حدود الطاقة
الجمعة, 17-ديسمبر-2010
مالافيكا جين بمباويل -

هناك ما يقرب من 1.5 مليار نسمة في العالم غير قادرين على الحصول على الطاقة الكهربائية، وأكثر من نصف هذا العدد في منطقة آسيا والباسيفيكي، ومن المؤسف أن إيجاد أي أنشطة صالحة لتوليد الدخل يكاد يكون مستحيلاً في عالم اليوم من دون الحصول على الطاقة الكهربية.

إن تكنولوجيات الطاقة المتجددة لا تقدر بثمن بالنسبة لهؤلاء الذين يعيشون خارج حدود شبكات الطاقة، وطبقاً لتقديرات شبكة سياسات الطاقة المتجددة للقرن الحادي والعشرين فهناك عشرات الملايين من الأسر الريفية التي تخدمها الطاقة المتجددة في مختلف أنحاء العالم، بيد أن هذا لا يشكل أكثر من نقطة في محيط.

ولكن لماذا لا تصل شبكة الطاقة الكهربية إلى هذه الأسر في المقام الأول؟ كبداية، تعيش هذه الأسر في قرى نائية حيث يصبح توصيل شبكات الطاقة أمراً باهظ التكاليف. وتفتقر الحكومات إلى السبل والدوافع، نتيجة لعجزها عن استرداد التكاليف من القرويين الفقراء، وذلك لأن أسعار الكهرباء المدعومة تؤدي إلى تقلص العائدات إلى حد كبير. وفي بعض الحالات يصبح تمديد الشبكات منطقياً بعد إزالة مثل هذه التشوهات، ولكن حيثما كانت القرى والمساكن في منطقة نائية فإن تمديد الشبكات غير مجدٍ من الناحية الاقتصادية.

وتلجأ هذه الأسر إلى أشكال الوقود التقليدية مثل الخشب والنفط والشموع لأغراض التدفئة والإضاءة، الأمر الذي يؤدي إلى تلوث شديد داخل المساكن، ناهيك عن مخاطر الحريق المزمنة. ولقد أكدت الدراسة تلو الدراسة التأثيرات المدمرة التي يخلفها التلوث داخل المساكن على النساء والأطفال، والموارد المالية المخصصة للصحة العامة. فضلاً عن ذلك فإن أنواع الوقود هذه ليست رخيصة، بل إنها تكلف الأسر المعزولة حصة كبيرة من دخولها.

وتشكل تكنولوجيات الطاقة المتجددة بعيداً عن شبكات الطاقة حلاً قابلاً للتطبيق، وهي تأتي في أشكال مختلفة: أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية، والمولدات الطاقة الكهرومائية الصغيرة، وتربينات الرياح الصغيرة فوق أسطح المساكن، وشبكات الطاقة الصغيرة على مستوى القرى، والتي تستخدم مزيجاً بين المولدات التي تعمل بالديزل ومصادر الطاقة المتجددة المحلية، على سبيل المثال لا الحصر. وتربط أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية لوحة من الخلايا الشمسية بمصابيح النيون، وأجهزة الراديو، بل حتى أجهزة التلفاز، عن طريق بطارية ووحدة تحكم في الحمل. ولقد أشارت إحدى الدراسات التي أجرها البنك الدولي إلى أن نظام الطاقة الشمسية المنزلي الذي ينتج عشرين 'واط' من الممكن أن يقلل من الاستهلاك الشهري من الكيروسين في الأسر الريفية بنحو 15 لترا.

يتساءل العديد من الناس لماذا نستخدم التكنولوجيا الأكثر تكلفة لتزويد أشد الناس فقراً بالطاقة، ذلك أن لوحة الطاقة الشمسية التي تنتج 20 'واط' قد تتكلف ما يقرب من 200 دولار أميركي، وهو مبلغ ضخم بالنسبة لأسرة تكسب 2000 دولار أو أقل سنويا. ولكن مع الاستعانة بالتمويل بالتقسيط فإن التكاليف الشهرية تصبح محتملة، بل قد تنافس الوقود التقليدي، إن تكلفة التأجير الشهرية للوحة الطاقة الشمسية التي تنتج 20 'واط' قد تصل إلى 1.6 دولار شهرياً إذا تم تقسيطها على عشرة أعوام. والواقع أن تكنولوجيات الطاقة المتجددة بعيداً عن شبكات الطاقة تقدم فوائد ملموسة: إضاءة أفضل، وبيئة منزلية آمنة وخالية من الدخان، والفرصة للتواصل مع العالم عبر أجهزة التلفاز والراديو.

كانت الحكومات في البلدان الفقيرة والنامية حريصة على تشجيع مشاريع توزيع الطاقة المتجددة خارج شبكات الطاقة لعقود من الزمان، وكان ذلك بدعم من المؤسسات المتعددة الأطراف، وبرامج المساعدات الثنائية، أو المنظمات غير الحكومية. ولقد ظل القطاع الخاص بعيداً عن المشاركة، وذلك بسبب طول فترة استرداد التكاليف، وصغر حجم السوق، والافتقار إلى الائتمان الاستهلاكي.

بيد أن طبيعة هذه المشاريع أصبحت في تغير الآن، لقد أدى التأثير المنهك غالباً لنموذج المساعدات الخارجية التقليدي في القطاع الخاص الناشئ في البلدان النامية إلى إعادة النظر في هذه النموذج برمته. فالمشروعات الجديدة أكثر توجهاً نحو السوق، حيث تركز الجهات المانحة على التحول التدريجي نحو بناء قدرات المؤسسات التنظيمية والفنية المحلية، وتعزيز موقف شركات القطاع الخاص القائمة في خدمة السوق.

كان مثل هذا النموذج على وجه التحديد هو الذي أدى إلى ظهور معيار 'الشمس الذهبية' للوحات الطاقة الشمسية الشهير للبنك الدولي في الصين، والذي ركز على نحو غير متناسب على تعزيز المؤسسات التقنية، وكثيراً ما يُنسَب الفضل إلى هذا المشروع في ازدهار تصنيع اللوحات الشمسية في الصين، التي تفوقت على ألمانيا والولايات المتحدة بوصفها أكبر منتج للوحات الشمسية على مستوى العالم.

هناك سبل عديدة لكهربة الريف باستخدام تكنولوجيات الطاقة المتجددة، وبوسع الحكومات أن تختار بين التكنولوجيات المناسبة لمستوى المساكن أو المناسبة لمستوى القرى؛ وأن تشرك الجهات المانحة للمساعدات أو تستعين بسبل أخرى للتمويل؛ وأن تقدم إعانات الدعم لتشجيع مقاولي القطاع الخاص أو منح امتيازات خدمات الطاقة للمرافق القائمة؛ وأن تؤجر المعدات من خلال توفير الائتمان الاستهلاكي أو بيعها بنظام الدفعة المقدمة.

ومن الأهمية بمكان في هذا السياق أن ندرك أن الأمر يشتمل على طيف واسع من الخيارات المتاحة، وأن الجهود لابد أن تصعد على نطاق واسع، ففي الهند وحدها يفتقر كل شخص من ثلاثة إلى القدرة على الوصول إلى الطاقة الكهربية، وإذا كنا راغبين في تجنب عزل المجتمعات وضمان النمو الاقتصادي الشامل، فيتعين علينا أن نبدأ بالأساسيات.

*نقلا عن صحيفة "الجريدة" الكويتية.