فرصة للمصالحة
الاثنين, 21-مارس-2011
الدكتور ناجي صادق شراب -
هذه الشعارات التي تطلقها الشعوب العربية تعبيرا عن رفضها للأنظمة الحاكمة المستبدة فيها ، والتطلع نحو نهضة مستقبلية ، تعبر عن حالة كل شعب ، وإن إشتركت جميعها في قوة الإرادة الشعبية وقدرتها على التغيير ، وإلتفافها جميعا حول رفضها للسلطوية والإستخفاف بآدمية وكرامة هذه الشعوب تحت وطأة سياسات القمع والتخويف والضرب والإعتقال.

والفلسطينيون بدورهم من حقهم أن يرفعوا شعاراتهم المعبرة عن حالتهم الأكثر تعقيدا ، والأكثر قسوة من اي شعب عربي آخر ، فالفلسطينيون يعانون أولا من مرض مزمن إسمه الإحتلال الإسرائيلي الذي يسلبهم آدميتهم الإنسانية في الوقت الذي يرفع العالم فيه شعار حماية حقوق الإنسانية . ويعاني الفلسطينيون أيضا من سلبيات الحكم والسلطة السياسية كأي نظام حكم عربي آخر من إعتقال وتضييق للحريات والحقوق ، وإستخفاف أيضا بآدمية هذا الإنسان . لقد تحول الحكم والسلطة فلسطينيا إلى هدف في حد ذاته لا بد من المحافظة عليه بكل الوسائل ، وهذا ما يفسر لنا الدور الكبير الذي تلعبه المؤسسة الأمنية على حساب أي شكل من أشكال الحكم المدني.

ويعاني الفلسطينيون من إستخفاف بآدميتهم إقليميا ودوليا بمعاملتهم وكأنهم المسؤولون عن كل العنف والإرهاب في العالم كله . ولم يكتف الفلسطينيون بكل هذه المعاناة ليضيفوا أخطر معاناة في حياتهم السياسية وهي معاناة الإنقسام السياسي ، الذي فصل الأرض والجسد إلى جزءين متناحرين متصادمين ، ألا يكفي ما تقوم به إسرائيل من فصل بين أجزاء الوطن والشعب الواحد ليأتي الفلسطينيون وينفذوا ما فشلت فيه إسرائيل من إنقسام ، والذي يدخل عامه الرابع ليتحول إلى إنقسام بنيوي وصل إلى مكونات الجسد الفلسطيني إجتماعيا وقيميا ، وتغلغل إلى الجزيئيات الصغيرة للمجتمع الفلسطيني على مستوى كل منطقة ، بمعنى تحول قطاع غزة كما الضفة الغربية إلى كتل سكانية متباعدة ومنفصلة ، والمعيار فيها إما أنت مع حركة حماس أو حركة فتح .

ولا شك إن هذا الإنقسام تحمل تبعاته الشعب الفلسطيني ، ولا أريد ان أتحدث عن تداعيات الإنقسام على مستقبل ومكانة الشعب الفلسطيني وقضيته ، بل يكفي التداعيات الداخلية التي لم تعد تحتمل على مستوى الفرد العادي . ولم يعد هذا الإنقسام محتملا شعبيا . وكان لابد من تحرك جماهيري حقيقي يرفع شعار الشعب يريد إنهاء الإنقسام ، وهو حق مشروع ووطني ، ومن حق الجميع أن ينهوا هذا الإنقسام بكل الوسائل التي يكفلها لهم حق الشعب الفلسطيني في الوحدة ، والحفاظ على القضية . وفي زمن التحول العربي نحو إسقاط انظمة حكم أهانت شعوبها ، كان من حق شباب الوطن أن يخرجوا ويقولوا لا للإنقسام.

وفعلا خرج الشباب الذين لم يسمح لهم بالتعبير عن هذا المطلب الوطني تحت نفس الذرائع التي تمسكت بها أنظمة الحكم العربية التي تدافع عن بقائها . وفي ظل هذا التحول والحراك كانت مبادرة إسماعيل هنية رئيس حكومة حماس المقالة في غزة بدعوة الرئيس عباس إلى غزة وإنهاء الإنقسام . وكانت الإستجابة غير المتوقعة من أحد بإستجابة الرئيس بإستعداده للذهاب إلى غزة ووضع نهاية لهذا الإنقسام .

وهنا السؤال الذي نطرحه هنا : ماذا تحمل هذه الزيارة من دلالات سياسية ووطنية ؟ وهل هي جادة وصادقة ؟ وما هي مقومات نجاحها ؟ تحمل هذه الزيارة دلالات سياسية هامة ومصيرية :فأولا لطالما طالبنا الرئيس أن يقوم بواجبه الوطني كرئيس منتخب ويجسد المصلحة الوطنية الفلسطينية أن يبادر بمبادرة تواكب هذه المسؤولية الوطنية ويدعو لإنهاء الإنقسام .

وقد سبق أن قدم الرئيس دعوات للحوار الوطني ، وبادر بالتوقيع على ورقة المصالحة المصرية ، لكنها المرة الأولى وبشكل واضح وصريح وقاطع يعلن إستعداده للحضور لغزة على إعتبار إن غزة تشكل حالة الإنقسام ، وبهذه الزيارة نطوي كل صفحة الماضي ، ليؤكد الرئيس وفي حال إتمام الزيارة عودة الوحدة للوطن.

