فوضى في سوق النفط العالمي
الاثنين, 27-ديسمبر-2010
جانا بوريسوفنا -

مع ارتفاع أسعار النفط بشكل ملحوظ كان من المتوقع أن تلجأ الدول أعضاء منظمة أوبك إلى زيادة إنتاجها من أجل تعويض خسائرها في فترة الانخفاض في السعار في العام الماضي، ولكن هذه الدول لم تفعل ذلك بل قررت في اجتماعها الأخير الحفاظ على مستوى الإنتاج على ما هو عليه، وكأنهم لا يريدون أن يحدثوا أية اضطرابات في السوق، وأن يحافظوا على استمرارية نسب الارتفاع القائمة والبطيئة كما هي، بعد أن ثبت لهم من التجارب السابقة أن الطفرات السريعة في ارتفاع الأسعار عادة ما يتبعها انهيارات سريعة أيضا،

والحقيقة أن سوق النفط العالمي لم تعد تحكمها قرارات منظمة أوبك وأعضائها أو قرارات المنتجين الكبار من خارجها مثل روسيا وغيرها، بل على خلاف باقي أسواق العالم نلاحظ أن سوق النفط قرارها في يد المستهلكين الكبار أكثر من المنتجين أنفسهم.

من المعروف أن روسيا هي ثاني أكبر منتج ومصدر للنفط بعد المملكة السعودية، ونظرا لأن روسيا ليست عضوا في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، فإنه لا بد من التنسيق بين الجهتين حتى يمكن توجيه أسواق النفط العالمية، ولم يكن لهذا التنسيق وجود في فترة التسعينات من القرن الماضي، نظرا للظروف التي كانت تمر بها روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. ومع استعادة الدولة سيطرتها على معظم إنتاج النفط في روسيا، ومع تحسن ظروف الإنتاج فيها واستخدام تقنيات التنقيب والاستخراج والنقل الحديثة، ظهرت روسيا كبائع أول للنفط في العالم ينافس السعودية، وأحيانا يتفوق عليها في التصدير كما حدث في مطلع العام الجاري، الأمر الذي بات يشكل مشكلة واقعية لمنظمة أوبك، رغم أن الطرفين لا يصرحان بوجود أية مشاكل بينهما، ولكن هذا من قبيل الدبلوماسية وإخفاء المشاكل، ونظرا لأن معظم دول أوبك على علاقات طيبة مع روسيا على المستويات الأخرى فإنه أحيانا تطمع هذه الدول في أن تطرح طلباتها بصراحة على روسيا، ومن أهم هذه الطلبات في الشأن النفطي أن تلتزم روسيا بسقف الإنتاج الذي تحدده أوبك، وعادة ما يكون لدى أوبك أمل في أن تستجيب روسيا لطلباتها، ولكن الأمور على ما يبدو ليست بهذه السهولة.

وقد أعلن الأمين العام لمنظمة أوبك عبد الله سالم البدري، في منتصف سبتمبر الماضي أثناء فعالية جسر تلفزيوني بين موسكو وفيينا، أن روسيا قد تضطر مستقبلا إلى تخفيض معدلات زيادة حجم استخراج النفط. ومع ذلك لم يشأ البدري أن يكشف عن أية خلافات في الرأي بين المنظمة وموسكو، حيث صرح بأن المنظمة لا ترى مشكلة قادمة من روسيا حتى الآن.

هذا التفاؤل من قبل أمين منظمة أوبك لا مبرر له، حيث سبق لوزير الطاقة الروسي سيرغي شماتكو أن تنبأ بأن يتجاوز حجم استخراج النفط في روسيا في العام الحالي ‬500 مليون طن، وقد تم استخراج ‬494 مليون طن من النفط في روسيا في عام ‬2009 بزيادة نسبتها ‬1,2٪ مقارنة بعام ‬2008.

وقد يندهش البعض بسبب عدم التزام روسيا بما تقرره أوبك، ولكن تجارب الماضي القريب هي التي دفعت لهذا، ففي الوقت الذي كانت أسعار النفط تنهار بشدة، كانت دول أعضاء في منظمة أوبك تتعمد زيادة إنتاجها من النفط دون أي مبرر، وكانت روسيا ترجو منهم أن يتوقفوا عن زيادة الإنتاج حتى لا تنهار الأسعار أكثر، ولكن لم يكن أحد يستمع إليها، ولم تكن الضغوط الغربية وحدها هي التي تدفع هذه الدول إلى زيادة إنتاجها، بل كان بعض هذه الدول يتعمد من تلقاء نفسه زيادة الإنتاج، بهدف تعويض الخسائر الناتجة عن انخفاض الأسعار، دون مراعاة لباقي المنتجين، ومازالت هذه الدول حتى الآن تمارس هذه السلوكيات في سوق النفط العالمية، حيث تطرح في الأسواق كميات أكبر بكثير من السقف المتفق عليه داخل المنظمة، الأمر الذي جعل روسيا كمنتج كبير لا تعير أي اعتبار لقرارات أوبك حول تحديد سقف الإنتاج، خاصة وأن لروسيا ظروف خاصة ومختلفة تماما عن الدول أعضاء أوبك، سواء في ظروفها السياسية والإستراتيجية وتعاملاتها مع باقي الدول، حيث تضطر أحيانا لمنح النفط لدول مجانا بدون مقابل كمساعدات، أو تعطيه بأسعار مخفضة مراعاة لظروف هذه الدولة أو تلك، وهي الأمور التي لا تعرفها الدول أعضاء أوبك.

ورغم هذا حاولت روسيا أن تقدم مشروعات للتنسيق مع أوبك، ولكن على ما يبدو فإنه كان هناك في الغرب من يضغط دائما للحيلولة دون التقارب بين روسيا وأوبك، وأيضا داخل أوبك نفسها من لا يرغب في التعاون مع روسيا.

والمشكلة أن الدول أعضاء أوبك لا تفكر في التنسيق والتفاهم مع روسيا في مسائل الإنتاج والتسويق، إلا عندما تحتاج هي إلى ذلك، دون مراعاة لمصالح روسيا. وقد يكون نفس العيب موجود لدى روسيا أيضا، حيث أن موسكو لا تتحمس كثيرا للتنسيق مع أوبك إلا في حالة وجود مشاكل أو تهديدات تضر بمصالحها في أسواق النفط.

وهذه المسألة تشكل حلقة مفرغة بين الطرفين يصعب ملؤها، وإذا لم يصل الطرفان إلى تفاهم وتنسيق بينهما في ظروف ملائمة لكليهما معا، فإنه من الصعب عمليا الحديث عن تحكمهما معا في توجيه أسواق النفط العالمية، التي ما زال كبار المستهلكين فيها هم الذين يملكون القرار ويفرضونه على كبار المنتجين.


*عن صحيفة" البيان" الاماراتية