المشترك بين جنون الشوارع وبين فلتان التسكع على أبواب السفارات
الجمعة, 07-يناير-2011
عبده محمد الجندي -

سيكون وضع الديمقراطية في ظل التدابير العملية الجديدة التي اتخذها مجلس النواب سواءً في الاصلاحات الانتخابية او في الاصلاحات الدستورية افضل من وضعها قبل التعديلات وبالذات في ما تنطوي من مصلحة للمعارضة التي تبرر ضعف قوتها الانتخابية بخلل في الدستور والقانون حتى ولو تشارك فيها المعارضة التي لا تستند الى قوة برلمانية قادرة على التأثير في صنع القرار من الناحيتين الدستورية والقانونية لا من مصلحة صاحب الاقلية ان يقدم صاحب الاغلبية على مثل هذا النوع من الاصلاحات الجادة التي تزيد من الديمقراطية ولا تنتقص منها بحيث تبقى على مالديها من الطموحات والنوايا الاصلاحية الى ان تمتلك ما يجب عليها امتلاكه من الاغلبية القادرة على تطوير الدستور والقانون..
اقول ذلك واقصد به ان ردود الفعل الغاضبة من قبل احزاب اللقاء المشترك لم تكن مبررة بأي حال من الاحوال .. سواءً من حيث البكاء في الشوارع والاعتصامات على باب مجلس النواب او من حيث الشكوى والتسكع على ابواب السفارات والهيئات والمنظمات الدولية والاستنجاد بها للتدخل في الشؤون الداخلية ناهيك عما يلجؤون اليه من استقواء بالخارجين على القانون لان المعارضة هي الوجه الآخر للسلطة بحاجة الى الوسائل والاساليب السلمية والمزايدة على الاغلبية من يسارها بدلاً من المزايدة عليها من اليمين الذي ينقص من حرصها على ترسيخ القيم الديمقراطية الوحدوية والقيم الاخلاقية ذات الصلة بالاستقلال والسيادة الوطنية وذات الصلة بحق الهيئة الناخبة صاحبة المصلحة الحقيقية في الثورة اليمنية.. اما ان تكون هذه التعديلات مطالب معلنة بالامس وتتحول اليوم بمجرد الاستجابة لها الى امور ووسائل مذمومة ومستهجة فذلك هو الجنون الناتج عن التناقص الفاضح امام الشعب.. اذا لم اقل انه نوع من الاستخفاف والاستهانة بعقول وارادة ووعي الجماهير اليمنية.. والاعتقاد بأنها لا تدرك القدرة على التمييز بين الخطأ وبين الصواب وبين الحق وبين الباطل وبين الصدق وبين الكذب.. وبين الديمقراطية وبين الدكتاتورية وبين العدالة وبين الاستبداد وهذا هو التفكير المتخلف الذي يقدم المعارضة للشعب بأنها ليست بمستوى الثقة على تحمل المسؤولية بصورة غير لائقة وغير عقلانية نظراً لما يترتب عليها من الاشكاليات التي تباعد بينها وبين حكم التداول السلمي للسلطة والبحث عن اساليب ووسائل شمولية للاستيلاء على السلطة وإعلاء ارادة الاحزاب على ارادة الشعب في مغالطات انقلابية قد تكون حوارية وقد تكون غير سلمية وقد تكون فوضوية وقد تكون عنيفة .. هذا النوع الانتهازي بين السياسيين الذين لا يحترمون انفسهم ولا يحترمون ما يصدر عنهم من الاتفاقات التي يتفقوا عليها بالامس حينما تكون مطالب ويرجعون عنها اليوم، وقد اصبحت حقائق محسوسة وملموسة مثلهم مثل جهنم «هل امتلأت فتقول هل من مزيد» يريدون كل شيء ولا يتنازلون على شيء، لا عهد لهم ولا ذمة ولا مصداقية ولا ثقة لانهم بلا قضية وبلا حق..يشعرون على الدوام انهم الاقوى حتى ولو كانوا في حقيقتهم كتلة من الضعف والهشاشة لانهم يقدمون انفسهم لشعبهم بأنهم كاملون لا يتسلل النقص من امامهم ولا من خلفهم بغير ما هم عليه من الايجابيات والسلبيات..

