بن لادن والمقاومة العراقية... وقفات لا بد منها
الأربعاء, 04-مايو-2011
بقلم: كاظم حامد الربيعي -
يعجب المرء من جهل بعض الاسلاميين بأحوال البلاد العربية وأخبار الجماعات والتنظيمات العاملة في الساحة، فلا يستغرب بعد ذلك التخبط في إصدار التصريحات والمواقف من الاحداث الجارية، فالتصور المبني على الجهل المركب لا بد أن يسلك بصاحبه سبيل الفاشلين والخائبين.

فبعد أن رأينا مواقف "جماعة الاخوان" المخزية من المد الايراني وصولاته على ديار المسلمين في العراق ولبنان وايران، ووصل الحال بالبعض ان دفعته الثورية العمياء الى تأييد انظمة غارقة في الطائفية والفساد والظلم والبطش بالشعب كالنظام البعثي السوري، بل غلبت بعضهم حيرة من حرب القذافي على الشعب الثائر وثقُل عليهم تدخل الغرب لضرب كتائبه.

ومع الإعلان عن مقتل أسامة بن لادن، سجّل بعض الإسلاميين مزيداً من هذه المواقف التي أُطلقت جزافاً ولم يُراع فيها الحذر الشرعي والنظر الواقعي، فلا يزال هذا الرجل عندهم رمزاً مجاهداً ثائراً. والعجيب ان من يأخذ على تنظيم القاعدة بعض المؤاخذات الشرعية فإنه لا يرى في عملهم في العراق سوى الجهاد المحض وقتال المحتل المعتدي!

بإمكاننا القول بأن تنظيم القاعدة قد اندحر فكريا وميدانياً في العراق، فلم يعد هناك مجال للاعتذار والتأويل والتبرير لأعمال القاعدة، فلن ينظر الناس بعد التجربة العراقية إلى هذا التنظيم وكأنه تنظيم جهادي يسعى لعزة المسلمين ونصرة المستضعفين، بل إن الثورات العربية الاخيرة اجهزت على ما تبقى من آمال للقاعدة بالعودة للساحة الإسلامية وتقديم مشاريعها وأطروحاتها للمتعطشين للإصلاح والتغيير.

وهنا لا بد من الاشارة الى وهم يتعلق به بعض اصحاب الأماني حينما لا تسره أخبار القاعدة في العراق وهو الفصل بين فروع القاعدة والأصل (القيادة)، وتقسيم قيادات القاعدة الى متشدد ومعتدل فإن هذه المسألة لا بد أن ينظر لها من جانبين:

1-أن القاعدة في العراق وعموم الوطن العربي قد بايعت بن لادن اميراً لها وإن كانت هذه البيعة رمزية لا ترتبط بتنفيذ أوامر القيادة وتوجيهات بن لادن والظواهري -لاستحالة ذلك عملياً- إلا أنها تُلزم القادة المسؤولية المباشرة عن كل ما يحدثه اتباعهم من شر أو ضرر.

2-أن القاعدة تنطلق في رؤيتها للواقع من منطق اتهام مجموع الأمة بالتخاذل والتآمر وانحياز الخير والنصر الى جانبها ومن وافقها، فمهما صدرت من البعض مواقف معتدلة أو ناقدة لمظاهر الغلو والتشدد فإنهم في النهاية لن يعدلوا عن تأييد رجالهم والاعراض عن كل نقد خارجي مهما كان مصدره.

يضاف إلى هذا ان مسائل الدماء والأموال والقتال من أعظم المسائل حرمة في دين الاسلام ولا يجوز التهاون والتساهل فيها بحال من الأحوال، فالتجاوز والتغاضي عن سفك الدماء هو سكوت عن ظلم عظيم وتجبر وطغيان أياً كانت جهته، فكيف إذا شاع هذا الأمر وأصبح القتل عند البعض عادة وسنة ثابتة وعلامة مميزة.

وحتى نقف عند طغيان القاعدة (قادة وجنودا) وتعاليها على نداءات النصح والاستغاثة في العراق نشير الى رسالة الجيش الاسلامي في العراق أكبر فصائل المقاومة العراقية الى اسامة بن لادن المنشورة مطلع نيسان/ابريل 2007 والتي دعت فيها بن لادن إلى "أن يستبرئ لدينه وعرضه، وأن يتحمل مسؤوليته عن تنظيم القاعدة الشرعية والتنظيمية، وأن يستقصي الحقائق ويتثبت ليكون على بينة من أمره، فإنه ومن معه من إخوانه قادة القاعدة مسئولون يوم القيامة عن ما يحدث من قبل أتباعهم،ولا يكفي البراءة من الأفعال بل لابد من تصحيح المسار".

