هل يتكرر السيناريو الايراني في تونس؟
الاثنين, 24-يناير-2011
بقلم: خيرالله خيرالله -
منْ سيرث زين العابدين بن علي؟ هل تتكرر التجربة الايرانية في تونس؟ في ايران، في شهر كانون الثاني- يناير من العام 1979، خرج الشاه وتشكلت حكومة برئاسة شهبور بختيار، الذي اغتيل لاحقا في باريس. نزل اليسار والليبيراليون الى الشارع واسقطوا حكومة بختيار. استخدم رجال الدين اليساريين والليبيراليين بطريقة ذكية في مرحلة اولى سبقت استيلائهم على السلطة، كل السلطة لاحقا. منْ يتمعن في ما يشهده الشارع التونسي حاليا، لا يستطيع الا ابداء خشيته من ان يفشل الليبيراليون واليساريون في تونس في اقامة نظام ديموقراطي وان يستخدمهم الاسلاميون في عملية الاستيلاء على السلطة. هناك خوف حقيقي من تكرار السيناريو الايراني في تونس بسبب اليسار الطفولي والرومانسية التي تراود الليبيراليين.

لا شك ان سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي بالطريقة التي سقط بها كان مفاجأة ضخمة بالنسبة الى كثيرين، خصوصا انه لم يكن هناك ما يشير، اقلّه ظاهرا، الى ان الشعب التونسي على استعداد للذهاب بعيدا في مواجهة النظام. كانت تونس الى ما قبل ايام من اضطرار بن علي الى الفرار ورشة عمل كبيرة. كانت هناك منشآت جديدة في كل مكان. الامر الوحيد الذي كان مثيرا للانتباه هو زيادة مظاهر التدين في بعض الاحياء، بما في ذلك داخل العاصمة نفسها والشغب الذي كان يثيره الجمهور في اثناء مباريات كرة القدم. وقد تحدث بن علي بنفسه عن ذلك في الخطاب الذي القاه في السابع من تشرين الثاني- نوفمبر الماضي لدى الاحتفال بذكرى ما كان يسمى "التحول" اي ذكرى وصوله الى السلطة في العام 1987.

كان لا بدّ من الذهاب الى احد الاحياء الفقيرة القريبة من العاصمة للتنبه الى تململ في بعض الاوساط. ولكن بشكل عام، لم يكن هناك اي مظهر من مظاهر التمرد داخل الحزب باستثناء كلام خافت يصدر عن شخصيات معينة تمتلك جرأة يتناول افراد عائلة "السيدة الاولى"، اي السيدة ليلى طرابلسي زوجة الرئيس، خصوصا اخوتها وابناء الاخوة واصهارها وآخرين. كان التركيز في الانتقادات على اغراقهم البلد في الفساد وعلى جشعهم الذي لا حدود له. لم يكن هناك من يتجرأ على قول اي كلام علني لا عن العائلة ولا عن الجانب السلبي في نظام بن علي وهو يتمثل في استبعاده اي شخصية تمتلك حيثية سياسية عن المواقع الرسمية.

ما كان يغطي عورات النظام نجاحات تحققت في مجالات كثيرة، خصوصا في الجانب الاقتصادي وتشييد بنية تحتية حديثة. الاهم من ذلك كله، ان تونس استطاعت ان تكون واحة استقرار في منطقة اشتدت فيها العواصف السياسية التي ضربت الجار الجزائري خصوصا. في مرحلة معيّنة، كان التونسيون على استعداد لتحمل تجاوزات النظام حفاظا على الاستقرار، خصوصا في وقت كانت ليبيا محاصرة فيما كانت الجزائر في مواجهة دموية مع ارهاب التطرف الديني كلفت عشرات آلاف القتلى.

تبين مع الايام ان الشعب التونسي ليس مستعدا للاكتفاء بمظاهر الديموقراطية من دون ديموقراطية حقيقية. بكلام اوضح، بدا الناس في حاجة الى منْ يشرح لهم لماذا لا وجود لمتنفس سياسي في البلد ولماذا التعاطي بكل تلك القسوة مع المطالب الاجتماعية ولماذا لا يوجد منْ يتحدث الى الشاب العاطل عن العمل بلغة حضارية توفر له بعض الامل بمستقبل افضل؟ ربما كانت الخطيئة الاكبر التي ارتكبها بن علي تجاهله ان التونسيين ليسوا بالغباء الذي يعتقده وانهم في حاجة الى نظام افضل واكثر تطورا، خصوصا في المجالين السياسي والاجتماعي.

