رؤية عربية مختلفة لعلاقات العرب وإيران
الأحد, 02-يناير-2011
مكرم محمد أحمد - أعرف منذ زمن أن للعمانيين رؤية عربية مختلفة لما يجري في إيران‏,‏ تتجاوز كثيرا الاعتقاد السائد لدى بعض العرب بأن الحكم الراهن في حكم إيران يمثل رأس الأفعى التي تنشر السم في منطقة الشرق الأوسط وتستحق القطع‏. ‏ كما تتجاوز إحساس عدد من الدول الخليجية ترى أن إيران تمثل خطرا إقليميا حالا على المنطقة ينبغي التخلص منه أو تقليم أظافرها‏,‏ وتتجاوز أيضا بعض الأحاديث التي تجري في الغرف المغلقة في أرجاء عديدة من عالمنا العربي تتصور أن الخطر الإيراني ربما يكون الأولى بالاهتمام من الخطر الإسرائيلي‏!,‏ لأن الخطر الإسرائيلي ـ أيا كان حجمه ـ يحكمه في النهاية سلطة ضبط وتصحيح تتمثل في الولايات المتحدة‏,‏ التي تستطيع أن تكبح هذا الخطر أو تحد من انفلاته في الوقت المناسب‏,‏ إن دخل في يقينها أن سلوك إسرائيل يؤذي المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط على نحو حال ومباشر‏,‏ برغم أن هناك من الأمريكيين من يرون أن من صالح الولايات المتحدة الإبقاء على هذا الخطر‏,‏ عنصر قلق يشغل العالم العربي وينشغل به خوفا على أمن الدول العربية يمكن استخدامه وتنظيمه لكبح جموح العرب في لعبة الأمم‏!.‏ وأعرف منذ زمن أنه ربما كان العمانيون هم أقرب العرب إلى تفهم سياسات طهران‏,‏ لأن خطوط الاتصال بين الجارين مفتوحة لا تحدها قيود أو هواجس أو مصالح متضاربة‏,‏ خاصة أنهما يتشاركان المسئولية عن أمن مضيق هرمز الذي يحكم تدفق النسبة الأكبر من بترول الخليج إلى الدول الصناعية في الشمال‏,‏ ولأن جزءا من فلسفة السياسة العمانية عدم قطع الحوار مع جار أو عدو مهما بلغ حجم الخلاف معه‏,‏ والإبقاء على الباب مفتوحا أو مواربا دون إغلاقه‏,‏ خاصة مع كثرة الخلافات العربية العربية التي تحكمها في أحيان كثيرة أمزجة وهواجس ومطامح ومخاوف ذاتية‏,‏ غالبا ما يكون العنصر الموضوعي داخلها هو الأضعف والأقل تأثيرا‏,‏ وكما أبقت عمان على بابها المفتوح مع مصر عندما كانت العلاقات المصرية العربية تعاني من قطيعة شبه جماعية بعد توقيع اتفاقات كامب دافيد‏,‏ تبقى عمان على أبوابها المفتوحة على طهران برغم الأبعاد المتعددة والمتزايدة لحجم الخلافات العربية الايرانية التي تزداد اتساعا‏,‏ بسبب تدخلات إيران في شئون استراتيجية عديدة تتعلق بأمن معظم الدول العربية لا تخلو من محاولات التدخل في الشأن الداخلي استثمارا لانتماء جزء من مواطني هذه الدول إلى المذهب الشيعي‏,‏ وبسبب اصرارها على عرقلة جهود تسوية الصراع العربي ـ الاسرائيلي وتبني مواقف تجنح إلى المزايدات العنترية ـ لا تضع في اعتبارها رؤى العالم العربي ومصالحه ـ هدفها رهن القطيعة الفلسطينية لحساب الملف النووي الايراني‏,‏ فضلا عن القلق الذي يعتور معظم الدول العربية خاصة مصر والسعودية‏,‏ إذا ما أصبحت إيران دولة نووية تملك قدرة تصنيع سلاح نووي خوفا من أن تدفع المنطقة إلى سباق تسلح نووي‏,‏ بدلا من تكريس كل الجهود لإخلاء الشرق الأوسط من كل أسلحة الدمار الشامل‏.