المصالحة تعيد للشعب الفلسطيني ثقته بقادته السياسيين
الأربعاء, 04-مايو-2011
عزيز ابو سارة -
لا يوجد شك بأن ‫"الربيع العربي" والتغييرات الاقليمية يشكلان سببا اساسيا في نجاج حماس وفتح بانهاء حالة الانقسام و اعلان اتفاقية المصالحة في الاسبوع الماضي. فبعد نجاح الثورة المصرية بدأ الشارع الفلسطيني بالتحرك والضغط على حماس وفتح لانهاء الانقسام، وتلا ذلك تغييرا في لهجة الخطاب السياسي بين الفصائل الفلسطينية. ففاجأ الرئيس عباس الشعب الفلسطيني عندما أعلن عن استعداده للذهاب الى غزة من أجل المصالحة، كما كان اقتراح رئيس الوزراء سلام فياض بأن تشارك حماس في الحكومة الفلسطينية القادمة دون التنازل عن سيطرتها على غزة تغيرا منهجيا في التعامل مع حالة الانقسام الفلسطيني
‬لقد تابعت كل من فتح وحماس التطورات في الشرق الاوسط باهتمام وقلق متزايدين، فالتغييرات التي عصفت ببعض الدول الحليفة والداعمة لحماس دقت ناقوس الخطر باحتمال سقوط هذه الانظمة على ايدي شعوبها. كما أدركت حماس بأن اقامة امارة اسلامية منعزلة في غزة‫ ليس بالامر الواقعي. فحماس تعرف بانها مقيدة في مجال حكمها في غزة وانها لا تستطيع وحدها انعاش الاقتصاد الفلسطيني في القطاع‫.‬ كما أنها استخلصت العبر من الثورات العربية وما أدى اليه ارتفاع معدل البطالة وحالة الفقر المتزايدة في القطاع، بالاضافة لما تعانيه غزة من القصف الاسرائيلي الدائم‫. فسكان غزة لن يصمتوا الى الابد وسيطالبون بمعرفة استراتيجية حماس لانهاء الانقسام، فكيل الاتهامات على اسرائيل دون وجود استراتيجية واضحة لانهاء الاحتلال سيعرض حماس الى خطر الثورة في غزة
‬‫على مر السنوات الست الماضية اتهمت اسرائيل الرئيس عباس بانه ضعيف ولا يستطيع أن يطبق أي اتفاقية سلام في الضفة والقطاع، إلا انه اثبت في الشهور الاخيرة بانه ذو رؤية سياسية بعيدة المدى. فوضعه لاستراتيجية ورؤية فلسطينية تبدأ بالحصول على اعتراف الامم المتحدة بالدولة الفلسطينية على حدود عام ١٩٦٧ في شهر ايلول القادم يشكل تحولا في نهج الدبلومسية الفلسطينية الذي اعتمد سابقا على انتظار العروض الاسرائيلية الجدباء. كما أن قرار الرئيس عباس برفض التفاوض مع اسرائيل حتى يتم ايقاف الاستيطان اكسبه احتراما وتقديرا واسعا من الشعب الفلسطيني.
‬‫فبعد عامين من الانتظار الطويل لتدخل الرئيس الامريكي باراك اوباما بشكل مجد في عملية السلام، فقدت القيادة الفلسطينية صبرها وادركت بان عليها العمل دون انتظار الخلاص من الارادة الامريكية. فاسرائيل لا تبدو في عجلة من امرها للتوصل الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وبالتالي بات ملزما ايجاد استراتيجية فلسطينية تبث الحياة في الركود السياسي المسيطر على القضية الفلسطينية منذ عقد من الزمان. لذلك لم يكن غريبا بأن تتوجه القيادة الفلسطينية الى تدويل القضية الفلسطينية من جديد وسحب البساط من تحت اقدام الحكومة الامريكية من خلال محاولة الضغط على اسرائيل عبر الدول المتعاطفة مع قضية الشعب الفلسطيني
‬‫لقد شكلت هذه الاستراتيجية نقطة التقاء بين حماس وفتح فلا يوجد مانع عند حماس في تدويل القضية الفلسطينية والحصول على اعتراف دولي بالسيادة الفلسطينية على اراضي ١٩٦٧، فقد اعلن كل من اسماعيل هنية وخالد مشعل في أكثر من مناسبة انهما لا يعارضان اقامة دولة فلسطينية على حدود الخامس من حزيران، لذلك فان المصالحة الفلسطينية في هذا الوقت هي اشارة الى دعم حماس للاستراتيجية الفلسطينية الجديدة من اجل انهاء الاحتلال. كما أن المصالحة ستعيد لحماس شرعيتها عند الدول العربية بعدما فقدتها بعد احداث عام ٢٠٠٧ وستعزز من حالة الاستقرار الامني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
‬‫إن رفض الحكومة الاسرائيلية المصالحة الفلسطينية يظهر حالة من النفاق السياسي، فاسرائيل طالما جادلت بانها لا تستطيع الوثوق بالرئيس عباس لانه لا يستطيع أن يتحدث باسم غزة ايضا بما أن حماس تسيطر عليها وبالتالي فانه لا يمكن التوصل الى اتفاقية سلام دون وجود قيادة فلسطينية تسيطر على الضفة والقطاع معا. أما الان وبعد التوصل الى المصالحة وقيام حكومة فلسطينية واحدة في غزة والضفة الغربية فان اسرائيل تطالب الرئيس عباس باعادة حالة الانقسام اذا كان يريد السلام مع اسرائيل متناسية بانه في وقت الانقسام استمرت اسرائيل في بناء المستوطنات والتهرب من واجباتها امام الرباعية الدولية.
‬‫أما بالنسبة لرفض اسرائيل التفاوض مع حماس فهو لا يعبر عن الواقع بتاتا، فاسرائيل تتفاوض مع حماس حاليا لتبادل الاسرى، فما الذي يجعل اسرائيل مستعدة للتفاوض مع حماس حول التهدئة وحول تبادل الاسرى بينما ترفض التفاوض معها بالنسبة للامور الاخرى؟
‬‫أما في الشارع الفلسطيني فيعتبر البعض ان الاحتفال بالمصالحة الفلسطينية سابق لاوانه لان بعض الامور الحساسة ما زالت غير محسومة، غير أن أغلبية الشعب الفلسطيني لا يستطيع اخفاء فرحته بالمصالحة بالرغم من التحذيرات من فشل المصالحة على غرار ما حدث في المحاولات السابقة. إلا أن ما يختلف الان عن المرات السابقة هو أن الشعب الفلسطيني لن يسامح من يخل باتفاق المصالحة. حماس وفتح تدركان بانهما قد تواجهان ثورة فلسطينية مشابهة للثورة المصرية في حال خيبتا امال الفلسطينيين وعادتا للانقسام مجددا
‬‫إن نجاح المصالحة الفلسطينية سيعيد للشعب الفلسطيني ثقته بقادته السياسيين وسيضع الفلسطينيين في وضع المتقدم استراتيجيا، فالاستراتيجية الفلسطينية التي اعتمدت على التحرك العاطفي أو الرد المتسرع على الانتهاكات الاسرائيلي أدت الى ضعف فلسطيني، أما الان وان استطاع الفلسطينيون ضبط انفسهم والالتزام بتطبيق الاستراتيجة الجديدة موحدين بانهم يستطيعون هزيمة حكومة نتنياهو دوليا وبالتالي التقدم نحو اقامة الدولة الفلسطينية.‬ 

المصدر: القدس