الآن، وقد دخلت تونس مرحلة جديدة، لا بد من الاعتراف بان الذين تكهنوا بسقوط نظام بن علي بهذه السهولة كانوا قلة. كان الاعتقاد السائد انه ما دام الرجل موجودا في الرئاسة، سيكون قادرا على احكام سيطرته على الوضع عبر آلة قمع بوليسية واجهزة تتلقى التعليمات من القصر الجمهوري في قرطاج وليس من اي مكان آخر. تونس خلقت مفاجأة ليست بعدها مفاجأة. تدخل الجيش في الوقت المناسب وطلب من بن علي الخروج من البلد. لعب الجيش الذي رفض اطلاق النار على المتظاهرين دورا في تمكين السيد محمد الغنوشي من تشكيل حكومة جديدة بقي الحزب الحاكم، سابقا، ممثلا فيها بقوة. تكمن اهمية الحكومة الجديدة في انها مجرد حكومة انتقالية ترافق تشكيلها مع الاعلان عن لجنة تتولى صياغة الاصلاحات السياسية المطلوبة في اتجاه قيام نظام ديموقراطي بالفعل وتعددية حزبية حقيقية مغايرة كليا لتلك التي حاول بن علي فرضها على التونسيين.

من يسعى حاليا الى اسقاط الحكومة التونسية بحجة رفض التعاون مع التجمع الدستوري (الحزب الحاكم سابقا)، انما يسعى الى اجهاض الثورة التونسية ومنع البلد من الانتقال الى مرحلة جديدة في مستوى طموحات التونسيين. المؤسف ان هناك استخداما لليسار التونسي، بما في ذلك الاتحاد التونسي للشغل، ولليبيراليين عموما بغية اسقاط الحكومة. تشبه المرحلة الحالية التي تمر بها تونس ما مرت به ايران في مرحلة ما قبل سقوط الشاه وبعيد اضطراره الى مغادرة البلد في مثل هذه الايام قبل اثنين وثلاثين عاما. وقتذاك، استخدم الاسلاميون اليسار، بما في ذلك الحزب الشيوعي (توده) من اجل اسقاط الحكومة الانتقالية التي رأسها بختيار. وفي مرحلة لاحقة، جرى التخلص من اليسار ومن "توده" بالذات ومن الليبيراليين بعد تأدية الدور المطلوب منهم.

ليس مطلوبا بالتاكيد بقاء الحياة السياسية في تونس اسيرة حزب واحد مهما كان هذا الحزب عريقا ومهما كان تاريخ البلد مرتبطا به. ولكن ما يفترض الاّ يغيب عن الذاكرة ان التجمع الدستوري، وهو الاسم الجديد للحزب الدستوري الذي اسسه الحبيب بورقيبة، تصرف بحكمة في اثناء الاحداث الاخيرة ولم يتخذ الحزبيون موقف المدافع عن نظام بن علي. وقف الحزب، الذي يضم مليونين ونصف مليون عضو، مع تونس والتونسيين. وهذا يدل على ان الطبقة المتوسطة لعبت ايضا الدور المطلوب منها في احداث التغيير المطلوب. هل تدافع الطبقة المتوسطة عن المكاسب التي حققتها منذ استقلال تونس، خصوصا في مجال حقوق المرأة؟

مرة اخرى تونس الى اين؟ الجواب ان تونس بين خيارين. اما يجري تطوير للتجربة التي مر بها البلد منذ استقلاله وذلك بحسناتها وسيئاتها. وهذا يعني نقلة نوعية الى نظام ديموقراطي عصري. واما يسقط البلد في اسر نظام الحزب الواحد المتلحف بالدين... خصوصا ان هناك من ينتظر في الخارج ويعدّ نفسه للانقضاض على تونس تماما كما فعل آية الله الخميني في ايران في العام 1979.

المصدر: ميدل ايست اونلاين