عن أول قمة تلامس أوجاع الشارع العربي
الثلاثاء, 25-يناير-2011
د.عبدالعزيز المقالح -

ربما تكون القمة الاقتصادية التي انعقدت منذ أيام في مدينة شرم الشيخ المصرية، أول قمة عربية نوقشت فيها قضايا الشارع العربي والأسباب التي تؤرقه وتدفع به إلى إعلان غضبه غير المحسوب . وكان الأولى بالقادة العرب أن يلامسوا هذه الهموم ويقتربوا من معاناة مواطنيهم منذ وقت طويل، وأن لا يقفوا من تلك المعاناة موقف المتفرج، وأن يسارعوا إلى وقف التدهور المستمر في معيشة الناس وتصاعد مستويات الفقر في شرائح المجتمع المختلفة بما فيها الطبقة الوسطى التي كانت تتمتع بالحد الأدنى من الإمكانات التي تجعلها تحافظ إلى حد ما على التوازن المجتمعي يضاف إلى ذلك أوضاع موظفي الدولة والعاملين في مرافقها المختلفة والذين باتوا يعانون من عجز مستمر في تسديد فاتورة الحياة اليومية التي تبدأ بالخبز ولا تنتهي عند روشتة العلاج .
إن غياب المساواة في الوطن العربي لا تتمثل بما يجري داخل الأقطار العربية حيث الغنى الفاحش إلى جوار الفقر الأفحش، وإنما يتمثل كذلك في عدم المساواة أو على الأقل عدم تقارب المستويات الاقتصادية، والتنموية، بين هذه الأقطار وبعضها، فهناك أقطار عربية غنية في مواردها يعاني أبناؤها من تخمة الرفاه وأقطار أخرى يعاني أبناؤها من مرارة الجوع، أقطار أنعم الله عليها بموائد باذخة وأقطار تتفرج من بعيد على تلك الموائد . وقد نجحت الدول الأوروبية باتحادها في حل هذه المشكلة - مشكلة الفوارق القطرية والطبقية - بتطبيق قانون الضمان الاجتماعي داخلياً ودعم الأقطار الضعيفة اقتصادياً . وهذه هي الحلول الممكنة بالنسبة للوطن العربي وما تفرضه الأخوة من مسئوليات طوعية على الدول الغنية من مشاركة في دعم الدول الفقيرة والأكثر فقراً ليس لإبعاد شبح الجوع فقط، بل لإبعاد شبح التفتت والتمزق والاحتراب .
إننا أمة واحدة، هكذا يقول الجميع، لكن هذا القول ينبغي أن يتحول إلى فعل، وأن لا يقف عند حدود الشعارات، كما ينبغي أن ينصت الشقيق القادر إلى أنين شقيقه المحتاج، وأن يبادر الجار إلى الأخذ بيد جاره فالخراب الذي يتربص بالأقطار الفقيرة سوف يعم ولا يمكن محاصرته في بيته بل سيمتد حتما مهما كانت الاستعدادات المتوفرة لحماية الحدود ومواجهة موجات التسلل والنـزوح . وليس المطلوب القيام ببعض التبرعات أو الصدقات أو المنح المالية للحكومات وإنما الإسراع في تنفيذ برامج ومشاريع تعليمية وصحية ورصف الطرقات وبناء المدارس والجامعات والمستشفيات والإنفاق على هذه المشاريع إلى أن تستقر وتستقيم ولا يبقى مبرر لذلك المسئول العربي من دولة عربية ذات مواقف كريمة من القول أن المساعدات تذهب إلى بنوك سويسرا، وربما كان يقصد بها تلك الهبات والمرتبات التي تمنحها هذه الدولة أو تلك لبعض الشخصيات النافذة ويكون مصيرها أن تستقر في تلك البنوك أو غيرها .
وحبذا لو أن الجامعة العربية كانت جامعة حقاً، وسلكت - منذ وقت مبكر - سلوك الاتحاد الأوروبي برصده ميزانية مقدمة من الدول المقتدرة لتحسين أوضاع الدول غير المقتدرة، لكان الوضع العربي غير ما هو عليه الآن ولما عرف الناس ما عرفوه من الاضطرابات والنـزوحات والانقسامات. والسؤال المهم هو: هل ما يزال الأمر ممكناً في أن تقوم الجامعة العربية - مقتدية بالاتحاد الأوروبي - في القيام بهذه المهمة التي باتت ضرورة لحماية ما تبقى من هيكل عربي واستقرار نسبي . وفي مقدور هذه المنظمة أن تستفيد من الاستجابة التي ظهرت في مؤتمر القمة الاقتصادية وأن تخرج من دورها القائم على المجاملات والترتيب لللقاءات والاجتماعات التقليدية الفارغة التي كان الشارع العربي وما يزال يسخر منها، ولا يرى فيها ما يبعث على أدنى بصيص للأمل في وطن كبير كان بالأمس مهدداً بالاحتلال فبات مهدداً بالجوع وبالاحتلال أيضاً . وكما يبدو فلا خيار أمامنا جميعاً سوى استعادة دور الدولة التقليدي في التنمية (القطاع العام) بعيداً عن الروتين البيروقراطي وسطوة الفساد، واستنهاض دور تنموي اقتصادي يطال واقع حياة الناس المعيشية .

*. نقلاً عن صحيفة الثورة