ومن هذا النوع من القيادات الحزبية والسياسية التي ولدت في الدياجير المظلمة للشمولية قد تكون شخصياتهم وعقلياتهم وفق طبائع وسلوكيات انا وحدوي على حق وغيري على خطأ، انا وحدي المصلح وغيري فاسدون «وانا وحدي الوطني وغيري رجعي» «وانا وحدي العالم وغيري جهلة» وانا وحدي الديمقراطي وغيري مستبدون» ولان من شب على شيء شاب عليه والطبع يغلب التطبع ، فإن التكيف مع الجديد والسعي الى استيعابه ولتطوير المحدود من القدرات مسألة صعبة وقد تكون هدفاً ساكناً وراكداً ومستحيلاً وغير قابل للتقدم اقول ذلك وانصح احزاب المشترك في الوقاية من مرض جنون الشوارع ومرض التسكع على ابوب الهيئات الدستورية والسفارات والمنظمات الدولية الناتج عن الاصابة بفيروس الهوس، واستمرار الاساليب الضيفة فذلك نوع من الارتهان الذي لا يتفق مع المتطلبات الضرورية للاستقلال والسيادة الوطنية في وقت فُجعت جماهير الشعب من الموقف الطارئ للخارجية الامريكية الذي هللت له المعارضة واعتبرته قوة تضاف الى ما تهدد به من الاضطرابات السياسية بصورة كشفت عن أكذوبة ما تستمع اليه صباح مساء من مواقف على السلطة ماكشفت عنه وثائق ويكلكس من تقارير استخباراتية امريكية تعكس رأي هؤلاء الموظفين في هذا المسؤول او ذاك من كبار رجال الدولة، وما ورد فيها من تقييمات مبنية على المبالغة الهادفة الى التشويه واظهار ما تمثله الامبراطورية الامريكية من هيمنة دولية على العالم ، رغم ان ما ظهر من وثائق بحق قادة الدول الصغيرة ظهر بحق قادة الدول العظمى .. اقول ذلك واكشف من خلاله عن طبيعة الاهتمام الذي تعاملت به الوسائل الاعلامية للمشترك مع تصريح نسب الى الخارجية الامريكية طالبت به مجلس النواب تأجيل النظر في التعديلات الدستورية المقترح الى حين ينتهي المعتصمون على ابواب المجلس وعلى قارعة الطرق وارصفة الشوارع وابواب السفارات من اعتصامهم وينضمون الى المشاركة في الحوار حول ما هو معروض من التعديلات الدستورية المقترحة .. ذلك التصريح الذي وصف بالعاجل والهام الذي لا يصدر من دولة لدولة ذات سيادة الذي تعامل معه نواب الشعب بقوة غير مسبوقة نظراً لما ينطوي عليه من انتهاك للاستقلال ومن رغبة جامحة في التدخل في الشؤون الداخلية لدولة ديمقراطية ذات سيادة وطنية مقدسة .

لقد كانت الخارجية الامريكية في مثل هذا التصريح تطبق ما وصل اليها من مقترحات السفارة الامريكية التي كشفت عما وصلها من الشكاوى البكائية لاحزاب اللقاء المشترك التي تزعم انها بعيدة عن مثل هذه الشبهات السياسية المثيرة للريبة والشك في سمعة احزاب تزعم انها اسلامية وقومية واشتراكية تقدمية لا تقبل هذا النوع من الشبهات، نعم لقد كانت المواقف القومية للكتلة البرلمانية التابعة للحزب الحاكم مشرفة ومعبرة عن الانحياز للارادة الشعبية الحرة والمستقلة التي تدار من صنعاء ولا تدار من واشنطن العاصمة الامريكية البعيدة خلف المحيطات المترامية مهما كانت قوة وجبروت العظمة الامريكية لان للدبلوماسية لغتها وقنواتها الموجودة في الحكومة والسلطة التنفيذية .. اما مواقف السلطة التشريعية فلها مواقفها الوطنية غير الملزمة بهذا النوع من المجاملات والتجاوزات والتدخلات الدبلوماسية لانها مسؤولة فقط امام جماهير الشعب وهيئته الناخبة وامام فخامة الاخ رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب، وفي حدود ما تقدمه لها الحكومة من مشاريع القوانين ومشاريع التعديلات الدستورية اقول ذلك واقصد به التجاوز الخطأ الذي وقعت به الخارجية والسفارة الامريكية في الحديث بلغة الجلافة ربما كان له اسبابه ودوافعه الخفية وغير المعلنة مثل احتمال عدم استجابة القيادة والحكومة لمالها من المطالب ولما حدث من التسريبات التي كشفت سوء النوايا الامريكية تجاه دول العالم بأسره .. الا انها بالتأكيد لم ولن تكون حباً في سواد عيون احزاب المشترك ذات الجذور الاصولية والشمولية وهذه حقيقة كان من الافضل لمن هم في المعارضة ومنهم في الحكم ان يكونوا اصحاب مواقف موحدة في رفضها للتدخل في الشؤون الداخلية كما حدث بالامس القريب لمواقف المعارضة المصرية المتفقة حول هذه الجزئية مع المواقف المعلنة للحكومة المصرية الرافضة للتدخل الرافضة للرقابة الدولية، وللتدخل في الشؤون الداخلية .. ولكن ضعف الولاء الوطني عند احزاب المشترك يدل على غياب التربية، وعلى ضعف القناعات الايديولوجية عند بعض هذه القيادات الحزبية التي تعتقد خطأ ان الحياة والموت السياسي بيد الولايات المتحدة الامريكية التي تسبح لها ليلاً ونهاراً .