‏ وبرغم معرفتي السابقة بأبعاد الخلاف بين رؤى عمان ورؤى بقية العالم العربي لمقتضيات التعامل مع الموقف الايراني‏,‏ فلقد كنت أوثر دائما عدم الاقتراب من هذه القضية قبل أن تتاح لي مناقشة أبعادها على نحو صريح مع مسئول عماني كبير‏,‏ يكون أقرب إلى متابعة الملف الايراني‏...‏ وفي رحلة أخيرة إلى مسقط واتتني فرصة أن التقي مع وزير الخارجية العماني يوسف علوي لحوار طويل تركز فقط على قضية العلاقات العربية الايرانية‏,‏ لم تكن غايتي من هذا الحوار الحصول على حديث صحفي من وزير عربي مسلم يعرف جيدا ماذا يدور في طهران‏,‏ بقدر ما كنت أريد أن أتفهم أبعاد الرؤية العمانية للموقف الايراني‏,‏ ولماذا تختلف في جانب غير قليل منها مع معظم الرؤى العربية؟‏!‏ وفي ضوء هذا الفهم‏,‏ ربما يكون في الإمكان أن نلخص الخلاف بين الرؤية العمانية والرؤية العربية في عدد من النقاط المهمة‏,‏ ينطلق جميعها من موقف أساسي‏,‏ مفاده أنه على حين يرى معظم العرب أن فترة حكم الرئيس الايراني أحمدي نجاد الراهنة تدخل في محاولات بعث مفاهيم الثورة الاسلامية من جديد كي تكون أكثر حدة وتصلبا‏,‏ وأكثر قدرة على معاداة الغرب‏,‏ واستعدادا لتصعيد الصراع‏,‏ يرى العمانيون أن وراء هذا الصخب العالي الذي يميز أداء الرئيس أحمدي نجاد رغبة قوية في أن تدخل الثورة الايرانية مرحلة هدوء واستقرار‏,‏ تقنن أوضاعها الداخلية بما يساعدها على تحقيق قدر أكبر من الاستقرار‏,‏ وتنظم علاقاتها مع الغرب والعرب في إطار يحفظ مصالحها الاقليمية‏,‏ ويضمن لها تسوية عادلة لكل مشاكلها المعلقة مع الأمريكيين‏,‏ لا تستهدف أصلا معاداة العرب ولا ترغب في الدخول في حرب مع الغرب بقدر ما تريد فقط حماية مصالحها‏,‏ والاعتراف بدورها المستحق بحكم الحضارة والتاريخ منذ صراع فارس وبيزنطة كقوة إقليمية‏,‏ وإذا لم يكن الغرب والمجتمع الدولي متحمسا لدور إقليمي أكبر لإيران الآن‏,‏ فلا أقل من أن يسمح للجمهورية الاسلامية التي تحكم أمة إسلامية قديمة الحضارة قوامها‏80‏ مليون نسمة تقود المذهب الشيعي الذي يعتنقه جزء غير قليل من العالم الاسلامي بأن يكون لها الدور ذاته الذي كان لإيران على عهد الشاه‏,‏ سواء سماه البعض كلب الحراسة لمصالح العرب في منطقة الخليج أو سماه آخرون الدور الفارسي في ثوب إسلامي جديد‏!.‏ وبرغم أن الرئيس أحمدي نجاد يظهر في بعض الأحيان الكثير من التشدد ويلجأ إلي عبارات تحمل قدرا من السخرية والتحدي خاصة عندما يتحدث عن مستقبل إسرائيل‏,‏ إلا أن ذلك كله مجرد رسائل مشفرة إلى الغرب تدعوه إلى تفهم مطالب ايران‏,‏ تخفي وراء عباراتها الملتبسة خبرة رجل البازار الايراني وقدرته على المساومة‏,‏ ومع الأسف أخطأ العرب في فهم هذه الرسائل المشفرة ‏.