انتهاك براءة الأطفال إفلاس سياسي وأخلاقي
الأحد, 24-أبريل-2011
علي ربيع -
ثوروا كما تشاؤون لكن دعوا الأطفال وشأنهم، دعوا براءتهم ووداعتهم، دعوا أحلامهم تغرد بعيدا عن نزقنا الثوري ومشاريعنا الاستشهادية، لماذا هذا الإصرار على الزج بالأطفال في مسيرة عنيفة أو مظاهرة غير مأمونة العواقب، لماذا تنتهكون حقهم في الحياة الآمنة، هل وصل إفلاس السياسة إلى هذا المستوى، هذا طفل أوطفلة، بحاجة إلى لعبة وقطعة شوكلاتة وزيارة أسبوعية إلى حديقة الألعاب.
كيف لطفل أن يستوعب معنى بقاء الرئيس أو رحيل الرئيس ؟ وكيف لطفلة أن تتحمل العنف الثوري على المستوى اللفظي أو المستوى الفعلي؟ أي هي المنظمات المحلية والأجنبية المعنية بحقوق الأطفال، لماذا لا تحرك ساكنا لماذا لا تتدخل للحد من هذه المازوشية المرعبة التي يتعرض لها أطفال اليمن.
هناك مشاهد مرعبة تعرض لها الأطفال خلال الفترة الماضية، أودت بحياة بعضهم بشكل بشع ومؤلم، ماتوا وهم لا يدرون لماذا ماتوا، لماذا سفكت دماؤهم وقطفت زهرة أعمارهم، من يتحمل مسؤولية ما حدث أو ما يمكن أن يحدث لأطفال آخرين سواء أكانوا في عمر الرضاعة أو دون السن القانونية؟
ألم تجرم كل الديانات والمواثيق الدولية والإنسانية استغلالهم أو تعريضهم للخطر أو ممارسة العنف النفسي تجاههم؟ أين الوازع الديني والأخلاقي وأين روح الأبوة أو الأمومة الغائبة.
إن من يطلق النار بلاشك يتحمل المسؤولية، لكن الذي يخرج الطفل من بيته أو مدرسته هو القاتل الحقيقي الذي يغامر بحياة هذا الطفل البريء أوهذه الطفلة، هو من يقدم متعمدا على الزج بالبراءة إلى هذا المصير، فالرصاصة حين تنطلق لا تفرق بين كبير وصغير، والحجر حين يقذق لا يعرف أن هذا رأس طفل أو جمجمة كهل، فاتركوا أطفال اليمن وثوروا على الرئيس أو دافعوا عنه كما تشاؤون.
نعم هي حرب السياسة، نعم هو بريق السلطة، نعم هي الثورة أو الفتنة، نعم هو منعطف خطير في تاريخ اليمن المعاصر لكن دعونا نعيشه برجولة وفروسية في الخصومة، وإن كانت الدماء لا بد أن تسيل فلاتكن هي دماء الأطفال، وإن كان الخطاب الإعلامي لابد أن يفقد كل لياقة وأخلاق فلنجنبه أطفالنا، أكبادنا التي تمشي على الأرض، إنهم هم المستقبل فلا تقتلوهم، وهم أمل التغيير فلا تلوثوا صفاء سريرتهم، ونقاء عقولهم، لا تجعلوهم يشربون مع حليبهم عصير الكراهية وسموم الحقد، دعوهم يعانقون الحياة حين يكبرون مبرئين من عاهات السياسة وثأراتها.
إن ساعة التغيير في واقعنا اليمني آتية لا محالة ، فلتكن نقطة تحول ناصعة، وفي أسوأ الأحوال لتكن هبوطاً اضطرارياً آمناً، ولنصنع لحظتنا التغييرية وفق ممكنات التغيير التي نحتملها ونعلمها بيقين، التغيير بأقل كلفة، التغيير الذي لا يهدم وينسف كل شيء، التغيير الذي يؤمن بالفرق بين نماذج الفعل التغييري المختلفة، ويبتعد بحصافة عن الاستنساخ والتقليد ليسجل ماركته المحلية المختلفة النكهة والأسلوب، التغيير الذي يدرك أن خروج طفل أو طفلة في مظاهرة في ميدان التحرير بالقاهرة، مختلف تماما عن خروج طفل أو طفلة في مظاهرة في شارع ملتهب في صنعاء أو مأرب أو حجة أو أبين.
إن كلفة التغيير السياسي من الممكن أن تكون باهظة الثمن في ظل وعي قاصر، واحتشاد مستميت يرى الحق إلى جواره، وماعداه هو الجحيم، مع أنه من المسلم به أنك لا تستطيع أن تلغي أو تصادر أو تهمش حق غيرك في أن يختلف معك، مما يعني أنه لا خيار أمامنا فإما أن نتفق على ممر آمن للتغيير وإما أن نشد الرحال إلى حلم تغييري ملطخ بالدم ومعمد بابتسامة طفل في وجه طلقة طائشة!



*. نفلاً عن صحيفة الثورة