التعاونيات هي البديل الأفضل للفقراء
الأحد, 06-مارس-2011
عبد الله صادق دحلان -

من يتابع وضع الأسواق الخليجية في السنوات العشر الأخيرة يجد أنها الأكثر فوضى من حيث تضخم الأسعار وارتفاعها بغير مبرر أو الارتفاع المبرر غير المتوازن مع أسبابه الداخلية أو الخارجية

الثلاثاء الماضي كان هو الأول من مارس يوم المستهلكين في المملكة العربية السعودية ولم يعلم غالبيتهم بأنه يوم مهم لهم وللفقراء ومحدودي الدخل من المستهلكين في دول الخليج بناء على قرار قادة دول مجلس التعاون الخليجي العربي في اجتماعهم الدوري عام 2005م ليكون اليوم الأول من مارس من كل عام يوما خليجياً للمستهلك وإلزام جميع دول مجلس التعاون الاحتفال بهذا اليوم وإظهاره بشكل يعزز دور حماية المستهلك وضمان حقوقه وسلامته من الغش التجاري والاستغلال التجاري في الظروف والأزمات ومنذ صدور هذا القرار وأنا أتابع دور الأجهزة الرسمية المعنية بهذا اليوم إلا أنه وللأسف الشديد لم ألحظ ذلك الدور المتميز الذي يليق بهذه المناسبة وقد يرجع عدم الاهتمام بهذا اليوم إلى أسباب عديدة أعرف بعضها وأجهل الآخر، إلا أنه بالمقارنة بالجهود التي تبذل في بعض دول الخليج المجاورة ومنها دولة الإمارات العربية لاحظت أن الاستعدادات لهذا اليوم قد بدأت منذ شهور حيث أعدت له العديد من الندوات واللقاءات وورش العمل وغطت أنشطتها وسائل الإعلام بجميع أنواعها وذلك للقيام بالدور الأساسي نحو حماية المستهلك بجميع فئاته وعلى وجه الخصوص الفقراء ومحدودي الدخل وهم الفئات الأكثر تضرراً عند ارتفاع أسعار السلع أو عند انخفاض المعروض منها أو حمايتهم من وسائل الغش التجاري والذي أصبح سمة تجارة التجزئة في الأسواق الخليجية. هذا هو أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت القادة الخليجيين إلى تخصيص يوم خاص للمستهلك نظراً لما يمثله من أهمية لدى القادة في تأمين احتياجاته.

إن من يتابع وضع الأسواق الخليجية في السنوات العشر الأخيرة يجد أنها الأكثر فوضى من حيث تضخم الأسعار وارتفاعها بغير مبرر أو الارتفاع المبرر غير المتوازن مع أسبابه الداخلية أو الخارجية. أما فوضى الجودة للسلع في الأسواق الخليجية فهي فوضى عارمة لا من رقيب أو حسيب فلم تستطع أجهزة مراقبة المواصفات أو المقاييس متابعة الكم الكبير من التجاوزات ولم تستطع الأجهزة المعنية بوضع المواصفات والمقاييس إصدار مواصفات ومقاييس لجميع السلع الواردة لأسواق المملكة وتجاوز الأمر لدى بعض المستوردين تقديمه المصلحة الربحية الخاصة بهم على المصلحة العامة لعموم المستهلكين وصدقت مقولة أحد التجار الصينيين المصدرين لدول الخليج حيث قال إن بعض المستوردين الخليجيين لا يبحثون إلا على السلع الأقل جودة والمقلدة، حتى إن بعضها لا يسمح بيعه في الصين لمخالفته للمواصفات العالمية ويصنع خصيصاً لأسواق دول الخليج، لأن أسواق الخليج هي الأفضل والأكبر لتسويقها. ويقول أحد خبراء دراسات الأسواق ودراسة سلوك المستهلك إن المستهلك الخليجي المواطن يمارس عليه سلوك غير أخلاقي وانتهازي من قبل بعض تجار التجزئة وهم في الغالبية فئة من غير المواطنين الخليجيين وهي فئة متستر عليها وتسيطر على سوق التجزئة وأكثرها تستورد مباشرة بأسماء مستعارة ودون الدخول في تفاصيل أكثر دقة، أعودُ ليوم المستهلك الخليجي الفقير وذي الدخل المحدود الذي يهمنا أن نحميه ونحافظ على إمكانياته المالية المحدودة لتوفير الحد الأدنى من احتياجاته الأساسية من الغذاء والشراب والعلاج والدواء. وهي مسؤوولية كبيرة على عاتق الحكومات الخليجية تساعدها في ذلك مؤسسات المجتمع المدني. وتحقيقاً لمبدأ حماية المستهلك فإنني أطرح اليوم الفكرة القديمة التي طبقتها العديد من الدول قبل مئة عام مثل مصر وقبل حوالي خمسين عاما في الكويت وبعض الدول العربية الأخرى وهي فكرة إنشاء الجمعيات التعاونية بفكر اقتصادي يستهدف توفير السلع الأساسية وعلى وجه الخصوص الغذائية للمواطنين وغيرهم من ذوي الدخل المحدود بسعر منافس وفي الغالب بسعر التكلفة مع هوامش ربحية بسيطة، ويعارض هذه الفكرة بعض كبار التجار المستوردين أو المصنعين للسلع الغذائية ويتهمون المنادين بفكر الجمعيات التعاونية بأنهم أصحاب فكر اشتراكي وغير رأس مالي ويُرد عليهم بأن الفكر الرأسمالي إذا تجاوز حدوده إلى حد الاستغلال وإنهاك القوى الشرائية لدى الفقراء ومحدودي الدخل واستغلال الظروف العالمية لرفع الأسعار حتى على المخزون القديم يتحول إلى فكر أناني يهتم بنفسه أولاً ولا يهمه المصلحة العامة لغيره.