اعود فأقول ان احزاب المشترك التي فقدت المصداقية والثقة الشعبية في هذا النوع من التجاوزات الصبيانية ما لبثت ان استمرأت الدفاع عن التبعية والسباق عليها كما استمرأت المكاشفة في الدفاع عن الاماميين والانفصاليين والارهابيين بصورة غير مسبوقة لقد كانت بعض القيادات الحزبية لهذه الاحزاب المتهالكة على السلطة ليل نهار تعتقد ان العلاقة بين الحكومة اليمنية وبين الادارة الامريكية اكبر تبعية واكثر مذلة من طبيعة العلاقة التي كشفت عنها التسريبات الامريكية، وان حزب الاغلبية وقيادته لا تستمد قوتها من الشعب اليمني بقدر ما تستمدها من الادارة الامريكية التي تمسك منفردة بحقائق الحياة والموت السياسي وبحقائق النصر والهزيمة الانتخابية فراحت لذلك تدير لماضيها الايديولوجي ظهر المجن وتقدم نفسها بمهانة لايستدل منها على وجود الثوابت المبدئية والثوابت السياسية الموجبة للقبول، وعدم القبول والموازنة بين ما تصدر عنها من النعم والحاضر.. وبين ما يجب ان يصدر عنها من اللاءات والرفض فراحت تسابق الحوثيين فيما لديها من شعارات الموت لامريكا الموت لاسرائيل في العلن والحياة لامريكا والقوة والعزة لها في السر .. فأتخذتها ملجأً للبكاء وتقديم ما لا يجب أن تقدمه من الأنين المقترن برغبة جامحة في الشكاوى والبكاء طلباً لما هي بحاجة اليه من العدالة في الاستقواء على حكم الحزب الحاكم الذي يقبض على حاضر ومستقبل الديمقراطية بما لديه من السلطة والثروة، لعلها تجد لديها ما هي بحاجة اليه من الانصاف الذي يوصلها صعوداً من المعارضة الى السلطة ويقهقر الحزب الحاكم هبوطاً من السلطة الى المعارضة ولكن بقضاء وقدر الارادة الامريكية المقدسة .. وانهاء لكارثة حقيقية على التجربة الديمقراطية اليمنية الناشئة ان تتوقف بعض القيادات الحزبية عن هذه العقليات اللاديمقراطية التي ترفض اليوم ماطالبت به وناضلت من اجله بالامس وقد ترفض في الغد ما تطالب به اليوم من الاصلاحات الدستورية والقانونية ..كيف لا .. ونحن في حالة ذهول من تناقض المواقف والمطالب المعلنة فنجد المعارضة التي تخطئ على الحكومة ما كشفت عنه وثائق ويكليكس من معلومات مستوحاه من تقارير الاستخبارات الاميركية الى درجة تقيم فيه الدنيا ولا تقعدها نجدها في المقابل تحتفل بما دعت اليه الخارجية الامريكية لنواب الشعب في ايقاف ما بين ايديهم من التعديلات الدستورية وبأسلوب غير ديمقراطي يجبر الاغلبية على الاستجابة لرأي الاقلية في سابقة ديمقراطية لا وجود لها في التجربة الديمقراطية الامريكية العريقة .. التي تخول صاحب الاغلبية كافة الصلاحيات والسلطات في استحداث القوانين وتطويرها في مناقشة كافة الشؤون بما في ذلك التعديلات الدستورية والتي تحتكم لعقلية الاغلبية بغض النظر عن الرأي الرافض والمعارض للاقلية ..

حقيقة لابد من الاعتراف بها ولو على مضض ان الفرق بين منهم في الحكم ومنهم في المعارضة شاسع ومخيف لا يقوى على تجاوزه والمجاهرة برأيه إلا الذين لا يؤمنون بالديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة ..

