أوروبا تشهد أخطر انكماش في 50 عاماً خلال 2010
الخميس, 16-ديسمبر-2010
الميثاق إنفو -
كان العام 2010 كارثياً بالنسبة لأوروبا على الصعيد الاقتصادي مع الأزمة المالية التي حلت باليونان وأيرلندا، واستوجبت إقرار خطتي إنقاذ للبلدين، تقابلهما خطتا تقشف، ما أرغم منطقة اليورو على بدء حملة إصلاح معمقة لتخطي المحنة.

وأعلنت أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، ملخصة الوضع، إن "فشل اليورو، فإن أوروبا هي التي ستفشل".

والواقع أن الأزمة مستمرة منذ العام 2008.

وبدأت الأزمة مصرفية ومالية، وقد صدرتها الولايات المتحدة إلى أوروبا، إثر إفلاس مصرف "ليمان براذرز"، ثم تحولت إلى أزمة اقتصادية مع حصول أخطر انكماش اقتصادي عرفته أوروبا منذ العام 1945، واتخذت هذه السنة منحى مالياً واجتماعياً تحت تأثير تزايد العجز في الموازنات والديون، فارضة على جميع البلدان ضبط النفقات.

والتقشف على أشده في اليونان التي وصلت إلى شفير الإفلاس، وفي أيرلندا، حيث تم الحد من المساعدات الاجتماعية، وخفض أجور موظفي الدولة وزيادة الضرائب.

وهو الثمن المتوجب تسديده للحصول على مساعدة الاتحاد الأوروبي و"صندوق النقد الدولي" اللذين خصصا قروضاً بقيمة 110 مليارات يورو لليونان في مايو، وقروضاً بقيمة 85 مليار يورو لأيرلندا في نوفمبر. وفي هذه الأثناء، تراقب الأسواق الدول المرشحة لانتقال العدوى إليها، وفي طليعتها البرتغال وإسبانيا.

وهذه الأزمة جاءت بمثابة صفعة قوية لأوروبا، التي تشعر بتراجعها إزاء القوى الناشئة. فـ"صندوق النقد الدولي" لم يهرع هذه المرة لمساعدة دول مثل المكسيك والأرجنتين وإندونيسيا، بل دول أوروبية.

وفي سياق البحث في التطورات التي أوصلت الأمور إلى هذا الحد، يشار إلى أن المساعدات العامة للمصارف التي تسببت بنشوء الأزمة أساساً، تلقي اليوم بثقلها على مالية الدولة.

لكن الأمر لا يقتصر على ذلك، فأوروبا تدفع ثمن تزايد بطيء وثابت في دينها منذ السبعينات وانتهاء مرحلة النمو الاقتصادي القوي في الفترة ما بين 1945 و1974، وهي منذ ذلك الحين تقترض للحفاظ على مستواها المعيشي.

وقال دبلوماسي أوروبي إن "الأسواق أعطت إشارة بانتهاء العطلة".

وبعد الأزمة الاجتماعية التي ظهرت جلياً في بلدان عدة مع التظاهرات العنيفة في لندن ضد رفع الأقساط المدرسية والجامعية وإحراق مصرف في مايو في اليونان، ما تسبب في سقوط قتلى والاضطرابات حول إصلاح النظام التقاعدي في فرنسا، من المحتمل أن تقضي المرحلة المقبلة بقيام أزمة سياسية.

وقال جاك دولور، الرئيس السابق الفرنسي للمفوضية الأوروبية، مبدياً قلقه أن "أوروبا تتراخى، وتعبرها تيارات شعبوية وقومية".

وفي هذا السياق، يسجل بروز اليمين المتطرف مع تحقيقه اختراقاً تاريخياً في السويد عام 2010، وتقدماً في دول مثل هولندا والمجر.

ويبدي المسؤولون الألمان في الجلسات الخاصة مخاوف من أن يغتنم الشعبويون أزمة اليورو في بلادهم أيضاً، ويستفيدون من المعارضة الشعبية المتزايدة لدفع ديون دول الجوار.

وسعياً منها لتجنب التفكك، باشرت منطقة اليورو، التي تعتبر من أبرز مشاريع الاتحاد الأوروبي، عملية تحول من أجل إصلاح نقاط الخلل المتوارثة منذ تأسيسها، من خلال إقرار إصلاحات لم تكن لتخطر على بال أحد قبل فترة قصيرة.

وقام "الاتحاد النقدي" بإزالة الحاجز الألماني الذي كان يمنع أي آلية تضامن مالي بين الدول، وتم إقرار صندوق إنقاذ بقيمة 750 مليار يورو بشكل عاجل في مايو، في ختام سباق ضد الساعة لإنقاذ اليورو.

وسيتم تثبيت هذا الصندوق من خلال تغيير للمعاهدة الأوروبية يبدأ العام المقبل. كما سيتم تشديد شروط الانضباط في الموازنة. وستلزم الدول الأوروبية اعتباراً من العام 2011 بالحصول على موافقة بروكسل على مشاريع موازناتها الوطنية قبل طرحها على البرلمان لإقرارها، ما يعتبر بمثابة ثورة حقيقية. وسيترافق هذا الشرط مع تشديد العقوبات بحق الدول المتساهلة بهذا الصدد. وبعدما اعتبر لفترة طويلة من المحرمات، بدأت ملامح اتحاد مالي تلوح في قلب القارة العجوز.

وكتب دومينيك هيرليمان، الباحث في معهد بيرتلسمان، في دراسة قبل أشهر قليلة كانت قلة من أنصار أوروبا المتحمسين يجازفون بالكلام عن "الولايات المتحدة الأوروبية"، غير أن الاتحاد الأوروبي بات اليوم قريباً من هذا المشروع، ليس بدافع المثالية، بل بدافع الضرورة وتحت ضغط الأحداث". 



صحيفة العرب