مايكل سكوير -

انتشرت فكرة خطيرة وغير مدروسة كنتيجة طبيعية للاندفاع الغربي إلى إعلان تقدم الديمقراطية في العالم العربي مفادها أن: الثورات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تكشف عدم صلتها بالقاعدة وغيرها من الجماعات الإسلامية المتشددة.

وأعلنت مجلة نيويورك تايمز «القاعدة تشهد التاريخ وهو يتجاوزها بسرعة». وأكدت صحيفة وول ستريت جورنال «لقد نحت الانتفاضات بالقاعدة جانبا». وبدا أن الساسة، والأكاديميين وحتى المتخصصين في الاستخبارات في الغرب يتفقون مع ذلك الرأي، فمع التغير السلمي الديمقراطي القائم على قدم وساق في الشرق الأوسط، تخطى العالم القاعدة، تاركا أسامة بن لادن يتمرغ في التراب.

وكانت أهداف القاعدة منذ أعلن بن لادن الحرب ضد الولايات المتحدة في 1996 قد شملت القضاء على الطغاة في العالم العربي وإسرائيل. ولو صح ذلك التغيير فحسب، تكون أحداث الأسابيع الأخيرة قد اقتربت بالقاعدة من تحقيق تلك الأهداف.

والآن، انتهى الحكم الديكتاتوري لكل من زين العابدين بن على في تونس، وحسنى مبارك في مصر. ولم يعد الرئيس اليمنى على عبدالله صالح يمثل أكثر من مجرد عمدة لعاصمته صنعاء. وربما كان العقيد القذافي بسبيله للرحيل عن ليبيا، ما لم تؤد تدخلات غير محسوبة بقيادة أمريكا إلى إنقاذه عبر دفع الإسلاميين في ليبيا وشمال أفريقيا إلى التركيز على خطر كافر أكبر من خطر القذافي.

وبالنسبة لإسرائيل، فإن سقوط مبارك وفتح الحدود المصرية مع غزة يفرض عليها كارثة أمنية تساوى تقويض نظام صدام حسين في العراق. فقد صار درع إسرائيل المناهضين للإسلاميين من الشرق والغرب، فى ذمة التاريخ.

ويمثل كل هذا خطوة استراتيجية هائلة للأمام بالنسبة للقاعدة. فقد تحققت الانتصارات من دون أن تقوم الشبكة الإرهابية بأي استثمار أو استهلاك قوة بشرية أو إنفاق أموال، ومع تشجيع هازم للذات من الغرب المهووس بالفيس بوك والمدمن لتويتر، يصبح كل ذلك أفضل بالنسبة لبن لادن.

وبالنظر إلى المستقبل، ربما نجد خلفاء المستبدين يمثلون فألا حسنا للقاعدة والجماعات المشابهة. فسوف يصبح دور الجماعات الإسلامية أكبر وربما تصبح مسيطرة بمرور الوقت في مصر، وتونس، وليبيا، واليمن وأى دولة أخرى يحكمها طاغية مدعوم من الولايات المتحدة يسقط في الأسابيع أو الشهور المقبلة. وذلك لمجرد أن الغالبية الساحقة من سكان هذه البلاد مسلمين، ولدى الجماعات الإسلامية أكثر البنى الأساسية قدرة على الحلول محل الحرس القديم. ومعظمها تتلقى، وسوف تتلقى تمويلا سواء كان ذلك علنا أم سرا من مانحين أسخياء دائما، فى السعودية وغيرها من دول الخليج السنية الغنية بالبترول.

ومن المتوقع أن يوفر أى نظام جديد حرية التعبير والتجمع والصحافة على نحو أكثر انفتاحا وقربا للدين مما قدمه مبارك وأمثاله. ومن ثم، سيكون من الأسهل على الجماعات الإسلامية ذات الدهاء الإعلامى سواء سلمية أو مسلحة أن تقوم بأعمال الدعوة، والنشر، والإثارة من دون مواجهة تهديد مباشر بالاعتقال والسجن ولا شك أن واشنطن وحلفاءها الغربيين سوف يحثون بصورة دوجمائية الحكومات الجديدة على توفير على هذه الحريات، حتى مع استفادة الإسلاميين منها.