والامر ذاته ينطبق على سياسية الكيل بمكيالين فمن جهة نجد المعارضة تنتقد بشدة ما تقول انه تفريط بالسيادة ومن جهة اخرى تهلك وبصوت عالٍ للاستنجاد بالقوى الدولية للتدخل في الشؤون الداخلية ومنع اعضاء مجلس النواب من ممارسة صلاحياته الدستورية والقانونية .. وعوداً على البدء نلاحظ ان هناك فرقاً كبيراً بين تعامل السلطة مع الذين يقولون آراءهم المؤيدة او غير المؤيدة انها تندرج في نطاق حرية الرأي فلا تجد من هو مستعد في الاعلام الرسمي والحزبي للدفاع عن اي كاتب او صحفي يتعرض له بسبب ارائه النافذة للمعارضة لهجمة شرسة ومنظمة وهادفة الى ارغامه على عدم تكرار نقد المعارضة او حتى الدفاع عن الحكومة ومن اية حملات اعلامية غير منصفة .

وفي المقابل نجد ان المعارضة تعمل بروح الفريق الواحد لتشويه سمعة ذلك الكاتب او الصحفي الذي يتجرأ على نقد اخطاء المعارضة وكأنه ارتكب جريمة تخرجه من اوساط الوطنيين واصحاب الرأي بقدر ماهو كاتب مأجور وتابع للسلطة.

وفي هذا الاطار لم اعد ارغب في الكتابة الدفاعية عن نفسي من قبل المسميات التي تنسب اليهم تلك الكتابات المستبدة الهادفة الى الشخصية بقدر ما اتجاوز ذلك الى تناول القيادات المسؤولة عن توجيه هذا النوع من الكتاب الذين لا حول لهم ولا قوة سوى تنفيذ ما يؤمرون من كتابات عدوانية على من يعتقدون انهم مستضعفون في الارض.

ربما لانني لست ضعيفاً ولست مستضعفاً من احد ولا انكر انني صاحب رأي مقتنع بما يكتبه في الصحافة وبما يقوله في السياسة من موضوعات نسبية، ولا اخاف في الحق لومة لائم ومن اي ردود افعال مهما كانت غاضبة وصاخبة لانني لا اضع نفسي في مصاف العظماء وليس لدي ما اخاف عليه، وليس هناك ما اخاف منه لانني مواطن بسيط لا يرتزح الى قبيلة قومية، ولا يرتزح الى تحالف سياسي يمتلك جبروت المشترك؟ قولوا عني ما شئتم واتهموني بما اردتم فلن تزيدني جاهاً ولن تنقصني مكانة ادنى من مكانة المواطنة.

ولن تجدوا مني اي ردود فعل غاضبة ولكن ضعوا بإعتباركم يا جبابر السياسة والصحافة ان الراي العام يقارن بين ردود افعالكم المنظمة والمتضامنة التي لا تعرف لها بداية ولا تعرف لها نهاية في الاستخدام المفرط لما لديكم من القوة والمكانة الرفيعة وغير المتكافئة بناءً على اوهام واحتمالات لا ترتقي الى مستوى المسؤولية؟

كيف سيكون الحال اذا انتقلتم من سلطة المعارضة الى سلطة الحكم كما هو الحال بالنسبة لفخامة الاخ رئيس الجمهورية الذي يترفع في خلافاته عن استخدام مالديه من القوة لقهر خصومه والمعارضين له مهما كانت كتاباتهم وخطاباتهم جارحة بما لديه من القدرة على الصبر والقدرة على تمكين قواه العقلية من الهيمنة على قواه الغضبية والعاطفية الذي يستخدم فيها العقل بنسبة 59٪ ولا يستخدم القوة حتى بنسبة5٪ في الساعات الوطنية الصعبة، وذلك يجعلنا نعتقد بأنه الافضل والاحق بالنصرة في معركته الديمقراطية مع الذين يسيؤون استخدام الكلمة واستخدام سلطة المعارضة والصحافة واقصى مالديهم من جبروت القوة على من يختلف معهم حتى ولو كان بالمستوى المتواضع للمواطن البسيط «عبده الجندي» الذي لا حول له ولا قوة ولا يزعم انه من العظماء ومن النافذين بما لديهم من المكانة السياسية والقبلية والحزبية يقول ما يعتقد انه الحق ويدع الآخرين يقولون ما يشاؤون عبر ما يصيغونه بأطنان من الورق وسيل من الخطابات حتى في مجالس التفرطة كما قلتم يا معشر الجبابرة الجدد للسياسة والصحافة سواء المستبدة التي تزعم بأنها من الصحافة الديمقراطية الحرة..!! 



نقلاً عن صحيفة 26 سبتمبر