على الحاكم بمزاعم دينية مبتورة الأصل، ومطعونة السند، وخادمة لأنظمة الحكم الطغيانية الإستبدادية، ومدى موالاة هذه الجماعات لتلك الأنظمة، وإتساقها مع أوامر ونواهي الأجهزة الأمنية، وهذا ما صرح به بعض من قادة تلك الجماعات السلفية وتم نشره في وسائل الصحافة وأجهزة الإعلام، وراقب تصريحات زعماء هذه الجماعات قبل الثورة المصرية وبعدها، لتجد الفوارق الشاسعة في الرأي قبل الثورة وبعدها، من زاوية الحل والحرمة في المشاركة في المظاهرات والعصيانات المدنية، بل وذهب بعض من هؤلاء المشايخ إلى تكفير الدكتور محمد البرادعي، وإهدار دمه لكونه طالب بالتغيير عبر المظاهرات والعصيانات المدنية السلمية.

3

الأمر يحتاج مراجعة للفترة الزمنية البسيطة التي مضت، وذلك قبل الثورة وبعدها، بداية من تحريم وتجريم التظاهر، ومروراً بالمشاركة فيها، والدعاية للقول بنعم للتعديلات الدستورية لأنها فريضة شرعية، وتسمية الفوز بنعم، بأنها "غزوة الصناديق"، وإختلاق الأزمات والفتن الطائفية، وإنحصار الأمر في مسألة ولاية المسلم على غير المسلم، الذي هو في نظر السلفيين "كافر" والكافر من وجهة نظرهم الدينية يتوجب أن تجري عليه الأحكام الدينية، ومن تقسيم المجتمع لدار كفر، ودار إيمان أو "دار إسلام"، وحوادث قنا، والإعتراض على المحافظ، لكونه قبطياً مسيحياً، وأنه: لا ولاية لكافر على مؤمن، حسب المفاهيم الدينية، وجرائم حرق الكنائس، وظهور رموز هذه الجماعات لتهدئة الأتباع، وراجع أحداث كنسية أطفيح، وكنيسة مار جرجس، والإعتداء الدائم على الأقباط، وإختلاق أزمة كاميليا شحاتة، ووفاء قسطنطين، وأزمة مسجد النور بالعباسية بالقاهرة، والتهديد بمظاهرات مليونية ضد الأقباط، والتوجه بها إلى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية بالقاهرة، وكافة الأديرة والكنائس بمصر، وتهديد الغير محجبات أو مختمرات، أو منقبات، وإرسال رسائل تهديد لهن، فإما الحجاب أو الخمار أو النقاب، وإما إنزال الحكم الذي سيسطره أعضاء هذه الجماعات السلفية، وغير ذلك من الأشكال الإجرامية التي تم إرتكابها، ومازالت ترتكب في حق المواطنين المصريين.

4

من وراء هذه الجماعات؟

المملكة العربية السعودية تعلم لدرجة تصل لليقين بأن أي تيار سياسي أو إجتماعي ينحى تجاه المدنية، ومفاهيم المجتمع المدني والدولة المدنية هو الخطر الحقيقي الأول على إستمرار الأسرة الحاكمة في الحكم والسلطة، وذهبت لدرجات عالية من الوعي إلى إختلاق العداءات المتوهمة بين ما تعارف عليه في الأوساط الدينية، بالسنة والشيعة، وتم الإتفاق الغير مكتوب بين المملكة العربية السعودية، وبين الجماعات الدينية السلفية، وغيرها من الجماعات الدينية القابلة لفكرة التقسيم الحصصي الطائفي على أساس السنة والشيعة، والملاحظة الجديرة بلفت النظر ما حدث من صراع بين حزب الله اللبناني بقيادة حسن نصر لله، وبين الدولة العبرية في العام 2006، وبالرغم من أن المملكة العربية السعودية تدعي أنها حامية حمى القضية الفلسطينية، ودعاتها الدينين الرسميين، وغير الرسميين يملئون الدنيا ضجيجاً بفرضية تحرير فلسطين، وتحرير المقدسات الإسلامية، وبالرغم من أن الصراع كان بين طرف مسلم شيعي، وبين الدولة العبرية، إلا أن المملكة العربية السعودية كانت منحازة ضد حزب الله، وارتفعت أصوات الدعاة في الصلوات، وخطب الجمعة بالتبتل والإبتهال والدعاء إلى الله بلعن الشيعة الروافض الكفار الملاعين، بجانب أدعية دينية أخري مثل الفسق، والفجور، ومحاددة الله ورسوله، وتكررت مثل هذه الأفعال في مصر، وكأن هناك إتفاق وتزامن غير متراخي بين التيار الديني السلفي الوهابي في السعودية، وبين التيار الديني السلفي الوهابي في مصر، وتكررت الدعوات واالتبتلات والإبتهالات ضد حزب الله في الصلوات وعلي منابر المساجد في مصر، بل وشاركهم في ذلك نفر غير قليل من الدعاة الرسميين في مؤسسة الأزهر الشيعية الأصل، السنية التحول!

