الاعتراف بالدولة الفلسطينية والعامل الذاتي
الأربعاء, 22-ديسمبر-2010
فايز رشيد - القرار الذي اتخذته البرازيل والأرجنتين، بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 هو قرار مهم وإيجابي، خصوصاً أن هذه الخطوة مهيأة لأن تتبعها خطوات باعتراف مماثل من دول مثل بوليفيا ونيكارغوا والأوروغواي وبيرو . ما من شك أن إسرائيل التي غضبت من هذا الاعتراف، هي وحليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة، التي أبدت انزعاجاً هي الأخرى، ستضغطان بأقسى ما لديهما من وسائل لمنع تكرار مثل هذا الاعتراف . بواقعية شديدة لو أحلنا هذه الخطوة إلى المنظور الواقعي البحت بعيداً عن العواطف، يتضح ما يلي: أن خطوة شبيهة بما اتخذته البرازيل والأرجنتين من قرار شجاع يشكل تضامناً دولياً مهماً مع فلسطين، واعترافاً دولياً دبلوماسياً كبيراً بحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود ما قبل كارثة حزيران 1967. كما يشكل ضغطاً دولياً على الولايات المتحدة وإسرائيل، سيما وأن قرارات كثيرة أصدرتها الأمم المتحدة تدين الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية عام 1967 وتعترف بحق العرب في استرجاع أراضيهم المحتلة . كما أن قرارات سابقة للمنظمة الدولية نصت على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، وحق اللاجئين في العودة إلى أراضيهم وديارهم، لكن كل هذه العوامل لا تكفي وحدها لإقامة الدولة كاملة السيادة كما هو حال الدول الأخرى . وللتذكير فقط، عندما تم الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية في المجلس الوطني الفلسطيني، الذي انعقد في الجزائر في العام 1988 فإن دولاً كثيرة اعترفت بهذه الدولة مباشرة، وأخرى في ما بعد . على صعيد آخر، فإن ما ينوف عن 132 دولة اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، وأغلبية هذه الدول افتتحت في البداية ممثليات للمنظمة في عواصمها، ورفع قسم منها التمثيل بعد إعلان الدولة إلى مستوى سفارات . السؤال هو: هل هذا الأمر يعتبر كافياً لتحويل الدولة الفلسطينية من الإمكانية النظرية إلى الأخرى العملية واقعاً على الأرض؟ لسنا بحاجة إلى تفكير مضنٍ لإيجاد الجواب، فهذه الخطوات وحدها حتى لو اعترفت عشرات الدول الأخرى بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 على شاكلة الخطوة البرازيلية والأرجنتينية، فإن ذلك لا يكفي لإقامة الدولة، إن لم يقترن بالعامل الذاتي الفلسطيني أولاً، وبالتضامن مع البعد الشعبي العربي، وبتأييد من الدول العربية ثانياً، في فرض إقامة الدولة واقعاً على الأرض، وهذا لن يتأتى إذا لم يُجبر الفلسطينيون إسرائيل على الاعتراف بحقوقهم، بما في ذلك حقهم في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية . لا نقول ذلك للتخفيف من وهج أهمية الخطوة اللاتينية، ولكن من صميم الواقع نقول: إن القرارات الدولية وحدها التي اتخذتها الأمم المتحدة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم . . إلخ، لم تجبر إسرائيل على الاعتراف بهذه الحقوق . كذلك فإن المجتمع الدولي بأسره وفي السنوات التي تلت قيام إسرائيل وحتى قيام الثورة الفلسطينية وانتشارها الواسع بعد حرب عام 1967 تعامل مع الفلسطينيين كلاجئين يستحقون المساعدة الإنسانية والعطف . نظرة المجتمع الدولي تغيرت وأصبح ينظر إلى الفلسطينيين كشعب له حقوقه الوطنية مثل باقي شعوب الأرض، بعد قيام الثورة الفلسطينية المسلحة ووصولها إلى الأوج، حيث أصبح العالم بعدها يسمع الفلسطينيين . من ناحية أخرى، فإنه لا مناشدة العالم للضغط على إسرائيل للاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية، تماماً مثلما هي اتفاقيات أوسلو ولا عشرون سنة من المفاوضات بعدها، كانت قادرة على تغيير وجهة النظر الإسرائيلية في رؤية التسوية من خلال الحكم الذاتي فقط . الإسرائيليون كانوا ينفون وجود الشعب الفلسطيني من الأساس، والذي أجبرهم على الاعتراف بهذا الوجود للشعب الفلسطيني هي الثورة الفلسطينية المسلحة وأشكال المقاومة الشعبية الأخرى، كالانتفاضتين في الأراضي المحتلة، ولكن بعد اتفاقيات أوسلو أدرك الإسرائيليون أن بمقدورهم الاستمرار في طرح صيغة الحكم الذاتي فقط . لا تكفي تصريحات قادة السلطة الفلسطينية، بأن التسوية وصلت إلى طريق مسدود، وإحالة موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى مجلس الأمن، وهذه القضية محكومة مسبقاً بالرفض الأمريكي لها من خلال(الفيتو)، ولا التصريح بحل السلطة الفلسطينية، بهدف التأثير في المجتمع الدولي ليضغط بدوره على الولايات المتحدة، لتمارسه بدورها على إسرائيل من أجل استئناف المفاوضات المحكومة بالعبثية مسبقاً . كل هذه العوامل هي خارج إطارات التأثير والفعل في تغيير موازين القوى بين الفلسطينيين والعرب من جهة، وبين إسرائيل من جهة أخرى، وحدها الوسائل القادرة على تغيير هذه الموازين تتمثل في تحويل مشروع الاحتلال الإسرائيلي إلى مشروع خاسر من خلال المقاومة بكل أشكالها ووسائلها وعلى رأسها الكفاح المسلح، خاسر بالمعنى الديمغرافي والاقتصادي، وهنا يأتي حل السلطتين في هذا الإطار من خلال نبذ أسلوب المفاوضات نهائياً والخلاص من حالة الانقسام الفلسطيني القائم، والعودة بالوحدة الوطنية الفلسطينية إلى سابق عهدها، وأن تكون قائمة على التمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية، من دون ذلك سنظل نراوح في المكان نفسه . أيضاً فإن هذا العامل الذاتي الفلسطيني، بالاستناد إلى العمق الوطني الشعبي القومي العربي، سيكون موجهاً أساسياً للدول العربية للسير في هذا الاتجاه، وإلغاء ما يسمى “مبادرة السلام العربية” . ما نطرحه تم تجريبه في كل تاريخ حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وقد تم اختباره فلسطينياً وأثبت جدواه، لكنه لم يستمر حتى نهاياته . المصدر : القدس