وقبل هذا لا بد من التنبيه الى رسالة نشرتها جماعة أنصار السنة وهي جماعة عراقية متشددة تمردت على هذا المنهج وكشفت فيها عن بعض الحقائق وكانت موجهة لجماعة أنصار الاسلام الكردية الذين تحالفوا معهم بعد الاحتلال (2003) وشكلوا "جيش أنصار السنة" ومما جاء في الرسالة "ألم تكونوا تقولون إن أعظم عمل يقوم به الشيخ ابن لادن اليوم هو الإعلان عن حل تنظيم القاعدة في العراق لأن هذا التنظيم قد أصبح سبة عليه وصار مظلة لكل صاحب مأرب باطل لكي يحقق مأربه من خلال هذا التنظيم المخترق الذي لا دواء له إلا الحل وبعثتم الرسائل إلى علماء الجزيرة للمساهمة في هذا المشروع وأرسلتم الرسل إلى أفغانستان ومنهم أبو الدرداء (رحمه الله)، ليشرح لابن لادن والظواهري فساد القاعدة العريض في العراق ولما رجع أبو الدرداء قال إن وفدا سيرسله الظواهري إلى العراق ليتأكد من صحة هذه الأخبار ثم قلتم لنا إن أبا مصعب رحمه الله عوّق وصول الوفد كي لا تنكشف الحقائق علماً إن عصر أبي مصعب يعتبر ذهبيا إذا قيس بما جرى من بعده". وقد نشرت الرسالة بتاريخ 5 آب 2008، وهذا يعني أن الاكراد المتشددين طالبوا بحل هذا التنظيم وكتبوا الى بن لادن بذلك! وهنا يمكننا تشكيل تصور واضح عن حال القاعدة في العراق وموقف القيادة العليا (في أفغانستان وباكستان) من إفساد جنودها وقادتها في العراق.

وحتى نقف أكثر عند موقف بن لادن من أتباعه في العراق ودولتهم التي أصبحت تلاحق المسلمين والمجاهدين من كل الفصائل نشير الى خطابه المعنون بـ "السبيل لإحباط المؤامرات" المنشور في أواخر ديسمبر 2007 ومما جاء فيه "بايعوا الشيخ الفاضل أبا عمر البغدادي أميراً على دولة العراق الإسلامية" وجعل هذه المبايعة "من أعظم الواجبات" والتقاعس عن ذلك من "المؤامرات الخطيرة التي ترمي إلى إجهاض الجهاد في أرض العراق" وأضاف "الحزب الإسلامي وبعض الجماعات المقاتلة تناصر أميركا على المسلمين، وذلك كفرٌ بواح وردة صراح.. فيجب على أعضاء الحزب الإسلامي وتلك الفصائل المقاتلة، أن يتبرؤوا من قادتهم ويصححوا مسار أحزابهم وجماعاتهم، فإن تعذر ذلك فليعتزلوا هذه القيادات المنافقة، وليلتحقوا بالمجاهدين الصادقين".

وكأن هذا الرد المزلزل هو الجواب الرسمي من أسامة بن لادن الى الجيش الاسلامي وفصائل المقاومة والمجتمع السني، وهذه الدعوة تجعل صاحبها في خانة المدافعين عن القتلة الذين شهد عليهم المتشددون والمعتدلون في العراق بالإفساد والإسراف في سفك دماء العباد، فبن لادن الجاهل بأحوال العراق أيّد جماعته دون الاستماع للطرفين ودون الرجوع الى اهل البلد والقائمين على أمر الجهاد بل أعرض عما جاءه من الانباء، وزاد على ذلك بأن دعاهم إلى مبايعة "البغدادي"، وتعدى الأمر الى تخوين جماعات وتحريض على انشقاقات، وهذا أمر خالفه فيه بعض قادة التشدد والغلو كالملا الكردي فاتح كريكار الذي انتتقد القاعدة على غطرستها وغلوها.

ولا تزال المقاومة العراقية تؤكد ان دماء العراقيين السنة تنزف من ضربات القاعدة دون ان يصدر اي نكير أو تحذير أو تخويف من قادة القاعدة، وهنا نسوق بعض ما صدر عن المقاومة في ذلك لتكون وثائق وشهادات مسجلة ضد هذا التنظيم والدولة التي دعا بن لادن الفصائل الى الالتحاق بها والتوحد تحت رايتها.

