غزوة معرض الكتاب: ارتفع صوت الإصلاحيين في السعودية فرد المتشددون باستعراض عضلاتهم
الخميس, 10-مارس-2011
سليمان نمر -

قامت مجموعات من المتشددين الاسلاميين "المحتسبين" بغزوة لمعرض الرياض الدولي للكتاب يوم افتتاحه ليروعوا العارضين بمنعهم من عرض ما يرون انها كتب تدعوا للفسق والالحاد، وليروعوا الزوار بمنعهم من شراء تلك الكتب.

كل هذا تحت دعوى "الاحتساب" – أي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ووصل الحد بهؤلاء ان تعرضوا لوزير الثقافة والاعلام المثقف القدير عبد العزيز خوجه وتهجم عليه احدهم لفظيا، وفق ما جاء في الصحف السعودية.

هؤلاء "المحتسبون"، ممن كانوا جماعات تنتشر في قاعات المعرض، لم يدخلوا بالقوة او عنوة اليه، ولكن تصرفاتهم واسلوب معاملتهم مع الناس ومع الاعلاميين والمثقفين ومع الزوار، وفرض الرأي على الناس، اشعرت الحضور بإرهاب فكري لا يقره الدين الاسلامي الحنيف.

تهجمت - وكما قال الاديب الناقد عابد الخزندار- مجموعة منهم تضم 30 شخصا على اللجنة الاعلامية للمعرض بحضور الوزير خوجه، وذهبوا الى جناح دار النشر التي تعرض وتبيع مؤلفات المفكر السعودي الراحل عبدالله القصيبي وطلبوا عدم عرضها وبيعها. كما ذهبوا الى الاجنحة التي بها بائعات كتب وطلبوا منهن المغادرة، ثم الى أستوديو قناة "الثقافية" التابع للتلفزيون الرسمي وطردوا المذيعة منه.

وادت الفوضى التي احدثها هؤلاء الى اشتباك رجال الامن معهم واخراجهم من المعرض.

وكان الكل ينتظر ان تؤدي تصرفات هؤلاء المتشددين الى ان تقوم السلطات بتوقيفهم والعمل على منعهم من دخول المعرض، خصوصا ان هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (الهيئة الرسمية التابعة للدولة) تبرأت منهم وقالت ان "هؤلاء من المحتسبين المتطوعين".

لكن السلطات لم تتدخل، بل على العكس من ذلك، قامت وزارة الثقافة والاعلام بسحب العديد من الكتب التي كانت الرقابة قد وافقت عليها، والغيت بعض الندوات الادبية التي كان مقررا عقدها على هامش المعرض واعتذر العديد من الادباء عن المشاركة.

ولين السلطات مع هؤلاء المتشددين جعلهم يستعرضون عضلاتهم جاعلين من المعرض وايامه مرتعا لهم يمارسون فيه نوعا من الارهاب والتفتيش، تذكرنا بما قرأناه عن محاكم التفتيش الكنسية التي انتشرت في اوروبا في القرون الوسطى. ففي يوم الجمعة الماضي تشاجر احد هؤلاء "المحتسبين" مع احد زوار المعرض عندما تدخل المتشدد لمنع الزائر من شراء احد الكتب المعروضة للبيع، واصفا الكتاب بانه من تأليف "اصحاب الفكر الهدام"- وفق ما نشرته صحيفة الرياض – فتشاجر الاثنان وتدخل رجال الامن لفك المشاجرة.

ونقلت صحيفة "الوطن" السعودية عن هؤلاء "المحتسبين" قولهم ان الهدف من تواجدهم في معرض الكتاب هو "النهي عن المنكر" وهم يرون ان صور المنكر في المعرض كثيرة قائلين "إن هناك صورا كثيرة للمنكر حاصلة في المعرض تتمثل في الاختلاط، ومزاحمة النساء للرجال، وعدم تغطية غالبية النساء لأعينهن الفاتنة في حضرة الرجال، وارتدائهن لعباءات ضيقة تلفت الأنظار إليهن وتدفع المعاكسين لملاحقتهن، إضافة للمحادثات بين مؤلفي الكتب والروايات من الجنسين وخصوصا في منصات التواقيع، كما أن هناك مؤلفات مخالفة للدين ويقبل عليها الزوار بكثافة ومن واجبهم كمحتسبين الإرشاد عن خطورة مثل هذه المؤلفات على فكر الناس وعلى شريعتهم".