5

بل.. ولا يخفى الدور السعودي في إدارة الصراعات السياسية كذلك، بجانب الصراعات الدينية على هويات مجانية غير مكلفة إلا لأصحاب المصالح في إدارتها، وهذا ما حدا بالمملكة العربية السعودية أن تدفع مليار دولار أميركي لتمكين المجموعات السنية والسلفية لتحقيق إنتصار سياسي ضد الشيعة في لبنان وتحديداً حزب الله.. وهذا ما تبدى في العام 2009 في الإنتخابات النيابية وكشفت عنه وثائق ويكيليكس التي تداولتها وسائل الإعلام، لتكشف هذه المؤامرة السعودية ضد المجتمع اللبناني والدولة اللبنانية، وأذاعتها قناة أو تي في. في حينه.

وتضمنت الوثيقة المؤرخة 9 أيلول 2008، في باريس، والمقيدة برقم 1703، والمحررة بمعرفة كاثلين أليجرون، من أن المستشار الرئاسي الفرنسي بوالون يتحدث عن التمويل السعودي للانتخابات والعلاقة مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون.

المستشار الرئاسي الفرنسي بوريس بوالون تناول نتائج الزيارة التي قام بها الرئيس نيكولا ساركوزي لسوريا في الثالث والرابع من الشهر عينه.

وفيما كان يعدد أبرز البنود التي تناولتها المحادثات، يتطرق إلى لقائه قبل أسبوع موفداً شخصياً من الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز، مطلعاً منه على خطة سعودية تقضي بصرف مليار دولار تقريباً لدعم المجموعات السنية في لبنان في الانتخابات النيابية المقبلة، ضدَّ «حزب الله». ويعبر في الوثيقة عن القلق بسبب التمويل الخليجي للقوى السلفية.

وبعدما يتناول دور كل من الكويت والسعودية في تمويل المجموعات المذكورة، يشرح بوالون أن ثمة سلفيين يتمولون من الرياض، وآخرين من الكويت. ويضيف: إذا كانت هذه هي الرؤية السعودية للبنان، فهذا الأمر للحقيقة مثير للقلق.

كما يتناول بوالون دور رئيس الجمهورية ميشال سليمان، فيقول: الرئيس سليمان طبعه حذر ومتردد جداً، هذا إذا أردت وصفه بدبلوماسية.

وانتقل في المقطع التالي من الوثيقة للمقارنة بين سليمان وعون. وفي مقابل وصف سليمان بالحذر والمتردد، يقول إن عون يمثل لغزاً أو قيمة غير مكتشفة، مشيراً إلى أنه يمثل في كل الأحوال عددا كبيراً من المسيحيين اللبنانيين. ويضيف: ليست لدينا اتصالات كبيرة مع عون، وهذا ربما أمر خاطئ. وهذا ما تضمنته نصوص الوثيقة..