وسوف ينتهج الإسلاميون أساليب الفوز بالسلطة، ثم الحكم، المفصلة في القرآن والسنة. وخلال فترة طويلة، لم يستطع الخبراء الغربيون إدراك أن هذه النصوص تعتبر المعادل الإسلامي لوثائق إعلان الاستقلال، والدستور والنظام الفيدرالي. وعلى سبيل المثال، سيكون إقامة حكم استنادا إليها في مصر، مألوفا على نحو أكبر، وأكثر مدعاة للارتياح، وأكثر ملائمة من الناحية الثقافية عما يمكن أن يطرحه الزعيم المعارض محمد البرادعي وأنصاره.

ويمكن تلمس فضل الثورات العربية على القاعدة وحلفائها فى فتح أبواب السجون عبر أنحاء مصر وتونس وليبيا. ففي مصر وحدها، ذكرت وسائل الإعلام أن نحو 17 ألف سجين على الأقل تم إطلاق سراحهم. وكثير من هؤلاء ليسوا لصوصا ولا قتلة، وإنما من الإسلاميين مثيري القلاقل، اعتقلتهم الأنظمة لحماية أمنها الداخلي بطلب أحيانا من واشنطن وحلفائها وبتمويل منهم. وفى الواقع، تم اعتقال الكثير منهم نتيجة لتعاون سرى بين أجهزة المخابرات الغربية والعربية، ويعتبر الإفراج عنهم نكسة كبيرة لهذه الجهود.

ومن ثم، فالقاعدة والجماعات المماثلة لها فكريا، سوف يتم تجديد دمائها بمدد من المجاهدين المتدينين المحنكين، لن ينس أى منهم أن أموال الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى ساعدت الطغاة العرب في إبقائهم قيد السجون.

وتعنى الثورات أيضا أن على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الاضطلاع بنصيب أكبر في عمليات مكافحة الإرهاب، وكانت تقوم بها من قبل بمساعدة الأنظمة العربية. فقد انتهت الأيام التي كان يتولى فيها مبارك وصالح والقذافي وبن على، الأعمال القذرة لصالح الجهود الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية في مكافحة الإرهاب. وقريبا، ستكون القوات الخاصة وأجهزة الاستخبارات الأمريكية والأوروبية هي من تتلقى الأوامر بالقبض على المتشددين في الأراضي الإسلامية أو قتلهم، وهم من اعتاد أصدقاؤنا الطغاة أن يتخلصوا منهم لأجلنا.

فعلى الرغم من مأساوية الحرب التي تشنها القاعدة وحلفاؤها ضد الولايات المتحدة بسبب تدخل واشنطن الدائم في العالم الإسلامي، سوف تضطر الحكومة الأمريكية الآن إلى التدخل بدرجة أكبر، أو أن تتنحى جانبا وتشاهد القاعدة وهى تبنى وتتوسع في القواعد التي ستهدد منها الأمن الأمريكي.

وبطبيعة الحال، كان من شأن أي مشاركة علنية وصاخبة للإسلاميين في مظاهرات القاهرة وتونس وطرابلس أن تلقى ردا مهلكا يدعمه الغرب من مبارك وبن على والقذافي. ومن ثم استخدم تنظيم القاعدة والإخوان المسلمون، وغيرهما من الجماعات، ببساطة موهبة ضمرت عند الغرب منذ وقت طويل وهي القدرة على إبقاء الفم مغلقًا. وكالعادة أخطأ الغرب واستنتج أن الصمت لا يعني ضمنا خطة لهذه الجماعات وإنما عجزا منها وانعدام صلتها بالأحداث.

ويراهن بن لادن وأمثاله على حقيقة أن أصحاب الانتفاضات من شباب الفيس بوك وتويتر، العلمانيين والمناصرين للديمقراطية المحبوبين للغاية من الصحفيين والساسة الغربيين الكارهين للحقيقة ليسوا سوى قشرة رقيقة عبر العالم العربي عميق التدين. وهم على ثقة من أن هذه الثورات لا تتعلق بتغير ديمقراطي، وإنما بمن سوف يملأ الفراغ الذي تركه المستبدون والسلطة الغاشمة، في مجتمعات يندر أن تشهد انتقالا سلميا للسلطة. ويعرف هؤلاء أن الإجابة على هذا السؤال سوف تخرج في نهاية الأمر من فوهة بندقية، ولديهم منها الكثير، فضلا عن ذخائر أسلحة الطغاة، التي يحتفلون الآن بحصولهم عليها. 


المصدر : القدس