بالارادة الشعبية لا بالمحاصصة ننهي الانقسام
الخميس, 03-مارس-2011
عمر نزال -
في خضم مشاوراته لتشكيل حكومة جديدة طرح رئيس الوزراء المكلف د. سلام فياض فكرته التي يروج لها كمخرج لانهاء الانقسام، تلك الفكرة تتلخص بتشكيل " حكومة وحدة وطنية " بمشاركة جميع القوى الفلسطينية بما فيها حركتي فتح وحماس، مع ابقاء الوضع القائم على ما هو عليه بانتظار اجراء انتخابات جديدة.

الفكرة لقيت استحساناً من بعض الأوساط، وقبولاً صريحاً من حركة حماس مع انها اشترطت ان لا يكون د. فياض رئيساً لهذه الحكومة، واسندت قبولها الى اتفاق مكة الذي عمق شرخ الانقسام باعتباره اتفاق محاصصة حمل منذ توقيعه نذر الفشل والواقع الكارثي الذي نحياه الآن.

دعوة د. فياض، وموافقة حماس تأتيان في ظل تصاعد المطالبة الشعبية بانهاء الانقسام كمقدمة لاعادة الاعتبار للقضية الوطنية ولاطلاق طاقات شعبنا في مقاومة الاحتلال بعد فشل نهج التسوية والرهان على امريكا ورباعيتها في ممارسة اي ضغط او حتى ازعاج لاسرائيل، فيما فشلت حركة حماس ايضاً في تحقيق اي شيء يذكر للقضية الوطنية وباتت التهدئة والهدنة خياراً اساسياً للحفاظ على حكمها للقطاع بذريعة الحفاظ على غزة وسكانها.

ان هذه الدعوة اذن لم تأت بأي جديد، بل انها اعادة لنهج المحاصصة وترسيم للانقسام، بل تعميق له وتسليم بالواقع الكارثي الذي نحياه لسنوات قادمة قد تطول كثيراً، وتحمل في طياتها هوامش متكافئة لطرفي الانقسام لتعزيز سياستهما المختلفة ظاهراً في الموقف السياسي، والمنسجمة جوهراً في تحقيق مكاسب فئوية وشخصية لقادة الطرفين.

ويبدو ان طرفا الانقسام لم يفهما صوت الشارع بعد، وفي هذا تكرار لعناد الأنظمة العربية التي تجاهلت وتتجاهل رسائل ومطالب شعوبها وتحاول الألتفاف عليها عبر التمييع والتجاهل والتقليل من قيمة وأهمية الحراك المتنامي هنا كامتداد طبيعي لما يشهده الوطن العربي من متغيرات ابرزها ان الشعوب قادرة ان تفكر، تقرر، وتجسد قرارها لواقع ملموس.

في بعض البلدان حاولت الأنظمة القائمة استباق حركة الشارع عبر اجراءات وقرارات محددة تخفف من احتقان شعوبها، وهذا جيد اذا ما لامست هذه الاجراءات والقرارات مطالب الشارع الجوهرية، ولكنه لا يجدي نفعاً اذا ما كانت شكلية او مجرد وعود سئمها الشعب وهو يدرك أن فعل التسكين مرفوض.

صوت الشارع الفلسطيني واضح: انهاء الاحتلال، وانهاء الاحتلال يتطلب انهاء الانقسام ومسبباته لا ترسيمه وتعميقه، ومسببات الانقسام هي سلسلة اخطاء وممارسات ارتكبها كلا الفريقين نجمت عن نهج الفئوية والأقصاء والتخوين والتكفير، والعمل على تحقيق مصالح ومكتسبات لطبقات وشرائح معينة لا علاقة لها بالهدف الرئيس لشعبنا المتمثل بانهاء الاحتلال.

بهذا المعنى فان انهاء الانقسام يتطلب تخلي كلا الفريقين عن نهجيهما ومصالحهما الضيقة وقبول شراكة وطنية حقيقية تصهر كل امكانات وطاقات شعبنا وقواه وفعالياته لتحقيق هدفه الأساس. أما توزيع الحقائب الوزارية وأسماء الوزراء ورئيس الحكومة ورؤساء اجهزة الأمن واعداد المنتسبين لها من كل فريق وحجم التوظيف وتولي المواقع العليا فكلها مسائل لا تندرج في سلم اولويات شعبنا.

