السلام وتسويق الوهم
الأربعاء, 22-ديسمبر-2010
صباح علي الشاهر - ليس من دونما سبب الربط بين العملية السلمية، والعملية السياسية، بين القضية الفلسطينية والقضية العراقية. مثل هذا الربط يفرض نفسه ليس فقط من حيث التشابه في توصيف الوضعين بكونهما احتلالين لوطنين وشعبين، ولا في تشخيص العلاج الذي هو بداهة التحرير، وانما في الوقوف علي ذاك الخبث الأمريكي، الغربي الصارخ في التعامل مع القضيتين، والسعي المراوغ لتشويه القضيتين، توصيفاً وحلاً، عبر نقل الصراع من ساحاته الواقعية والعملية الي ساحات افتراضية تجعل مهمة التحرير أكثر صعوبة وتعقيداً أمام المنادين بها، والساعين اليها. كانت القضية الفلسطينية في قمة عنفوانها يوم كانت فصائلها تجمع علي الكفاح طريقاً لاسترداد الحقوق. لم يكن هذا الخيار نتاج رؤية متطرفة لمغامرين أو محبطين، وانما كان هو الطريق، الذي لم يعرفنا التأريخ علي طريق غيره لنيل الحقوق في القضايا المشابهة، أي في حالة استعمار استيطاني يغتصب الأرض والبشر. كانت القضية الفلسطينية تسجل الانتصار تلو الانتصار في المحافل الدولية، وتفرض نفسها، وبالأخص من خلال انتفاضتي الحجارة المجيدتين، علي الضمير الانساني الذي بات، ولأول مرّة يتعاطف بصدق وحماس مع الفلسطينين، ويحس بآلامهم وجرحهم النازف، في حين كانت اسرائيل محاصرة، ومقاطعة من الدول العربية والأفريقية، والكثير من الدول الاسلامية ودول أمريكا اللاتينية، ومنبوذة من أغلبية دول العالم باستثناء الغرب وأمريكا. أضحت القضية الفلسطينية بعد أن تجاوزت بعدها العربي والاسلامي قضية عالمية تضغط علي الضمير الانساني بعنف، وتستجلب أعدادا متزايدة من البشر لخوض الصراع، وبأشكال متعددة، من أجل انصاف الفلسطينيين الذين أسهم العالم كله تقريباً في ظلمهم. لم يكن المطلوب سوي العدل، وانصاف هذا الشعب الذي ظلم من دونما ذنب، وانصافه بأعادة حقوقه المستلبة اليه. لقد وصل النضال الفلسطيني الي تخوم النصر، وأصبح علي مشارف تحقيق الحلم الذي عدّه بعض الانهزاميين مستحيلا، وبات الأمر المطروح عملياً هو تقديم الحل، وقد كانت العملية السلمية هي الحل الصهيو- أمريكي، والذي يعني من جملة ما يعنيه تمييع وتضييع فلسطين، وانهاء القضية الفلسطينية. لم تكن العملية السلمية سوي بروسيس((process، اي عملية متواصلة، مفتوحة علي نهايات غير محددة سلفاً، يولدها منطقها الداخلي، أو الأسس التي بُنيت عليها. هل كان هذا هو المطلوب، أم أن الأمر كان عملية احتيال، ليس لكسب الوقت فقط، وانما لجعل الاستقلال الحقيقي والناجز مستحيلاً، أي اجهاض الحلم الفلسطيني عملياً؟. عشرون عاماً مضت علي ما سُمي بالعملية السلمية، تُحدثنا وقائعها بحقيقة ما أريد منها، تم خلالها القضاء علي أهم القادة الفلسطينين، قتلا واغتيالا بالأباتشي أو التفجير أو السم، وتم أسر واعتقال مئات، لا بل آلاف القادة الميدانيين، بعد وضعهم في كماشة، كما تم اصطياد وتجنيد مئات السياسين بهذه الطريقة أو تلك، وجعلهم عيونا وآذانا للموساد، ليس في الشارع الفلسطيني فقط، وانما في مركز القرار، وتم أيضاً شق الصف الفلسطيني، بحيث قسّم الي مقاوم، و مهادن، يؤمن بتحقيق الأهداف عبر التفاوض، وفي اطار العملية السلمية، في حين كانت فلسطين قبل العملية السياسية (كلها مقاومة). لقد أصبحت فلسطين عملياً فلسطينين، برئيسين، وحكومتين، وتم التهام الأرض، ونهب المزيد والمزيد من دور المواطنين، وتجريف الأرض التي هي مصدر رزق الغالبية العظمي من الفلسطينين، وغرز المستوطنات في كل أراضي الضفة الغربية، وتهويد القدس، واقامة جدار العار الذي عزل حتي الأسرة الواحدة، وتمت محاصرة وتجويع شعب غزّة، بعد شن حرب ابادة همجية وقف الأخوة العرب أثناءها متفرجين، وبعضهم متواطئين، وبمقابل هذا أصبحت آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية صديقة لاسرائيل، بحيث لم تكتف الدول التي سبق وأن قاطعت اسرائيل باعادة التمثيل الدبلوماسي معها، بل نقلت العلاقات معها الي مستويات عليا، وهي في تطوّر مستمر، وأصبحت اسرائيل صديقة لأغلبية الدول العربية، التي عقدت معها المزيد والمزيد من الاتفاقيات، السرية والعلنية، وبات المواطن الاسرائيلي يزور الدول العربية، لا بجواز سفر غربي، وانما بجواز اسرائيلي، حيث يلقي الترحيب. وبعد عشرين عاماً مما سُمي بعملية السلام، ينأي عنا الهدف المُبتغي، اذ لم نعد نتلمسه، واذ يتعزز وجود اسرائيل علي الأرض، وتضمر الرقعة التي قيل أن فلسطين الموعودة ستقام عليها، وحيث تتطور العلاقات بين اسرائيل والمحيط، بما فيها العلاقات الأمنية، واذ تنعدم الخيارات أمام المفاوض الفلسطيني الا خيار واحد، وهو الاذعان للاملاءات الاسرائيلية، يفقد المفاوض الفلسطيني أي قدرة علي المبادرة. لقد فشلت عملية السلام، لكن المتورطين بها لا يجرؤون علي اعلان موتها. نحن أمام خيارين لا ثالث لهما اما موت عملية السلام، اي الخروج من الخديعة، أو موت القضية الفلسطينية. عشرون عاماً كانت كافية لاضاعة حق، وتمييع قضية، وبضعة أيام أو أسابيع كانت كافية لاحقاق الحق، واعلان دولة فلسطين المستقلة، لو كان الوسيط محايداً حقاً، ولو أنه امتلك ولو قدراً ضئيلاً من النزاهة. لقد وضعوا نهجاً مقابل آخر، نهج المقاومة مقابل الاستسلام، لكنهم لم يعلنوها صراحة، اذ قدموا لنا نهجاً مُسلفناً أسموه عملية السلام. لقد سوقوا لنا الوهم، وجرّعونا المخدّر بالاقساط. المصدر:صحيفة الزمان