إن برامج التعاونيات موجود ومطبق على أضيق المستويات وله نظام تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية وهي حريصة على تطويره وبالإمكان أن يحظى بدعم ومساندة الدولة من خلال توجيه صناديق الاستثمار لتمويل إنشاء التعاونيات حسب نظامها، وأجزم أن تطوير فكر الجمعيات التعاونية سيسهم في كبح جماح ارتفاع أسعار السلع الغذائية وسيخلق روح المنافسة وسيجبر تجار المواد الغذائية والمواد الأساسية الأخرى على تخفيض الأسعار وسيخلق فرصا وظيفية تستوعب نصف عدد البطالة في المملكة وستعمل على تخفيض نسب التستر. علماً بأن الجمعيات هي ملكية للأفراد وليست للدولة.

إن تجربة دولة الإمارات العربية جديرة بالاقتباس وبدون حساسية حيث تفيد الإحصائيات بأنه سيصل عدد فروع التعاونيات في الإمارات إلى 96 فرعاً في نهاية العام الحالي مقابل 88 فرعاً في العام الماضي. كما تجاوزت مبيعات التعاونيات خلال عام (2010) أكثر من 5.8 مليارات درهم مقارنة بعام (2009) 4.8 مليارات درهم بنمو بلغ 7% ويتصادف هذا العام الاحتفال باليوم الخليجي للمستهلك مع الاحتفال بالعام السادس عشر لإنشاء التعاونيات في الإمارات والتي استطاعت أن توفر السلع للمواطنين بأقل من أسعار التجار بنسب أقصاها 10% ولم ترفع الأسعار على المستهلكين في جميع الظروف الاقتصادية والسياسية مقارنة بما قام به بعض التجار برفع الأسعار. وبناء على رغبة التعاونيات في إنشاء اتحاد التعاونيات الاستهلاكية فقد تم إنشاء الاتحاد عام 1981م، وكان هدفه الحفاظ على الأسواق وتحقيق التوازن وبيع السلع بأسعار منخفضة وتقديم بدائل سلعية تتسم بالجودة والمواصفات العالية والأسعار المناسبة، وكما أعلن أحد كبار المسؤولين في اتحاد التعاونيات الإماراتية أن الهدف الرئيسي من التعاونيات هو حماية المستهلك وضمان حقوقه من حيث السعر والجودة، وأن اتحاد الجمعيات لا يقتصر دوره على توفير السلع الغذائية والأساسية للمواطنين وإنما يتعدى دوره إلى إجراء الدراسات والأبحاث السوقية وأبحاث المستهلك وإعداد الدراسات المقارنة للسلع والخدمات الاستهلاكية من حيث الجودة وصلاحياتها للاستعمال الآدمي ومناسبة الأسعار وعرض نتائج الأبحاث والدراسات للمستهلك ونشر ثقافة الاستهلاك وترشيد الإنفاق عليه من خلال السلع البديلة، وتقديم هذه النتائج إلى الوزارات المعنية للاستفادة منها. هذا نموذج ناجح لعمل التعاونيات لحماية المستهلك، فهل نرى في القريب مبادرات من قبل جمعية حماية المستهلك السعودية أو من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية لتأسيس جمعيات تعاونية استهلاكية لحماية المستهلك من فوضى ارتفاع الأسعار أو سوء جودتها ورغم جميع الجهود التي تبذلها قيادتنا الرشيدة في دعم وزيادة دخل الفرد من الفقراء وذوي الدخل المحدود إلا أنها تذهب في معظم الأحيان إلى تغطية الزيادة في الأسعار للسلع الغذائية والأساسية ومع ضعف أجهزة الرقابة لضعف إمكانياتها البشرية والمادية وكبر حجم السوق السعودي سيظل السوق السعودي في يد فئة لا يهمها إلا مصلحتها الخاصة ومعظمهم من غير المواطنين.

*عن صحيفة" الوطن" السعودية