ممانعة في ظل الاعتدال!
الأحد, 20-مارس-2011
بقلم: كاظم حامد الربيعي -
قسّم الاميركان دول المنطقة الى دول موالية وأخرى معادية تبعاً للسياسة والمصالح والمنافع للولايات المتحدة، وما دام المسلمون في صراع طويل مع المعسكر الغربي بقيادة الاميركان فقد ذهب البعض الى مولاة الاعداء "المفترضين" لأميركا، ومعاداة الدول والسياسات المهادنة أو المتحالفة مع الغرب.

رد الفعل الصبياني المتهور على التقسيم الأميركي لا يتفق مع الأسس الشرعية لديننا وما يقره العمل السياسي الحكيم، فالغرب لا يعرف العداوة المطلقة ولا الموادعة الأبدية فالمصلحة هي الحاكم والفيصل في سياساتهم وعلاقاتهم الدولية، وهذا هو المنطق الذي ينبغي ان يتخذه العقلاء خصوصا في منطقتنا المزدحمة بالأزمات والمشاكل المتداخلة المتفاقمة يوماً بعد يوم.

فالواقعية المبنية على الضوابط والقواعد الشرعية هي السمة التي تجعل العمل العربي (المقاوم والاصلاحي النهضوي) ذا ثمرة ومنفعة لأهله، أما التهور والطيش على منهج القوميين والتكفيريين والإخوان فقد أثبت فشله وتفريطه بالقضايا الكبرى للأمة لا سيما بعد قيام الدولة الشيعية في العراق (نيسان 2003).

لم يخلقنا الله تعالى عمياً وبكماً وصماً حتى نبحث عمنّ يهدينا الى عدونا ويحذرنا من مخططاته، فالبهائم والسوائم تستدل بفطرتها على مصدر التهديد والخطر على حياتها، فمن اتخذ موقفاً معاكساً للتصنيف الاميركي فقد اعتمد على الغرب في معرفة عدوه واختلطت الامور عليه الى درجة العمى التام، فالبراغماتية لا تسمح للغربيين بالثبات على منهج سياسي وخطاب اعلامي كالقوميين ودراويش القاعدة والاخوان، فحينما يعدل الاميركي عن معاداة خصم سابق ويقترب منه لمصالح راجحة نقع في قلب تنفيذ الاجندة التي نعاديها دون أن نشعر ونسقط في فخ التبعية الذي طالما حذرنا منه!

والوهم الذي روجه انصار محور الممانعة من العرب كان له انعاكساته السيئة والمدمرة في الرأي العام العربي والاسلامي، فبفضل هذا المحور تحولت ثقافة المقاومة وعملها من الخنادق الى الفنادق والمؤتمرات الصحفية ومن الجبهات والساحات الى الفضائيات والندوات الداعمة للمقاومة!، بل أعمى هذا الفهم السقيم العرب عن التيقظ لكوارث ومصائب تلاحقت على بلدانهم كسقوط المنطقة في الاحضان الشيعية وميلانها مع الريح الايرانية والاستعباد الغير مباشر لإرادة خامنئي وقادة الثورة الخمينية.

تفاهم الممانعون مع الأميركيين حول العراق والمنطقة ورغم اختلافاتهم المخفية والمعلنة إلا انهم لم يزالوا متفقين على إضعاف قوة العرب السنة في المنطقة، وهذه الحال لم تعد خافية على أحد، وفي الوقت نفسه استهوت الكثير من العرب ظاهرة الممانعة المسموح بها دوليا والمسكوت عنها اميركيا، إما لسذاجة عالية التركيز أو انتهازية رخيصة لنيل المكاسب الشخصية والحزبية، ومن بين التيارات والاطراف المنخرطة في هذا السلك الممانع المرخص له أميركيا:

-حزب البعث العراقي: ومقر قياداته واعلامييه في دمشق، والنظام السوري يتعاون مع حكومة المالكي ويتحالف مع ايران ولا يمتلك سوى التصريحات الخجولة تجاه الاحتلال وخطورة التقسيم والتأكيد على وحدة العراق وشعبه، ومع ذلك يدعي البعثيون (جناحي الدوري ويونس الاحمد) أن سوريا معارضة للاحتلال الاميركي ومخرجاته، واكثر قادة ومفكري البعث والتيار القومي موقنون بأنهم يتحركون في فلك السياسة السورية ولا يعدونها قيد شعرة، وسائر الحركات القومية والعشائرية العراقية التي تتخذ من دمشق مقراً لها تعلم أنها لا تخدم مشروعها الوطني او السني العروبي وإنما تمشي في الطريق المعتدل المرسوم لها سورياً والذي لا يزعج الاميركيين ولا الايرانيين.