‏ ومن وجهة نظر الوزير يوسف علوي فإن أحمدي نجاد يمثل علامة فارقة بين الفكر الثوري للجمهورية الاسلامية الذي عمل على إثارة المتاعب لدول الجيران‏,‏ واعتبر أمريكا الشيطان الأكبر الذي يتحتم حربه إلي الأبد‏,‏ وبين الرغبة في تقنين الأوضاع بما يهييء لايران المزيد من فرص استقرار الداخل‏,‏ وانتظام علاقاتها مع العالم الخارجي واحترام حقها في المعرفة النووية واستثمارها‏,‏ وحقها في تخصيب اليورانيوم وتصنيع الوقود النووي تحت رقابة وإشراف الوكالة الدولية للطاقة‏,‏ وإذا كان العرب قد أخطأوا في فهم رسائل طهران المشفرة فإن الغرب يتفهم تماما هذه الرسائل الآن‏,‏ وثمة مساحة واضحة من التفهم المتبادل بين الجانبين‏,‏ يعتقد الوزير يوسف علوي أنها سوف تتسع على نحو متزايد بما يساعد على إنجاز تسوية سلمية للملف النووي وملحقاته ربما لن تتأخر كثيرا‏...‏ ولهذه الأسباب تستبعد عمان حربا قريبة في منطقة الخليج بسبب الملف النووي الايراني‏,‏ ليس فقط لأن أمريكا لا تريد الحرب أو لأن إيران لا تقدر على أعبائها مهما كان الوضع الأمريكي الراهن كما يقول الوزير‏,‏ ولكن لأن مساحة التفهم المتبادل بين طهران والغرب مرشحة لمزيد من النمو‏, ولا تشير أي من الظواهر في ممر هرمز إلى أية توترات من أي نوع‏,‏ فالأسطول الأمريكي يمضي في روتينه المعتاد وكذلك البحرية الإيرانية .‏ وإذا صح ما يقوله الوزير يوسف علوي فإن وجود الرئيس أحمدي نجاد في قرية بنت جبيل جنوب لبنان قبل عدة أشهر كان مجرد رسالة مشفرة إلى اسرائيل‏,‏ فك أحمدي نجاد طلاسمها في بيروت عندما أكد لكل القوى السياسية اللبنانية التزام إيران بالحفاظ على سلامة الداخل اللبناني وعدم تفجير الموقف في لبنان‏,‏ وأن المقصود من توثيق العلاقات بين طهران وحماس في غزة ليس مصر‏,‏ ولكنها رسالة إلى اسرائيل تستهدف لفت انتباه واشنطن‏,‏ وأن العلاقات بين دمشق وطهران أمر ينبغي ألا يعكر صفو العلاقات المصرية السورية‏,‏ تمليها دوافع الضرورة لأن سوريا ترى في تحالفها مع طهران عامل ضغط على اسرائيل التي لا تزال تحتل الجولان‏,‏ وأن التطور الأكثر أهمية في الشرق الأوسط هو الدور التركي في علاقاته الاستراتيجية الجديدة مع سوريا الذي كان الرئيس مبارك أول من نصح به في انحيازه الجديد إلى الفلسطينيين تصحيحا لسياسات تركيا الشرق أوسطية‏,‏ وفي علاقاته مع العراق والتزامه بوحدة أراضيه‏,‏ وتوجهه الجديد لأن يكون أكثر فاعلية على ساحة الشرق الأوسط خصما من حساب علاقاته مع اسرائيل‏,‏ وأن الحكمة تتطلب من العرب أن ينظروا إلى الدورين التركي والإيراني باعتبارهما أدوارا مكملة يمكن أن تضيف عناصر قوة إلى الموقف العربي برغم بعض التقاطعات المحدودة التي لا تشكل خطرا استراتيجيا على العرب‏,‏ لأننا مهما فتشنا في السرائر والنيات فلن نجد تناقضا في المصالح الأساسية بين العرب وإيران يستعصي على الحل‏,‏ ولن يكون الدور التركي الذي يبحث عن تعزيز مصالحه في المنطقة أبدا في حالة تناقض مع المصلحة العربية العليا‏,‏ وجوهر المشكلة الآن كيف نحيل هذين الرافضين اللذين يتمثلان في الدورين التركي والايراني إلى عامل قوة يضيف إلى الموقف العربي بدلا من ملاحقتهما بالشكوك والهواجس؟‏!‏ هذه هي الرؤية العربية الأخرى لطبيعة العلاقة بين العرب وإيران‏,‏ وأظن أنها تستحق المزيد من الحوار‏.‏ المصدر :القدس