هل يتحقق الانتعاش الاقتصادي والمالي لدول المنطقة في 2011؟
الجمعة, 31-ديسمبر-2010
هنري عزام -

مع مواصلة الاقتصاد العالمي مسيرة التعافي تحسنت احتمالات النمو لدول المنطقة إذ يتوقع لمعظم البلدان العربية أن تحقق نسب نمو أسرع في عام 2011 مقارنة بعام ،2010 مدعومة بأسعار نفط مرتفعة وميزانيات حكومية توسعية وأسعار فائدة منخفضة واستقرار في معدلات التضخم . غير أنه لا تزال هناك حتى الآن فجوة بين تحسن الأداء الاقتصادي على المستوى الكلي(Macro level) من جهة، وبين ضعفه على المستوى الفردي سواء للمستثمر أو المستهلك (Micro Level) من جهة أخرى.

ويتوقع لهذه الفجوة أن تتقلص بحلول النصف الثاني من العام المقبل مع تعافي حركة الائتمان المصرفي وعودة الثقة تدريجياً إلى القطاع الخاص، واستعادته لروح المبادرة والتوسع.

ويتوقع أن ينمو إجمالي الناتج المحلي لدول المنطقة بنحو 8 .4% بالأسعار الثابتة العام المقبل مقارنة مع 4% عام 2010 و3 .2% عام 2009 . ولقد انخفض الناتج المحلي للدول العربية مجتمعة بالأسعار الجارية بنسبة 13% عام 2009 ليصل إلى 1648 بليون دولار، مقارنة بأعلى مستوى وصل إليه في عام 2008 حين بلغ 1910 بليون دولار، وذلك نتيجة للأزمة المالية العالمية ما كان له تأثير سلبي في أسعار النفط والعقارات وأسواق رأس المال والائتمان . غير أن الناتج الإجمالي يتوقع له أن يعاود الارتفاع ليصل إلى 1893 بليون دولار عام 2010 و2081 بليون دولار عام 2011.

ومن المتوقع أن تحقق دول المنطقة النفطية ارتفاعاً في الناتج المحلي بنسبة 5 .4% بالأسعار الثابتة عام 2011 ليصل الناتج 1100 بليون دولار، مقارنة مع نسبة نمو بحدود 5 .3% عام 2010 و1 .1% عام 2009 . وستسجل قطر أعلى معدلات للنمو العام المقبل بحدود 20% مقارنة مع 16% عام 2010 و6 .8% عام 2009 في حين أن الناتج المحلي للمملكة العربية السعودية، يتوقع له أن ينمو بنسبة 5 .4% عام 2011 مقارنة مع 8 .3% عام 2010 و6 .0% عام 2009 . وستشهد الموازين العامة لدول مجلس التعاون فائضا في عامي 2010 و2011 بسبب ارتفاع أسعار النفط من 62 دولاراً للبرميل في المعدل عام 2009 إلى 78 دولاراً للبرميل في المعدل عام ،2010 وإلى 80 دولاراً للبرميل وهو المعدل المتوقع لعام 2011 . وستنعكس هذه التطورات على الموازين الخارجية لدول المنطقة، إذ سيصل الفائض المجمع للموازين الخارجية لدول الخليج إلى 120 بليون دولار عام 2010 و 150 بليون دولار عام ،2011 مقارنة مع أقل من 50 بليون دولار عام 2009.

