في الاتهام الأمريكي للصين بالتلاعب بأسعار الصرف
الأحد, 31-أكتوبر-2010
محمد الصياد -

أصدر مجلس النواب الأمريكي 29 سبتمبر/أيلول 2010 تشريعاً خول بموجبه الرئيس الأمريكي باراك أوباما اعتبار العملات المقومة أسعار صرفها بأقل من قيمتها الحقيقية دعماً للصادرات غير مشروع (illegal export subsidy) .

والمستهدف بهذا التشريع هو اليوان الصيني الذي درج الساسة الأمريكيون ومنهم الرئيس أوباما على اتهام السلطات الصينية بخفض قيمته عمداً لزيادة الصادرات الصينية للأسواق العالمية ومنها السوق الأمريكية .

ويفتح هذا التشريع الطريق أمام الرئيس أوباما لفرض عقوبات تجارية على الصين التي تتهمها واشنطن ليس بالتلاعب بأسعار صرف العملات وحسب، وإنما بعدم إظهار أي استعداد للتعاون في مجال التوصل إلى اتفاق عالمي حول التغيرات المناخية لما بعد انتهاء أمد بروتوكول كيوتو في عام ،2012 إضافة إلى تبرم الولايات المتحدة وعدم ارتياحها من تنامي علاقات الصين مع بلدان القارة الإفريقية في مجال الطاقة والذي اعتبرته بكين بأنه تعاون جنوب - جنوب بنّاء ومثمراً أفادت منه بلدان إفريقية بأمس الحاجة للتنمية الشاملة، وأنها تستثمر أموالاً لفائدة الشعوب .

وبموجب نص القانون، تقوم الخزانة الأمريكية بتحديد الدول التي تتعمد تخفيض قيمة عملتها، فتجري “مشاورات فورية” مع هذه الدول، على أن تتولى وزارة التجارة لاحقاً التحقيق في العملات التي يعتقد أنها مُخَفضة القيمة . وينص مشروع القانون على رد متدرج عند الاشتباه بحصول تلاعب في سعر العملات . وفي مرحلة أولى، يحرم البلد المدرج على قائمة وزارة الخزانة من تسمية “اقتصاد السوق” في إطار القوانين الأمريكية المضادة لإغراق الأسواق، ما ينعكس على صادراته . . وهكذا وصولاً إلى حظر استيراد منتجات هذه الدولة .

كما يفتح التشريع الباب أمام قيام السلطات الأمريكية بفرض ضرائب جمركية إضافية على الواردات الصينية من أجل وضع حد للميزة السعرية النسبية للصين في السوق الأمريكية . ولكن مشروع القانون ينتظر مصادقة مجلس الشيوخ عليه، وهو لن يحدث قبل انتخابات الكونغرس في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل .


على أي حال، رئيس غرفة التجارة الأمريكية في الصين جون واتكنس انتقد هذا التشريع، وقال إن من شأنه زيادة عجز الميزان التجاري الأمريكي وليس خفضه، حيث سيتحول الإنتاج الصيني إلى أسواق أقل كلفة إنتاجية ويصعب الأمر على الصادرات الأمريكية ويتسبب في زيادة البطالة .

بالمقابل فإن الصين التي انتقدت التشريع الأمريكي ورفضته قالت على لسان رئيس مجلس الدولة “ون جياباو” إن الدولار الأمريكي غير المستقر يشكل مصدر قلق بالغ لأصول النقد الأجنبية في الصين، وناشد الحكومة الأمريكية باتخاذ إجراءات لطمأنة المستثمرين الأجانب في سندات الخزانة الخاصة بها، واعتبر أن الجهود التي بذلتها الصين للحفاظ على اليوان لعبت دوراً مهماً في الخروج من الأزمة المالية العالمية، مستشهداً في ذلك بما قررته بهذا الصدد محطة سي .إن .إن التلفزيونية الأمريكية .

وكما هو معلوم فإن الصين قامت في التاسع عشر من يونيو/ حزيران الماضي برفع سعر صرف عملتها الوطنية “رينمينبي”(Renminbi-RMB) أو “اليوان” أو كما قال البنك المركزي الصيني في بيانه بهذا الخصوص 19 يونيو/حزيران الماضي بأنه سوف يزيد من جرعة مرونة سعر صرف اليوان، وهي سياسة اتبعها البنك منذ عام 2005 وترمي إلى الرفع التدريجي لقيمة العملة الصينية مقابل الدولار والعملات العالمية الأخرى .