6

ويؤكد هذا المسعى في التحليل إلى دور المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج في تقوية التيارات السلفية في مصر وجعل أدوارها مؤثرة في صناعة القرار المصري بخلفيات دينية مزعومة، قد تصل إلى حد الجبرية السياسية، أو بتعبير آخر القدرية السياسية، لتجعل من السياسة وكأنها قدراً مقدوراً، أو كأنها أمر سماوي قد تم إجبارنا عليه إعتقادياً ولا يجوز مخالفته، وإلا فالعقاب السلفي الدنيوي يكون على أهبة الإستعداد، في إنتظار العقاب السماوي الأخروي، وهذا ما تسير عليه المملكة العربية السعودية عبر وسائط إجتماعية صنعتها في المجتمع السعودي بما تم التعارف عليه تحت مسمى "جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" أو بمردود أخر "جماعات الحسبة الدينية".

ويذهب عادل حمودة في صحيفة الفجر إلى أن المملكة العربية السعودية حسبما ترصد بعض التقارير: وحسب ما كشفت صحيفتا "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" أن السعودية لعبت دورا مباشرا في تقوية السلفيين بالدعم والتمويل.. وتحويل شيوخها غير الدارسين لعلوم الدين في الأزهر إلى نجوم لفضائيات دينية تروج للفكر الوهابي وتحرض على استخدام العنف في فرض الأخلاق كما يرونها.. على طريقة الشرطة الدينية السعودية.. المعروفة بجماعة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".. وهي جماعة انكمشت هناك وازدهرت هنا.

وحسب نفس التقارير فإن حكومة "خادم الحرمين" دفعت من ميزانية نشر الدعوة الإسلامية ملياري دولار للسلفيين المصريين الذين يمشون على خطي مشايخهم.. وينشرون فتاواهم.. ويرتدون ثيابهم.. ويروجون لأفكارهم.. ويمكن أن تدفع خمسة مليارات أخري لمساعدتهم في الانتخابات البرلمانية القادمة.. فهي تعتقد خطأ أنهم أقل خطورة من الإخوان.. وهي نفس نظرية أمن الدولة تحت رئاسة حسن عبدالرحمن الذي تخيل أنهم عصا غليظة في يد النظام لضرب الإخوان.. فإذا بهم أداة ترويع يشجعها الإخوان كي يصدق الناس أنهم معتدلون لا يبغون سوي وجه السلطة. (العدد 302).

وعلى المستوى الشعبي مصرياً، والذي ينم عن مدى الوعي بحقيقة الأزمات التي يصنعها التيار السلفي، فقد أعلن الإئتلاف المدني الديمقراطي بالأسكندرية في بياناً من بياناته قال بالحرف والنص:

أن بعضا ممن ينتسبون للتيار السلفي باتوا دعاة فتنة ويحاولون النيل من مكتسبات الثورة وإشاعة حالة من الفوضى، لابد من ملاحقتهم قضائيا وتعريتهم سياسيا أمام الشعب، فهؤلاء هم وقود وأداة الثورة المضادة وكانوا أبرز المعادين لثورة 25 يناير وبحت حناجرهم من فوق المآذن وعبر فضائيتهم من أجل وأد ثورة الحرية والكرامة، ولكن الشعب المصري الأبي لم ينصت لهم لكونهم شيوخ السلاطين والآكلين على موائدهم والمؤتمرين بأوامر جهاز مباحث أمن الدولة المنحل.

بل وذهب البيان إلى أشد من ذلك في التوصيف بعد أن أكد أن الأيادي الآثمة التي تحاول النيل من استقرار مصر ووحدة نسيجها هم الطابور الخامس للفكر الوهابي السعودي، وعلى هؤلاء المروجين للوهابية السعودية أن يعلموا بأن مصر لن تكون دولة دينية أو دولة طالبان ولن تكون تابعة لسيدهم السعودي الذي يمدهم بالمال.

