أسعار النفط تصرف الانتباه عن مصادر الغاز الطبيعي غير التقليدية
الأربعاء, 26-يناير-2011
د. نعمت أبو الصوف -

إن درجة وسرعة انتعاش أسعار الغاز الطبيعي ستلعب دورا مهما في تحديد استراتيجية الشركات العالمية العاملة في مجال مصادر الغاز غير التقليدية وخصوصا في مجال السجيل الغازي في أمريكا الشمالية، حيث إن استمرار انخفاض أسعار الغاز في أسواق أمريكا الشمالية قد يحمل الشركات العاملة في هذا المجال على تحويل استثماراتها إلى النفط. من هذا التحول في استراتيجية الشركات في تطوير مصادر الغاز الطبيعي غير التقليدية في أمريكا الشمالية، يمكن استنباط بعض الدروس في تطوير هذه المصادر في أنحاء أخرى من العالم.

لقد تمكنت الشركات العاملة في مجال إنتاج الغاز غير التقليدي من تعويض تضاؤل إنتاج الغاز من الحقول التقليدية في الولايات المتحدة وحولتها من بلد مستوردة للغاز إلى مكتفية ذاتيا وربما مصدرة في المستقبل. عقود تسليم الغاز القصيرة الأجل تهيمن على أسواق الغاز في الولايات المتحدة، نتيجة لذلك استجابت أسعار الغاز الطبيعي فيها بسرعة للتغيرات الاقتصادية أكثر من غيرها من الأسواق المرتبطة بعقود طويلة الأجل. نتيجة انخفاض أسعار الغاز خلال السنتين الماضيتين، تضاءلت هوامش الربح للشركات العاملة في مجال الغاز وخصوصا تلك العاملة في مصادر الغاز غير التقليدية.

حيث قد انتهى عام 2010 وأسعار الغاز الطبيعي لم تتعاف بعد من تراجعها الحاد بعد تموز (يوليو). الأسعار الواطئة للغاز وضعت ضغوطا على الشركات الأمريكية العاملة في إنتاج الغاز، حيث إن الشركات العاملة في مجال إنتاج الغاز الطبيعي وخصوصا من المصادر غير التقليدية، تعمل في مناخ ذي نفقات رأس مالية عالية وهوامش أرباح منخفضة، في الوقت نفسه تحت الضغط المتواصل من جانب انخفاض أسعار الغاز الطبيعي. ولكي تتمكن الشركات العاملة في هذا المناخ من الاستمرار في نشاطها اعتمدت على عدد من التكتيكات، مثل إعادة جدولة الديون، إصدار أسهم جديدة وبيع أو تأجير بعض الأصول.

كما لجأت الشركات أخيرا إلى أسلوب آخر للمحافظة على استمرار نشاطها وتحسين هوامش أرباحها التشغيلية، هذا الأسلوب تضمن تحويل بعض نفقاتها الرأس مالية من الغاز إلى النفط. الدافع من وراء هذا التحول في استراتيجية الشركات هو انتعاش أسعار النفط الخام بصورة أفضل بكثير من أسعار الغاز الطبيعي في أمريكا الشمالية منذ أوائل عام 2009. ما حدا بالشركات إلى نقل نفقاتها الرأسمالية لصالح زيادة إنتاج النفط أو على الأقل المحافظة على المعدلات الحالية.

إن تحويل بعض الاستثمارات الرأسمالية من مشاريع الغاز غير التقليدي إلى النفط، ولو بصورة مؤقتة، هو تكتيك جديد لجأت إليه شركات النفط والغاز في الولايات المتحدة للاستفادة من سرعة انتعاش أسعار النفط بعد فترة الركود الأخيرة بالمقارنة مع أسعار الغاز الطبيعي لتحقيق بعض العوائد التي قد تمكنها من الاستمرار في مجال الغاز غير التقليدي. هذا التحول في الاستراتيجية شمل نقل منصات الحفر من المناطق الغازية إلى المناطق النفطية، وقد كان هذا واضحا من الإحصاءات الأخيرة لأبراج الحفر في الولايات المتحدة.

عدد أبراج الحفر العاملة في الولايات المتحدة تعتبر مقياسا لانتعاش أو كساد صناعة النفط والغاز، حيث إن عدد أبراج الحفر العاملة تنخفض دائما بشكل حاد مع الركود الاقتصادي وترتفع مع ارتفاع أسعار الطاقة، بعد بلوغه الذروة في آخر تموز (يوليو) من عام 2008، انخفض نشاط الحفر بسرعة في الولايات المتحدة.

في منتصف عام 2010، استعاد نشاط حفر الغاز في الولايات المتحدة نحو 62 في المائة فقط من الذروة التي وصلها في عام 2008، لكن نشاط الحفر في مجال النفط ارتفع بنحو 150 في المائة عن ذروة عام 2008. تشير هذه الأرقام في الواقع إلى أن نشاط الحفر في الغاز قد انخفض بصورة حادة، وارتفع بشكل حاد في مجال النفط مقارنة بمستويات الذروة التي بلغها في عام 2008.