فهذه الزيارة ليست مجرد زيارة رسمية أو بروتوكولية ،او شكلية ، أو كأي زيارة يقوم بها الرئيس إلى أي دولة أخرى، إنها زيارة إعلان للمصالحة ، زيارة إعادة الوحدة للوطن المقسم ، فحضور الرئيس بصفته التوحيدية ، وإستقبال رئيس الحكومة في غزة له مع بقية الفصائل وقوى الشعب المختلفة ، وبإستقبال شعبي يرقى إلى مستوى هذه الزيارة ، لتعبر عن إستعادة الوحدة.

وقد يقول متشكك في جدوى هذه الزيارة لماذا يصر الرئيس على حضور إسماعيل هنية على وجه الخصوص ، المسألة ليست مسألة إستقبال ، أو أن الرئيس في حاجة لهذا الإستقبال ، فلو عدنا إلى ما قبل الإنقسام عندما كان يحضر الرئيس لم يكن أحد في إستقباله ، لأنه لم يكن في حاجة إلى ذلك ،أما اليوم وفي حالة الإنقسام الإستقبال مطلب من مطالب إنهاء الإنقسام لمن يريد إنهاء الإنقسام . هذه هي الدلالة السياسية المهمة من هذه الزيارة .

وعلينا أن ندرك هذه الدلالة حتى تنجح هذه الزيارة . هي زيارة إعلان للمصالحة ، وهذا ما ينبغي أن يصدر عنها ، وان يكون إقرار بذلك ، وأن يصدر إعلان بهذا الإعلان . وثاني هذه الدلالات إن هذا الإعلان وعلى أهميته يصبح بلا معنى ولا مغزى إذا لم تصحبه خطوة تجسده في إجراء عملي يتمثل في الإتفاق على تشكيل حكومة توافق وطني إنتقالية تهيئ لعملية مصالحة حقيقية . وقد يطل علينا احد المتشككين مرة ثانية ويثير قضايا كثيرة تشكل أشواكا في طريق إكمال هذه الزيارة ، ويثير قضايا إصلاح المنظمة وهي قضية منتهية في وقت إستعادة الشرعية السياسية وتجديدها ، وقضية الإعتقال ، والأجهزة الأمنية ,غير ذلك وكل هذه القضايا تم الأتفاق حول آليات حلها ، ولم تعد قضية المصالحة مرتبطة بها ، بل أصبحت مسألة تدخل خارجي في صنع القرار ،او ليست هذه الزيارة رد على كل الأصوات التي كانت تقول أن هناك فيتو أمريكي وإسرائيلي على المصالحة ؟ فلماذا لا نختبر ذلك بقبول الزيارة وإنجاحها.

وثالث هذه الدلالات إن مجرد تحقيق الزيارة فيها حل كل القضايا العالقة ، وعلى سبيل المثال كيف تأتي هذه الزيارة والإعتقالات السياسية قائمة ؟ ! فالوضع الطبيعي والعقلاني يقول انه لا إعتقال مع هذه الزيارة . ومن الدلالات الهامة لهذه الزيارة لمن يحرص على إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس من الديموقراطية والتوافق الوطني أن الرئيس قد اعلن أنه لن يرشح نفسه ثانية ، وقد سبق الرؤساء العرب في ذلك.

والسؤال اليست هذه فرصة تاريخية للجميع للمنافسة في إنتخابات رئاسية حقيقية وجديدة من شأنها إن تنقلنا إلى مرحلة سياسية جديدة . وأكثر وضوحا كنا نشكو دائما أن حركة فتح تحتكر مؤسسات السلطة الفلسطينية . اليست هذه فرصة للرد على ذلك . ولماذا نحرم أنفسنا من هذه الفرصة التاريخية.

وهناك دلالة أخرى هامة ، أن الزيارة ليست مرتبطة كما قد يصورها البعض بفشل خيار التفاوض ، وأعتقد الأمر عكس ذلك إن الرئيس وطالما قرر عدم ترشح نفسه ، فإنه لا يريد إن يذهب والإنقسام قائما ، وسيسجل التاريخ للرئيس عباس هذا القرار الوطني في إنهاء الإنقسام . ومن هذا الفهم علينا جميعا أن نساعده في ذلك .ومن الدلالات المهمة أن نجاح هذه الزيارة سيؤسس لقاعده قوية ومتينة للمصالحة.

ولم تعد المصالحة تحتمل حسابات تحولات قد تشهدها وقد لا تشهدها المنطقة من وراء الثورات العربية . ولندرك أيضا ولإنجاح هذه الزيارة أن يكون هناك إدراك أكبر لدور حركة حماس التي لم تعد مجرد فاعل سياسي جديد ، بل فاعل رئيس ، ومن حقها أن تشعر ببعض الإستحقاقات من وراء فوزها في الإنتخابات الفلسطينية الأخيرة.

ولا خلاف على إعادة هيكلة منظمة التحرير كمرجعية فلسطينية عليا ، وإصلاح مسألة التمثيل داخلها ، وقد تكون هذه هي المبادرة الأخرى التي قد يتوقعها الجميع من الرئيس والتي قد تأتي بعد أن يشعر الجميع بنجاح الزيارة .

إن هذه الزيارة فرصة لا يجب إضاعتها لحسابات وأهداف غير واقعية . فهي زيارة لشطب الإنقسام من قاموسنا السياسي ، وإذا بقي لي ما أختم به هذه المقالة فإننا كنظام سياسي أحوج من كل الدول العربية أن يكون لدينا نظاما قادرا على التعامل مع أنظمة الحكم العربية الجديدة وليس العكس . وأخيرا هي زيارة يريدها وينتظرها الشعب الفلسطيني من أجل إنهاء الإنقسام. 



المصدر: القدس