7

بل وعلى المستوي الديني الرسمي فمؤسسة الأزهر تصف السلفيين بأنهم: "خوارج العصر"، وهذا على لسان رأس المؤسسة الدكتور أحمد الطيب، والذي يرى ان جمهور المسلمين لم يكونوا على هذا المذهب لانهم كانوا إما مالكية او شافعية او احناف، وإما حنابلة. بل ويرى: ان السلف او السلفية ليس مذهبا او مدرسة، كما ان كلمة السلف لم ترد في القرآن الا في موضع واحد وجاء أيضا في موضع الذم، ووردت في مواضع اخرى ولكن كفعل، كما انه لا يوجد حديث عند النبي صلي الله عليه وسلم يقول: "انه لو وجدتم اختلافا فعليكم بمذهب السلف" ولكن الحديث يقول "اذا وجدتم اختلافاً فعليكم بالجماعة" وهناك الكثير من الاحاديث التي تحث على اتباع الجماعة وسنة النبي وسنة الخلفاء الراشدين من بعده. واوضح الامام الاكبر إن من يقول إن الصلاة في المساجد التي بها أضرحة باطلة، ويطالب بتقصير الثياب ويدعي أن باقي المذاهب فاسقة ومبدّعة، فهو ليس مذهباً للسلف ولكنه مذهب "الغلاة". وهم ما كانوا يسمون ب‍‍ـ "غلاة الحنابلة في الماضي" والذين كانوا تابعين للامام احمد بن حنبل والذين انشقوا عنهم، مضيفا ان الحنابلة انفسهم ارشدونا بالا نصدق هؤلاء لانهم لا ينتمون إلى الامام احمد بن حنبل ولكنهم نجسوا وغيروا هذا المذهب كما يغير ماء البحر. (دنيا الوطن عدد 11 مايو 2011)

8

للوصول إلى حالة من المعرفة الأخلاقية المبنية على إحترام الحريات الفردية والإجتماعية، وتقديس المشتركات الإنسانية الحياتية، والتي لا يمكن لإنسان أن يعيش من غيرها، بل وتعتبر من الحقوق اللصيقة به، كحقه في الحياة الكريمة والعمل والسكن، والمأكل والمشرب والعلاج، وغير ذلك من الأمور الصيقة بحياة الإنسان، بجانب الأمن والسكينة والسلام الإجتماعي، من هنا نريد أن نبحث في ترتيب العداءات للإنسان والمجتمع لنتمكن من الوصول إلى أعداء المشترك الإنساني، الذين يذهبوا بالإنسان هروباً إلى الهويات المجانية الغير مكلفة أي مجهود إنساني للتخفيف عن كاهل الإنسان أزماته المعيشية، وتأجيلها إلى ما بعد الحياة بمفاهيم دينية يُراد لها أن تكون بمثابة مسكنات أو مخدرات، يشقى بها من يتعاطاها، ويسعد من يعطيها، وهذا هو حال الممالك والإمارات والسلطانات في توظيفاتها للمفاهيم الدينية والتي تستخدمها كمثبط للهمم الناهضة بحاضر الإنسان ومستقبله بحثاً عن تحقيق حلم الجنة الآنية، في العمل والسكن والصحة والتعليم والتربية، وأسلوب الحياة السعيدة برفاهيتها المأمولة، وهذا من خلال منظومة سياسية تؤمن بالإنسان عبر صناديق الإنتخابات الشفافة النزيهة والتي لا تمالئ إنسان على حساب المشتركات الإنسانية في عدالتها الإجتماعية وسبل التضامن والتكافل الإجتماعي، والتصارع على الدوام يكون على البرامج السياسية الدنيوية، وليس على برامج أخروية مؤجلة لا تؤمن بالديمقراطية وتداول الحكم والسلطة وإنتقالها حسب الرأي بغالبية أفراد المجتمع، وهذا يتناقض مع الممالك، والإمارات، والسلطانات، ومن ثم تتصارع هذه الأشكال في الحكم والسلطة والتي تحكم الشعوب برأي الدكتور عبدالله النفيسي، بالجينات الوراثية، والـ دي إن أي، ولا تعترف بأي شكل من أشكال أنظمة الحكم سوى بنظام الحكم الوراثي.

وهنا كانت ترسانات المفاهيم الدينية المغيبة للمجتمعات العربية والإسلامية بخلفيات تكرس للإستبداد في الحكم والسلطة تخديماً على أنظمة الحكم الوراثية.

والتيارات السلفية هي من تدشن هذه المفاهيم لصالح الممالك والإمارات والسلطانات، ولذلك تسعى هذه الأنظمة للبقاء على وجود وإستمرارية هذه الجماعات الدينية الممولة من المملكة العربية السعودية، والكويت ودول ذات مصالح في تعطيل مسار الثورة المصرية أو أي ثورة أخرى في المنطقة العربية بأغلبيتها التي تدين بالإسلام!