وسوف ينعكس تحسن الأوضاع الاقتصادية في منطقة الخليج على الدول العربية الأخرى بسبب ارتفاع التحويلات التي يرسلها العاملون في دول الخليج إلى ذويهم في الدول المصدرة لليد العاملة إضافة إلى تنامي السياحة الإقليمية، وتحسن التجارة البينية، وزيادة التدفقات الرأسمالية من الدول النفطية إلى بقية دول المنطقة . وسيشهد الأردن نمواً في عام 2011 يتوقع أن يصل إلى 5 .4 % مقارنة مع 5 .3% في عام 2010 و3 .2% عام ،2009 مدعوماً بتحسن وضع الائتمان المحلي وتسارع مؤشرات التجارة والاستثمار بالتزامن مع انتعاش آفاق الاقتصاد العالمي والإقليمي ويتوقع لمصر أن تحقق معدلات نمو في حدود 5 .5% عام ،2011 مقارنة مع 3 .5% عام 2010 و7 .4% عام ،2009 مستفيدة من تراجع أسعار الفائدة على الجنيه المصري وتحسن التجارة الدولية وزيادة الإنفاق في السوق المحلي غير أن التأثير السلبي لعوامل عدم اليقين السياسة قد تلقي بظلالها على الأداء الاقتصادي العام المقبل . ولقد شهد لبنان نمواً غير مسبوق من خلال ازدهار القطاع السياحي وتحويلات المغتربين اللبنانيين التي تدعم الاقتصاد . غير أن معدلات النمو المرتفعة للعامين الماضيين التي وصلت إلى 9% عام 2009 و8% عام ،2010 يتوقع ان تتراجع إلى 5% العام المقبل بسبب الظروف السياسية غير المستقرة.

ما زالت أسواق السندات والصكوك شبه مغلقة أمام شركات القطاع الخاص . صحيح أن النشاط أخذ يعود تدريجياً إلى هذه الأسواق، وشهد هذا العام عدداً من الإصدارات الكبيرة بقيمة إجمالية وصلت 30 بليون دولار، غير أن كافة الإصدارات كانت لمؤسسات تابعة للقطاع العام أو تم إصدارها بضمان الحكومات والبعض الآخر كان لمؤسسات مالية وبنوك تجارية . أما شركات القطاع الخاص التي نجحت في إصدار سندات وصكوك هذا العام مثل شركة كيبكو الكويتية وشركة ام بي بتروليوم العمانية وشركة دار الأركان السعودية، اضطرت إلى أن ترفع من أسعار الفائدة التي تدفعها على هذه الإصدارات لآجال 5 سنوات لتتراوح بين 8% و 10% . ومع تحسن أداء شركات القطاع الخاص وعودة النشاط إليه، نتوقع أن يشهد عام 2011 زخماً في إصدارات شركات القطاع الخاص بما فيها تلك المقومة بالعملات المحلية .

سوق الإصدارات الأولية ما زال ضعيفا إذ لم يتعد إجمالي قيمة الاثني عشر إصداراً التي تمت هذا العام، ومعظمها كان في السوق السعودي، مبلغ 5 .1 بليون دولار مقارنة مع 11 إصداراً العام الماضي بقيمة 4 .1 بليون دولار . ولقد اضطرت شركة أكسيوم تليكوم في الإمارات إلى إلغاء اكتتاب عام على 35% من أسهمها في اللحظات الأخيرة، بعد ما تبين أن الصناديق والمؤسسات المحلية والإقليمية لم تبد الاهتمام المطلوب . وما زالت أسواق أسهم دول المنطقة تعاني من ضعف مستمر في حجم التداولات وشح السيولة، وعدم توفر التمويل المطلوب للمكتتبين في اسهم الإصدارات الجديدة . وارتفع مؤشر أسهم الدول العربية بنحو 5 .6% خلال الأشهر الإحدى عشرة الأولى من هذا العام، مقارنة مع 14% لمؤشر اسواق الأسهم الناشئة و11% لمؤشر سوق الأسهم الأمريكي . وهناك العديد من الشركات العربية المدرجة التي أصبح يتم تداول أسهمها الآن بأسعار أقل من قيمتها الدفترية . غير أن اسواق الأسهم العربية يتوقع لها أداء أفضل عام 2011 لتعكس تحسن الأوضاع الاقتصادية، وبقاء أسعار الفائدة عند معدلاتها المنخفضة، وقيام المحافظ الاستثمارية بالتركيز أكثر على الأسهم منه على السندات والذهب والمعادن الثمينة، بسبب التخوف من وجود فقاعة في طور التكوين بعد القفزات الكبيرة التي سجلت خلال العامين الماضيين في أسعار هذه الأصول . أضف إلى ذلك التأثير الإيجابي لتحسن أسواق الأسهم العالمية التي زاد ارتباط اسواقنا بها . وكلما ارتفع حجم الاستثمار المؤسسي في أسواقنا المالية، كلما زادت نسبة الارتباط هذه، حيث إن هناك أكثر من 50 محفظة استثمارية تم إنشاؤها للاستثمار في الأسواق الرأسمالية لدول المنطقة.