-هيئة علماء المسلمين: لا تعرف الهيئة سوى الحث على الوحدة الوطنية والمقاومة ونبذ الانقسام الداخلي والتحذير من مشاريع المحتل –كما يسمونها-(التقسيم والطائفية) ورغم ان الاعلام الممانع (كفضائية الجزيرة) تقدم الهيئة كواجهة للقوى المناهضة للاحتلال إلا أنهم لا يملكون أي نشاط داخلي مؤثر، مقابل ذلك لديهم نشاطهم الخارجي وأموالهم الواردة من جهات رسمية وغير رسمية في قطر وتركيا وسوريا فالهيئة تملك فضائية الرافدين ومكاتب في عدد من العواصم العربية كالقاهرة وعمان ودمشق والدوحة.

وهذه الاموال هي من امتيازات الوقوف في الجبهة الاعلامية لمحور الممانعة والسكوت عن حقيقة المشروع الشيعي المسيطر في العراق والمنطلق نحو المنطقة بشكل منظم.

-فصائل المقاومة العراقية في دمشق: من المعروف أن لفصائل المقاومة تواجدها شبه الدائم في دمشق، وتحركاتهم الخارجية في قطر وتركيا ومصر والاردن وما يرافق هذا النشاط من حركات مالية صادرة وواردة لصندوق المقاومة، وبالرغم من انحسار العمل المسلح بشكل كبير داخل العراق، إلا أن هذه الفصائل ما زالت تنعم بمكاسب بالتموضع الاعلامي في جبهة الممانعة، والاميركيون على بوجودهم في الاردن وقطر وتركيا فضلا عن دمشق.

أهداف المقاومة النبيلة لم يمنعها من السباحة مع التيار الايراني ومشابهة ذات الخطاب للمحور الممانع (رفض التقسيم ولعن الاحتلال والغرب والحث على مواصلة المقاومة) وهي لغة تحجب الحقائق الميدانية والاولويات والمهمات في المجتمع السني الذي تنطلق منه المقاومة (كحقوق العرب السنة والتوجه نحو خيار الاقليم والفيدرالية، التمدد الايراني في المناطق السنية، العمل السياسي، الواقع المعيشي الصعب، مآل الضعف الداخلي للجبهة السنية).

وهذا البُعد الملموس عن الواقع ساهم بخلق أجواء خارجية للمقاومة أقنعها بأنها تسعى للتغيير وتحصيل شيء لأهلها واستغرقت في تفكيرها هذا حتى خرجت من النطاق الفعلي للمقاومة كقوة سنية وليس كقوة مسلحة.

فأموال المقاومة التي تأتي لقيادتها وشخصياتها الخارجية اصبحت لا توجه بالشكل الصحيح نحو الداخل ويصيبها كثير من الاتلاف التبذير والاسراف والانفاق الغير مشروع عبر على مسائل وقضايا لا تمت للواقع العراقي بصلة، ولطغيان الاهواء وتمكن الاختلاف بين الفصائل اصبح المال الموضوع لدعم الجهاد والعباد يساهم بقدر المستطاع في اضعاف الصف الجهادي والسني، فقد جاء في بيان للجيش الاسلامي في العراق –أكبر الفصائل العراقية-صادر بتاريخ (1 أكتوبر 2010) اشارة الى هذا النوع من الخلافات "أما تآمرُهم (يعني جماعة جيش المجاهدين) على الجيش الإسلامي لأجل تفكيكه حسداً من عند أنفسهم فهو أمر لدينا عليه من الأدلة ما لا يدع مجالا للتأويل أو لصرف الأفعال عن ظواهرها، فقد تآمروا مع ما كان يسمى جيش الفرقان، وأمدوهم بالمال والمعلومات، ووصل التآمر معهم حد التصفية الجسدية لقيادات الجماعة".

هذا العبث والانتهازية والانكفاء عن المنهج الواقعي يؤكد لنا أن جميع المنطقة تلتحف بغطاء الاعتدال والوسطية الاميركية، لا سيما بعد ان بعض اتخذت بعض المشاريع العربية والاسلامية المقاومة نفس السبيل الايراني لكن بدون اهداف تخدم المصلحة السنية العربية.

جبهة الممانعة الحقيقية هي الشعوب السنية التي لا تغيثها النجدة الاميركية الغربية كما تجلى ذلك في ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن، وكما هو قائم في ايران والعراق ولبنان وسوريا، فالايدي الغربية لم تمتد للشعوب المقهورة كما فعلت من قبل مع شيعة العراق الذبن حُرروا من الطغيان السني المستحكم منذ قرون! وكل من انطلق في مشروعه من حاجات الشعب وآماله وتطلعاته فهو بالضرورة منخرط في جبهة الممانعة الفعلية، أما التمتع بممانعة على منهج تيار مقتدى الصدر وحزب الله فهذا تنعم بنتائج التفاهم الاميركي –الايراني المدمر على المنطقة، ولن يختلف عن أولئك الذين يوقعون اتفاقيات السلام مع اسرائيل. 


المصدر: ميدل ايست اونلاين