أصدر الجيش الاسلامي بياناً بتاريخ 12 آب 2009 جاء فيه "ولا ندري أي حياة بقيت في جهاد لم يسلم منه أهله أنفسهم فلقد قتل أتباع الظواهري في العراق (غدرا) من قادة الجهاد ما عجزت أكبر قوة وامبراطورية في هذا العصر (أميركا) أن تناله منهم، وآخرون لا زالوا يتربصون بهم لقتلهم لا لشيء إلا لجهادهم أعداء الله... ولقد أحدثتم بدعاياتكم (يقصد دولة القاعدة) شقاقا وفرقة بين الفصائل المجاهدة في وقت اشرأبت أعناق المسلمين شوقاً وتشوُّفاً وفرحاً لهول ما حصل لأميركا على أيدي المجاهدين... فآلت الأوضاع باستعجالكم في الأحكام واتخاذ القرارات الفردية وقتالكم لمن هم معكم في خندق مواجهة الأعداء إلى حال وأوضاع لا تسر صديقا".

وفي 9 أبريل نيسان 2011 أصدر الجيش الاسلامي بياناً مزلزلاً ردا على اغتيال احد قياداته في منطقة التاجي شمال بغداد "ففي جريمة جديدة تضاف إلى سلسلة الجرائم التي ترتكبها عصابات القاعدة ضد كل الأبرياء في العراق عموماً والمجاهدين الصادقين خصوصاً، وبتعاون واضح مفضوح مع أذرع إيران في العراق وما يسمى بالحرس الوطني، الذي يفتح لهم الطريق ويمهد لهم الإجرام، ويحضر بسرعة لينقذهم إذا اقترب منهم خطر، ولكي يخفوا آثار الجرائم أو يردوا عنهم أحدا، ومن هذه الجرائم جريمة قتل الأخ المجاهد (أبي أيمن) من قيادات قاطع التاجي في الجيش الإسلامي في العراق وأخيه، والمعروفَيْن بدينهما وتقواهما وشجاعتهما ضد الاحتلال...علماً أنهم كانوا قد قتلوا أبطالا آخرين كُثُرا عجز الاحتلال عن قتلهم، فقتلتهم أياديهم الملطخة بدماء المجاهدين، ليدعوا في بياناتهم كذباً وزورا أنهم يقتلون عناصر من الصحوة التابعة لميليشيا الجيش الإسلامي حسب زعمهم، وقد كنا لا نرد عليهم سابقاً بهدف أن لا يفرح الأعداء والشامتون، ولكن هذا دفعهم إلى التمادي في غيهم وإجرامهم، ولكننا بعد هذه الجريمة سنفضح كل ما يقومون به من جرائم ضد الأبرياء والمجاهدين، وإن لم يتوبوا إلى الله عاجلاً غير آجل ويبينوا ويدفعوا ديات من قتلوهم، فسيأتيهم رد مزلزل يستأصل شأفتهم ويقصم ظهورهم، كما شهدوه بالأمس القريب، وهم يعرفون صولاتنا وجولاتنا، وليتقوا غضب الحليم إذا غضب". وجاء في بيان نعي الجيش الاسلامي لبن لادن "ولا نزال ندفع ثمنا غاليا من الدماء الطاهرة على يد التنظيم في العراق". ولخص الجيش الاسلامي التحديات التي واجهت المقاومة بعد ان حققت تقدماً واضحاً في مواجهة الاميركيين فقال "خاضت فصائل المقاومة معارك جانبية فرضت عليها، على الرغم من أنها حاولت جاهدة النأي بنفسها عنها، وأبرز هذه المعارك كانت على جبهات أربع: الميليشيات المدعومة إيرانيا، وفرق الموت التي تسترت بلباس الأجهزة الأمنية الحكومية، وتنظيم القاعدة بعد إعلان دولته، والصحوات" وذلك في بيان بعنوان "الذكرى الثامنة للمقاومة العراقية...حقائق بحاجة إلى تأمل" نُشر بتاريخ 2 مايو 2011.

إن هذه الحقائق وغيرها تستدعي الوقوف والتأمل وإعادة النظر في منهج الثورية العمياء (القاعدة) الذي اصبح بعض الافاضل من الدعاة وطلبة العلم والمثقفين الاسلاميين يتلبسون به وهم لا يشعرون، فلا يوجد ما يبرر تأييد هذا التنظيم أو السكوت عنه أو الشعور بالحرج إزاء انتقاده فبعد شهادة أهل العراق لا ينبغي العدول عن الحق الواضح فدماء المسلمين أغلى وأثمن في ديننا من كل شيء ومن لم يوقر حرمة النفوس المعصومة ولم يصنها ويعرف حقها فلن يعظم في عينيه اي شيء وإن ادعى حب الدين والمجاهدين والعلماء والمصلحين. 


المصدر : ميدل ايست اونلاين