مواقف وتناقضات: الوزيرة الفرنسية نموذجا
الاثنين, 24-يناير-2011
ابراهيم دعيبس -
تزخر السياسة بالتناقضات وعدم ثبات المواقف ركضا وراء المصالح العامة حينا والخاصة احيانا، وتكون مستترة غير واضحة او مكشوفة صارخة حسب الظروف والاشخاص. هذه نماذج لحالات نعيشها:

<حاولت ميتشيل اليو ماري وزيرة الخارجية الفرنسية التأكيد قولا وفعلا انها مع رفع الحصار عن غزة وتخفيف معاناة اهله، ولهذا قررت زيارة القطاع، وقد فوجئت باستقبال سيء لن تنساه ابدا استنادا الى شائعة قالت انها تعتبر اسر الجندي شاليط جريمة حرب. هي لم تقل ذلك ونفته كليا كما اكد مسؤول في الجبهة الشعبية في غزة، وانما والد شاليط هو الذي طالب بذلك.

وعلى افتراض انها قالت ما لم تقله، فلم يكن من المناسب او اللائق استقبالها بهذا الاسلوب وهي القادمة للتضامن، وكان بالامكان التعبير عن المعارضة بالف اسلوب حضاري اخر.

ان ما حدث ليس فيه اساءة للوزيرة الفرنسية فوق الاساءة التي الحقناها بانفسنا، ويتحمل المسؤولية الرسمية، الذين سمحوا بما جرى ولم يحاولوا منعه وهم القادرون لو ارداوا ، مع التأكيد ان موقف فرنسا عموما ليس محايدا ولا موضوعيا وان الوزيرة التي زارت عائلة شاليط بدعوى انه يحمل الجنسية الفرنسية لم تزر عائلة الاسير المقدسي صلاح الحموري الذي يحمل الجنسية الفرنسية ايضا، في تناقض واضح وانحياز اعمى.

***

<تكرر الولايات المتحدة انها ضد الاستيطان بلسان رئيسها وانتهاء باصغر المسؤولين، وكانت تعمل جاهدة لاقناع اسرائيل بتجميده فترة ثم اعلن الرئيس اوباما التخلي عن مساعيه لعدم قدرته تحقيق ذلك. ولكن حين نحاول استصدار قرار من مجلس الامن ضد الاستيطان تقف واشنطن ضدنا وتهدد باستخدام الفيتو. فاذا كان اوباما عاجزا عن تجميد الاستيطان ومجلس الامن ليس مكان بحث الموضوع، فما الذي يمنع هذه الهجمة الاستيطانية، وكيف يمكن التصدي للاستيطان واين.

***

<تكرر دول الغرب عموما تأييدها حل الدولتين واقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة، وحين نحاول الحصول على تأييد معنوي ورسمي لهذه الدولة كوسيلة للضغط على اسرائيل، تقف معظم ان لم يكن كل دول الغرب ضد ذلك، ويحاولون تعويضنا بـ «مصاصة» رفع نسبة التمثيل الدبلوماسي او السماح لنا برفع علمنا هنا او هناك.

***

<ان تمتلىء بلادنا بالقواعد الاجنبية وان يحكمنا السفراء وان يرسموا سياساتنا في عواصم غير عواصمنا، وان نعتمد على اموال المانحين ومساعداتهم ليس تدخلا في شؤوننا الداخلية، وحين يدعو بابا الفاتيكان الى توفير حماية للمسيحيين، يثور بعضنا ويغضب ويرى في ذلك تدخلا غير مقبول، ويتخذ اجراءات مضادة حتى وان كانت الحاجة تقتضي عكس ذلك.

***

<الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، ينصب نفسه مقررا للسياسات والاتجاهات كلما استطاع الى ذلك سبيلا. هاجم السلطة وحرض عليها في اكثر من مناسبة، وهو اليوم يحرض ضد تونس ويطالب بتحطيم وتفكيك الدستور وكهنة الصنم، ويوجه بوصلة اتهاماته وتهجماته وتحريضه، في الاتجاه الذي يريده من يوظفه، ويصرخ بالصوت العالي حينا ويصمت صوت اهل القبور احيانا وينتقد اشياء ويغمض عينيه عن اشياء اخرى اهم واخطر.

***

<كانت حماس تتبنى المقاومة المسلحة وتعيب على فتح مهادنتها واستسلامها للتفاوض والسياسة. اليوم حماس تحارب من يحاول المحاربة وتقاوم من يحاول المقاومة في سبيل المصلحة العامة كما يقولون.

وكانت حماس تطالب بالافراج عن معتقليها المضربين عن الطعام في اريحا، وبعد توسط قطر وغيرها وقرار للمحكمة الفلسطينية تم الافراج عنهم واعتقلتهم اسرائيل فورا وقالت حماس ان السلطة سلمتهم. فلا الاعتقال مقبول ولا نتائج الافراج مقبولة.

<يقف وليد جنبلاط عاريا سياسيا بعد ان تقلب في مواقفه السياسية بين سوريا وحزب الله من جهة، وسعد الحريري وحلفائه من جهة اخرى. وهذا التقلب لم يكن هادئا ولا مستترا بل مكشوفا مفوضحا ولم يكن في وقت عادي بل وسط ازمة تعصف بلبنان كله، وبلسان جنبلاط نفسه في كل الاحوال وهو يتحدث عن «ثبات» حزبه على مواقفه، ومما لا شك فيه ان جنبلاط يعيش مأزقا داخليا صعبا وهو بداخله يدرك ذلك بالتأكيد ويعرف الابعاد ويعاني منها كما يعرفها الجميع.

***

ان ما حدث ليس فيه اساءة للوزيرة الفرنسية فوق الاساءة التي الحقناها بانفسنا، ويتحمل المسؤولية الرسمية، الذين سمحوا بما جرى ولم يحاولوا منعه وهم القادرون لو ارداوا ، مع التأكيد ان موقف فرنسا عموما ليس محايدا ولا موضوعيا وان الوزيرة التي زارت عائلة شاليط بدعوى انه يحمل الجنسية الفرنسية لم تزر عائلة الاسير المقدسي صلاح الحموري الذي يحمل الجنسية الفرنسية ايضا، في تناقض واضح وانحياز اعمى.

المصدر: القدس