وكانت الصين قد تحولت اعتباراً من أول يوليو/تموز 2005 إلى نظام سعر الصرف العائم والموجه في نفس الوقت

(Managed Floating Exchange Rate Regime) على أساس العرض والطلب في السوق وهي سياسة أثبتت نجاعتها في تحقيق رفع متدرج للعملة الصينية نسبته 21% .

وبموجب التصحيح الأخير لسعر صرف اليوان الذي أعلنه البنك المركزي الصيني يوم التاسع عشر من يونيه/حزيران الماضي فقد تم تحديد سعر صرفه مقابل الدولار ب 7890 .6 بعد أن كان 8275 .،6 بزيادة قدرها 43 .0% .

وأُعطي “اليوان” هامش تأرجح صعوداً وهبوطاً في سوق القطع الأجنبي الصيني نسبته 5 .0% في اليوم الواحد من التداول . وأُبقي على سلة العملات التي تم ربطه بها منذ عام 2005 وهي الدولار الأمريكي واليورو والين الياباني ودولار هونغ كونغ والجنيه الاسترليني وال “رينجيت” الماليزي .

ومع ذلك فإن هذه الخطوة الصينية لم تُرضِ واشنطن التي تعاني معاناة شديدة جراء غرقها في وحل أزمة عجوزاتها المالية ومديونيتها العامة .

فلقد جدد تيموثي جيثنار وزير الخزانة الأمريكية انتقاداته للصين معتبراً أن هذه الزيادة التي أحدثتها الصين في قيمة عملتها غير كافية . ومن الواضح أن واشنطن تسعى للحصول على تنازل من الصين بإيقاع رفع ملموس في قيمة اليوان على غرار التنازل الذي قدمته اليابان للولايات المتحدة في عام 1985 والذي قضى برفع قيمة الين بنسبة “معقولة”، وهو ما ترفضه الصين لأنها ليست اليابان على حد قول “لي داوكيو” المستشار لدى البنك المركزي الصيني .

وبالمناسبة فإن بنك اليابان المركزي الذي يشعر أن عملة بلاده “الين” تتعرض لضغوط شديدة من الدولار، لم يتردد في التدخل في أسواق العملات لشراء الدولار بهدف إحداث طلب اصطناعي عليه لوقف تدهوره مقابل الين بما يضر بالقدرة التنافسية لسلع التصدير اليابانية . ومع ذلك لم تستدع تدخلات البنك المركزي الياباني أي ردة فعل غاضبة من واشنطن كما هو حادث مع الصين . فلأول مرة منذ ست سنوات يضطر بنك اليابان المركزي للتدخل في سوق العملات وذلك منذ الخامس عشر من سبتمبر/ أيلول الماضي، بسبب صعود الين بصورة مطردة مقابل الدولار، ما يهدد بتقويض انتعاش الاقتصاد الياباني القائم على التصدير من أسوأ ركود يتعرض له منذ عقود .

في حالة الصين، الولايات المتحدة تريد من الصين رفع قيمة عملتها بما يتراوح بين 20%-40% (هذا ما يراه بعض أعضاء مجلس النواب الأمريكي المزايدين على بعضهم بعضاً في الوطنية الأمريكية) .

رئيس وزراء الصين “وين جيابو” علق على ذلك وهو يخاطب الأوروبيين ويطالبهم بعدم الانضمام للأمريكيين في حملتهم على سعر صرف العملة الصينية - قائلاً: “إذا ما زاد سعر صرف اليوان بما بين 20%-40%، فإن ذلك سيدفع الكثير من الشركات الصينية إلى الإفلاس وسيحيل الملايين في الصين على البطالة وسيثير اضطرابات اجتماعية .

طوال الأسابيع القليلة الماضية سعت الولايات المتحدة جاهدة من أجل تدويل قضية فروقات أسعار الصرف وتحديداً سعر صرف اليوان الصيني، حيث تتهم واشنطن بكين بأنها تتعمد ضبط مستواه وعدم السماح له بالارتفاع فعملت على الزج بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي واجتماعهما نصف السنوي المشترك في الموضوع وطرحه للنقاش العام

*عن" الخليج" الاماراتية