نسبة عدد أبراج النفط العاملة إلى الغاز قد انحرفت بشكل حاد خلال العام الماضي (ما بين حزيران (يونيو) 2009 وحزيران (يونيو) 2010) باتجاه النفط، حيث انخفض عدد أبراج الغاز من نحو 80 في المائة إلى 60 في المائة من إجمالي عدد الحفارات العاملة، في حين ارتفع عدد أبراج النفط العاملة ليصل إلى 40 في المائة من 20 في المائة من إجمالي الحفارات، إذا ما استمر هذا الاتجاه التصاعدي لأبراج النفط، فإن عدد أبراج النفط والغاز العاملة في الولايات المتحدة سيتساوى قريبا جدا، أي قرب مستويات منتصف تسعينيات القرن الماضي، حيث إن ظهور الغاز الطبيعي من المصادر غير التقليدية في أواخر تسعينيات القرن الماضي أدى إلى زيادة نشاط الحفر في مجال الغاز في الولايات المتحدة، في حين واصل نشاط حفر النفط في الانخفاض. لكن هذا الاتجاه بدأ بالانعكاس تدريجيا منذ عام 2005 وتسارع خلال العام الماضي بسبب تحول بعض أنشطة الشركات عن مصادر الغاز غير التقليدي.

لكن السؤال يبقى فيما إذا كان هذا التحول في استراتيجية شركات الغاز الذي يهدف إلى استعادة الأرباح سيؤدي إلى انتعاش أسعار الغاز في الوقت المناسب؟

إن تقلب أسعار الغاز الطبيعي لا يزال يشكل رادعا للنمو المحتمل في استهلاك الغاز، على سبيل المثال، الفحم كان تاريخيا أرخص من الغاز وأسعاره أكثر استقرارا من أسعار الغاز، هذا بدوره يمنع شركات توليد الطاقة من التحول السريع من الفحم إلى الغاز.

جميع العوامل التي تجعل من الغاز الطبيعي أقل قدرة على المنافسة بالمقارنة مع العديد من مصادر الوقود الأخرى لتوليد الطاقة (مثل النووية، الفحم، الرياح، الطاقة الحرارية، الشمسية وما إلى ذلك)، يمكن أن تؤدي إلى فقدان نسبي من حصة الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة في المدى الطويل. لكن السياسات المتعلقة بانبعاث الغازات الدفيئة وفرض ضرائب ورسوم على الانبعاث يمكن أن تحبذ استخدام الغاز على الفحم.

إن تباطؤ نشاط منصات الحفر في المناطق الغازية سيؤدي إلى انخفاض الإنتاج أو استقراره عند معدلات معينة، ما قد يساعد على عودة التوازن بين العرض والطلب إلى أسواق الغاز وبالتالي التقليل من المعروض الحالي الزائد عن حاجة السوق ما قد يؤدي إلى حدوث انتعاش في أسعار الغاز من جديد. وبالتالي فإن الانتعاش السلس والسريع في أسعار الغاز الطبيعي سينعش من جديد صناعة الغاز الطبيعي من المصادر غير التقليدية في الولايات المتحدة. في هذا الجانب يتوقع العديد من المحليين أن أسعار الغاز الطبيعي على الأرجح ستستقر ضمن نطاق خمسة إلى ثمانية دولارات لكل ألف قدم مكعب، هذا من شأنه أن يؤدي إلى انتعاش الإمدادات من جديد.

إضافة إلى ذلك هذا التحول الأخير في الاستراتيجية تجاه زيادة إنتاج النفط على حساب إنتاج الغاز يعتبر تطورا مهما من المتوقع أن يحظى باهتمام كبير من قبل العديد من الشركات والبلدان الحريصة على نسخ تجربة أمريكا الشمالية في تطوير مصادر الغاز الطبيعي غير التقليدية. حيث إن نجاح الولايات المتحدة في مجال تطوير مصادر الغاز الطبيعي غير التقليدية قد مهد الطريق لنقل هذه التجربة إلى دول أخرى في أوروبا وفي آسيا وخصوصا الصين. لكن الشكوك حول قدرة الشركات على التغلب على التحديات التقنية وتحمل التكاليف العالية وتحقيق أرباح من استثماراتها في مجال مصادر الغاز الطبيعي غير التقليدية، قد تبطئ من الاهتمام العالمي الناشئ في هذا المجال، حيث إن الحفاظ على ثقة المستثمرين هو ذو أهمية قصوى وحاسمة للنجاح في هذا المجال سواء في الولايات المتحدة أو خارجها.

كما أن هذا التحول إذا ما استمر لفترة أطول سيؤثر أيضا في أسواق الغاز العالمية وخصوصا أسواق الغاز الطبيعي المسال التي تشهد حاليا فائضا في الطاقات، وقد يكون له تأثير أيضا في أسواق النفط، ولو طفيف، نتيجة ارتفاع إمدادات النفط بصورة هامشية، ما قد ينعكس على أسعار النفط أيضا.

*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.