ان الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة وخارجها، وشباب التغيير خاصة يتلمسون طريقهم الخاص ويشقون دربهم مدركين خصائص قضيتنا وابعادها، ومستفيدين من تجارب ثورة الشباب والشعب العربي المتدحرجة والمتنامية، يبلورون اهدافهم وأساليب عملهم وادواتهم، ويدركون جدلية العلاقة بين مقاومة الاحتلال ودحره، وبين الواقع الداخلي ومراكز القوى التي تعيق وتكبل استنهاض طاقاتهم ويدركون ان انهاء الانقسام مقدمة ونتيجة ايضاً لحركتهم القادمة.

ان استمرار الانقسام بعد كل هذه السنوات، وبعد فشل كل الجهود الفلسطينية والعربية والاقليمية يؤكد غياب الرغبة والارادة السياسية الجادة لدى الطرفين، وان اية لقاءات وحوارات ثنائية او حتى وطنية عامة لم ولن تفضي الى انهاء الانقسام، وان الضغط الشعبي والحراك الشبابي وحده الكفيل بالوصول لذلك وتحقيق مصالحة وشراكة وطنية حقيقية تعيد الاعتبار لقضيتنا الوطنية وتفتح أفق مواصلة النضال الوطني ضد الاحتلال، ولعل الخطوات الرئيسية التالية تشكل برنامج عبور للمرحلة الجديدة التي نتطلع لها:

1- حل حكومة الأمر الواقع في قطاع غزة، ووقف تشكيل حكومة أمر واقع جديدة في الضفة الغربية أو حلها ان تشكلت. وتشكيل حكومة وطنية مستقلة من كفاءات مهنية دون ان يكون لها برنامج سياسي، وان ينحصر دورها في ادارة شؤون الحياة اليومية للمواطنين في الأرض المحتلة بما يضمن تعزيز عوامل الصمود والمقاومة والقضاء على الفساد المستشري في القطاعات الثلاثة الحكومي والأهلي والخاص، وتحقيق العدالة المجتمعية واطلاق الحريات العامة بما يهيء للمصالحة.

على ان تكتسب هذه الحكومة شرعيتها من المجلس التشريعي بعد دعوته للانعقاد وممارسة دوره الرقابي والتشريعي على عملها.

2- حل الأجهزة الأمنية في الضفة والقطاع، وتحويلها او جزء منها لجهاز شرطة مدنية يضمن أمن الوطن والمواطنين وتسيير شؤون حياتهم اليومية وفق القانون، وبرقابة القضاء والمجلس التشريعي.

3- التحلل من قيود اتفاقات اوسلو السياسية والاقتصادية والأمنية وما تلاه من اتفاقات والتزامات مجحفة بحق الشعب الفلسطيني، دون ان يعني ذلك بالضرورة حل السلطة، بل الاستفادة من ما تم بناؤه وانجازه حتى الآن والمراكمة عليه، مع التأكيد على عدم دفع أي ثمن سياسي أو أمني مقابل بقاء السلطة.

4- تنفيذ بنود اتفاق القاهرة 2005، عبر تشكيل هيئة قيادية للعمل الوطني الموحد تمهد لاصلاح منظمة التحرير الفلسطينية بما يضمن تمثيلها لكافة قوى وفئات وشرائح الشعب الفلسطيني، وتطوير هياكلها ودمقرطة آليات اتخاذ القرارات في هيئاتها. وتأخذ الهيئة على عاتقها اجراء انتخابات حرة للمجلس الوطني وهيئات المنظمة داخل الوطن وحيثما أمكن خارجه، وخاصة في الأردن وسوريا ولبنان ومصر حيث كثافة التواجد الفلسطيني وامكانية الاستفادة من التغيرات الجارية في الوطن العربي.

5- يناط بمنظمة التحرير بعد اصلاحها، استكمال خطوات المصالحة واجراء تقييم ومراجعة شاملة لمسار القضية الفلسطينية بما في ذلك اقرار آليات العمل الفلسطيني المشترك وسبل انهاء الاحتلال وتجسيد حق العودة وتقرير المصير للشعب الفلسطيني بالاستفادة من حالة النهوض العربي والمرحلة الجديدة.

ان الثورات الجارية في الوطن العربي ستفضي الى الفكاك من الاتفاقات التسووية مع الاحتلال بدءا من كامب ديفيد مروراً باسلو وانتهاء بوادي عربة وما بين ذلك من فتح مكاتب وممثليات اسرائيلية في بعض الدول العربية هدفت لتعميق التطبيع وتحلل الانظمة العربية من مسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينية. وعلينا كفلسطينيين عدم معاندة التاريخ، بل استثمار لحظات النهوض والآفاق الرحبة لمقاومة عربية شاملة للاحتلال تفضي لتحقيق نصر تاريخي. 


المصدر: القدس