ووصفت الصحيفة تصرفات هؤلاء المتشددين داخل المعرض فكتب مندوبها "وخلال رصد 'الوطن' لهؤلاء لاحظنا أنهم يتواجدون بالعشرات، ويتوزّعون في مجموعات تتكون من ثلاثة إلى خمسة أشخاص في كل مجموعة، وبعضهم يرابطون وسط البهو الرئيسي للمعرض لمراقبة دخول الشخصيات التي تخالفهم في التوجه الفكري ويقومون بنصحهم في مشهد لا يخلو من المضايقة أحياناً، ورُصد أحدهم

يستوقف أحد الشباب وكان برفقة زوجته، ويطلب منه الحديث جانباً قائلاً 'تكفى وأنا أخوك تغطي عيون زوجتك لأنها تفتن الناس' فرد عليه الشاب 'إن شاء الله'، وانصرف".

ولوحظ أنهم يتوزّعون المهام بعناية فبعضهم يستهدفون النساء ويلاحقونهن بعبارات "تحجبي"، و"ضعي عباءتك على الرأس"، "واتقي الله"، و"يا نساء اتقين عذاب النار"، و"لا تجوز مزاحمة الرجال" وغيرها، وسط استياء معظم السيدات، فيما يتخصص آخرون بمراقبة دور النشر والإبلاغ عن الكتب التي يرونها مخالفة لتوجهاتهم ".

وفي مقالة بنفس صحيفة الوطن جاء بمقالة للكاتب السعودي المعروف علي سعد الموسى "هؤلاء الذين يفردون عضلاتهم في معرض الكتاب ويتوعدون بأصواتهم محاكمة الكتب والعلم والمعرفة لا يفعلون شيئاً بأكثر من فضح وصايتهم البطركية على الملايين، ولا يفعلون شيئاً بأكثر من غرس صورتهم أمام عشرات الآلاف من زوار المعرض. وإذا كنتم تريدون من المجتمع بأكمله أن يكتشف مشروعهم على حقيقته فاتركوهم يفعلوا ما شاؤوا حتى يستيقظ هذا المجتمع ليعرف بالضبط إلى أين يقوده هؤلاء وإلى أي مجهول معرفي يريد هؤلاء أن يأخذوا هذا المجتمع إليه".

والملاحظ انه في السنوات السابقة حاول مثل هؤلاء المتشددين ان يفرضوا مثل هذه التصرفات على المعرض، ولكن السلطات الامنية وغير الامنية تصدت لهم بحزم وبطريقة كانت تمنعهم من الاقتراب والحضور للمعرض الذي يعتبره المثقفون والسعوديون تظاهرة ثقافية ينتظرونها كل عام.

ولكن هذا العام لاحظ غير مثقف سعودي ان هناك "ممالئة" لهؤلاء المتشددين هذا العام.

وبرأينا ان السبب هو، ارتفاع صوت الليبراليين المطالبين خادم الحرمين الشريفين، رائد الاصلاح في المملكة، العمل على الاسراع بخطوات الاصلاح الاداري والسياسي في السعودية. فبعض المحافظين والمتحفظين في المملكة سلاحهم لمعارضة دعوات الاصلاح: هؤلاء المتشددون ممن يترك لهم العنان حين يعلو صوت المطالبين بالاصلاح.

لذلك اعتقد ان هؤلاء المتشددين هم الذين يعرقلون أي اصلاح سياسي واداري في السعودية وهم الذين لا يريدون أي تجديد للحياة، خائفين من اي تطور اجتماعي وثقافي للمجتمع. 


المصدر : ميدل ايست اونلاين