9

وكأن التاريخ يريد أن ينتج نفسه ويعيد أحداثه بذات الأساليب والطرائق، ولكن الأشخاص هم العناصر المتغيرة بحكم العمر الإنساني المحدود والذي لم يقدر له الخلود..

تفاجئنا صباحات حزينة، ومساءات مؤلمة، فنكاد نبكى أو نتباكى، فنسأل الغرباء الحزانى عن أوطاننا التي ظنوا أنها ملاذ أمان، ومرتع للخصب والنماء، ودور ضيافة لكل الزوار وعابري السبيل، إلا أنهم وكأنهم يعرفوا الإجابات عن الأسئلة الحيرى المستكينة لتواريخ الظلم والفساد، وركائز الطغيان، فأرى أنني قد صرت غريباً مع الغرباء، وكأنني أعيش قبل التاريخ، وقبل الإنسان، فليست من صلة بيني وبين الأشياء، وليس لي جوهر، وذاتي تريد أن تتحول لتصير ذات عدمية مبهمة، وهكذا تتحول الأزمنة لتصير أمكنة في التاريخ السحيق، وكأننا لم نولد إلا في الماضي، وليست لنا صلة بحاضرنا، ولا نفقه كيفية كينونة مستقبلنا.

كانت الغالبية من المصريين في حالات إستكانة ومذلة وهوان بجميع الأشكال، سواء من هم على مستوى المسئولية حتى داخل منظومة مبارك الطغيانية الفاسدة، أو ممن خارجها من الأحزاب السياسية وكافة القوى، بما فيها المؤسسات الدينية الرسمية المسيحية والإسلامية، ومعها الجماعات الدينية، والمولودة من غير ذي رحم طبيعي، أو النخب التي إنكفأت على ذواتها وصارت تعيش في عوالم خارج إطار العقل، وصارت منتجاتها الفكرية والثقافية منكفأة كذلك على ذاتها.

في ظل هذه الأوضاع التي ضاع فيها العقل، وتحول إلى أداة تنتج الجهل والتخلف والرجعية، نمت أعشاب الجماعات الدينية، واقتاتت على فقر الفقراء، ومرض المرضى، وجهل الجهلاء، فكان الفقر والجهل والمرض منتجات من منتجات الإستبداد السياسي، الذي صنع أدوات الطغيان لينتج كل منتجات الفساد التي وزعت على كل مكان في مصر بنسب غير متساوية!

في هذه الأجواء نشطت عضوية الجماعات الدينية بوظائفها التي تجاوزت حدود الأرض لتجد لها أماكن في السماء، بإعتبارهم موظفين سماويين، لا يجيدون إلا لغة السماء، أما لغة الأرض فكأنهم محرم عليهم التعامل بها!

فهل بعد ثورة 25 يناير 2011، المجتمع المصري يستحق من التيار السلفي أو أي تيار من التيارات الدينية أن يكون هناك إرتداد عن الثورة الطامحة لتحقيق حلم المصريين في الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، أم أن علامات التعجب والإستفهام ستظل حيري حول دور التيارات الدينية، وعلى الرأس منها التيار السلفي، في إنكفاء المجتمع المصري على ذاته وتقهقره بإرادات دينية مغيبة للعقل والتحضر والتمدن، ومغيبة لوجه الإسلام الحضاري، بأفعال راجعها سلطات الإستبداد السياسي الطغيانية الفاسدة في العالم العربي، والكافرة بالديمقراطية والحريات والعدالة الإجتماعية وحقوق الإنسان!

فهل ستظل السلفية بين علامات التعجب والإستفهام، من غير أن يكون هناك دور قانوني يتم النظر فيه بشأن الجماعات الدينية ومدي علاقاتها بالأطراف الخارجية الممولة والمحرضة على المجتمع المصري وغير المصري، حال كونها خارج إطار الشرعية الدستورية والقانونية؟! 


المصدر : ميدل ايست اونلاين