وتواجه مسيرة التعافي في المنطقة العربية تحديين أساسيين: الأول يكمن في نقل عبء قيادة النمو من القطاع العام إلى القطاع الخاص؛ والثاني هو عودة البنوك إلى التوسع في الإقراض . لقد كان الإنفاق الحكومي التحفيزي هو مصدر النمو حتى الآن، وهي آلية قاربت منافعها على الانتهاء، لذا لابد لاستمرار التعافي من عودة الحيوية والنشاط إلى القطاع الخاص، والاكتفاء بما تم ضخه من أموال خلال العامين الماضيين من قبل القطاع العام لتحريك الأسواق.

وقد يكون من الأفضل لحكومات دول المنطقة خاصة غير النفطية منها اتباع سياسات مالية أكثر توازناً للحفاظ على نسب مديونية مقبولة في حدود 60% من إجمالي الناتج المحلي، فهذا يعطي مصداقية للسياسة المالية، ويبعث برسالة واضحة إلى الأسواق بأن الحكومة حريصة على تحقيق الاستقرار المالي وبالتالي سيطمئن المستثمر والمستهلك بأن تكلفة الاقتراض لن ترتفع مستقبلاً، ولن تزيد الضرائب وستبقى معدلات غلاء المعيشة عند مستويات مقبولة . والأهم أن الدولة ستكون قادرة على مواجهة المشكلات والأزمات إذا ما حدثت مستقبلا.

وقد تسمح الفوائض المالية لدول المنطقة النفطية الكبرى أن تحافظ على السياسات المالية التوسعية، كما أظهرت ميزانية السعودية لعام ،2011 دون أن يؤدي ذلك بالضرورة إلى تفاقم العجز في موازناتها العامة أو ارتفاع في مديونياتها . فإذا ما حافظت أسعار النفط على معدلات تفوق 60 دولاراً للبرميل في عام ،2011 وهو المعدل الذي يحقق التوازن في ميزانيات معظم دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2011 فإنه سيكون في مقدور هذه الدول التوسع في مواصلة الإنفاق المخصص في ميزانياتها.

لقد أدى عدم التطور الكامل لأسواق رأس المال المحلية من سندات وأسهم وضعف مقدرة الشركات العربية غير المملوكة من الحكومات للوصول إلى أسواق الأسهم والسندات العالمية، إلى جعل التسهيلات الائتمانية الممنوحة من البنوك أهم مصادر التمويل لهذه الشركات . والتحدي يكمن في عودة البنوك إلى التوسع في الإقراض للقطاع الخاص وتوفير التمويل المطلوب للشركات والأفراد في ظل تراجع قيمة الضمانات العقارية وضعف أسواق الأسهم . وقد يتطلب هذا أخذ المزيد من المخصصات للقروض المعدومة وإعادة هيكلة ميزانيات بعض البنوك عن طريق زيادة رأسمالها وتقليص مديونيتها، إضافة إلى استعمال أساليب أفضل لإدارة المخاطر . صحيح أن عدداً من مؤسسات القطاع الخاص ما زال مثقلاً بالديون وبحاجة إلى إعادة ترتيب أوضاعه المالية والائتمانية غير أن هذا القطاع هو المؤهل لقيادة عملية النمو وعليه استعادة الثقة وأخذ المبادرة للتوسع والتركيز على الإبداع . فتنامي النشاط الخاص في قطاعات الاقتصاد المنتجة من صناعة وزراعة وسياحة وخدمات هو الذي سيحقق النمو المستدام(Sustainable Growth) والذي لن يتأتى عن طريق المزيد من الإنفاق الحكومي.

*نقلاً عن جريدة" الخليج" الإماراتية.