عبث اميركي بمسرح الجريمة العراقية
الخميس, 28-أكتوبر-2010
العلم العراقي والرمز الامريكي
فيصل جلول - ابتهج كثيرون بنشر الاف الوثائق الاميركية عن حرب العراق. البعض استدل بهذه المبادرة على رقي نفتقر اليه نحن العرب والبعض الاخر ذهب في الاتجاه الذي اراده مسربو الوثائق ومن حسن الحظ ان قلة محدودة من المعلقين ارتابت جزئيا او كليا وقرأت هذه المبادرة بالطريقة التي تستحقها. لا يعول كثيرا على كتابات درجت على حشرنا في مقارنة سلوكية مع الغربيين للوصول استنتاج قاطع بانهم متحضرون وباننا على تخلف مقيم. لقد بات هذا النوع من المقارنات مثيرا للضجر وهو ينتمي الى مدرسة شاخت وانفضت عنها النخب الا بعض من شاخوا على افكار "التحضير والتحديث" بواسطة الغرب او على الطريقة الغربية والراجح أن هؤلاء لا يجدون اليوم او قد لا يجدون قريبا من يخاطبونه. اما الاغلبية المعتبرة من الناس فهم الذين فرجت هذه المبادرة عن كربهم وصبت الماء في طاحونتهم وهؤلاء ينظرون الى الوثائق المنشورة بوصفها ادلة على طائفية نوري المالكي وجماعته وعلى تدخل ايران السافر في الشؤون الداخلية العراقية ناهيك عن ان الوثائق بالنسبة لهؤلاء هي مدعاة للشماتة بـ"الذين جاءوا مع المحتل الاميركي" فإذا به يفضح ممارساتهم الطائفية ويلقي الضوء على جرائمهم البشعة الممتدة من التعذيب وحتى القتل العمد بدم بارد مرورا بالخطف والاخفاء والتصفية.. ألخ. ولو اريد بالفعل ذات يوم مقاضاة هؤلاء فستشكل الوثائق المنشورة ادلة اكثر من كافية على ارتكابهم جرائم ضد الانسانية. واذ تركت الوثائق كل هذا الاثر في نفوس الاكثرية الساحقة من الناس فهي قد وصلت الى الغرض الاول من نشرها اما الاغراض الاخرى فهي في اصل ارتياب قلة من العراقيين والعرب المتابعين عن كثب للشأن العراقي ومن بينهم كاتب هذه السطور. دواعي الشك في هذه المبادرة كثيرة ابرزها صعوبة تسريب الاف الوثائق من ارشيف الدولة الاعظم دون تواطؤ منها وهي لو لم ترغب بذلك لما تسربت وثيقة واحدة والسبب الثاني وربما الاهم يكمن في تنظيم الحرب الاهلية العراقية عبر قواعد البيانات والوثائق فالنظام السابق نشرت وثائقه واستخرجت منها اعمال التعذيب والمقابر الجماعية المزعومة والنظام الحالي صار لديه ما يكفي من المقابر الجماعية ووسائل التعذيب. وان انتقم هذا الفريق من مؤيدي النظام السابق فسينتقم هؤلاء من هذا الفريق ساعة تتوفر لهم الفرصة المناسبة وفي هذه الحالة يدخل العراقيون وقد دخلوا مع الاسف في حروب انتقامية وطائفية مالها الفناء وبذلك يرتاح المحتل بل ينتصر هو ومن يشد على يده من حكامنا "المعظمين". واذ كان النظام العراقي السابق يتهم معارضيه بالعمالة لايران فهي هي الوثائق تشير الى ما يرغب به انصاره وها هو قسم معتبر من العراقيين قد دخل في قطيعة مع الجمهورية الاسلامية لا يعرف احد الى متى تدوم وكيف تدار وفي هذا الوقت يكون المحتل قد غسل يديه بواسطة الوثائق الجزئية من الجريمة العراقية الكبرى وادخل في روع العراقيين والسذج من العرب ان ما اتاه هو مجموعة من التجاوزات التي تستحق المحاكمة والادانة وليس جريمة قتل بلد بكامله في وضح النهار وتنظيم مقاتل ابنائه الى اجل غير مسمى. ثمة من يقول ان خير العراقيين منهم وشرهم منهم وبالتالي فهم يتحملون المسؤولية عما اصابهم وليس المحتل, وهذا القول صحيح جزئيا قبل احتلال بغداد عام 2003 فمنذ ذلك التاريخ لم يفعل المحتل الاميركي غير تهديم الروابط بين العراقيين وتنظيم الحرب الاهلية في صفوفهم مستندا الى ثقافتهم السياسية الضعفية وغير الوقائية. واذ نجح بوش في تهديم العراق وقتل عشرة بالمئة من ابنائه فها هو اوباما ينسحب من بلاد الرافدين وسط غيوم من الوثائق التي تقول لمن يرغب بالانتقام من العراقيين الذين ظلمهم المحتل "مشكلكتم مع المالكي ومع ايران" وليس مع من جاء بالمالكي وتعاون مع ايران على تقاسم النفوذ في بلد محتل. ولعل قمة المأساة هي في ان الغالبية تمتدح الوثائق وتسبح بحمدها.. يا للفاجعة. المصدر : ميدل ايست اونلاين