كيف نمنع حرب العملة؟
الأربعاء, 20-أكتوبر-2010
باري إيتشنجرين؛ دوجلاس أروين -

بعد مرور ثلاثة أعوام منذ اندلعت الأزمة المالية، فقد يتصور المرء أن العالم بات بوسعه أن يضع القياس على أزمة الكساد الأعظم (في ثلاثينيات القرن العشرين) وراء ظهره، لكن يبدو أن هذه القياسات عادت إلى الظهور من جديد، وبقوة أعظم من أي وقت مضى. فالآن ظهرت مخاوف جديدة من أن تؤدي حرب العملة إلى فرض التعريفات الجمركية والعمليات الانتقامية، وبالتالي فقد تتسبب في زعزعة أركان النظام التجاري العالمي على نحو لا يقل خطورة عما حدث في الثلاثينيات.

وهناك سبب وجيه للانزعاج، ذلك أن تجربة الثلاثينيات تشير إلى أن الصراعات التي تدور حول أسعار الصرف قد تكون أشد خطورة من فترات الركود العميق من حيث توليد الضغوط الحمائية.

والواقع أن الميل إلى زيادة التعريفات الجمركية وتشديد نظام الحصص في الثلاثينيات لم يأت من جانب أشد البلدان تضررا بالانحدار الاقتصادي وصاحبة أعلى معدلات البطالة. وبالمقارنة بين البلدان، فلن نجد أي علاقة بين عمق ومدة الانهيار في الناتج وارتفاع مستويات الحماية، أو بين حجم ارتفاع معدلات البطالة ومدى الإجراءات الحمائية.

وهناك في واقع الأمر سبب واضح ومباشر يفسر لنا لماذا لم تكن البلدان الأشد تضررا في الثلاثينيات هي الأكثر ميلا إلى الاستجابة بحماية الصناعات من المنافسة الأجنبية. ولقد شهدت بداية الركود الأعظم (الأزمة الحالية) انهيار الطلب، وهو ما أدى بدوره إلى هبوط حاد في الواردات. ونتيجة لهذا، انخفضت مستويات تغلغل الواردات بشكل حاد في واقع الأمر، في كل البلدان تقريبا. وكان المنتجون يواجهون عديدا من المشكلات بكل تأكيد، لكن المنافسة المتمثلة في الواردات كانت الأقل خطرا بين هذه المشكلات.

ولقد حدث الشيء نفسه هذه المرة: فحين اكتسبت الأزمة نطاقا عالميا أثناء الفترة 2008/2009، هبطت الواردات بشكل أسرع من هبوط الناتج. وفي ظل انحدار التجارة، أصبحت المنافسة الأجنبية تمثل مشكلة أقل خطورة بالنسبة إلى القطاعات الحساسة للواردات. ونتيجة لهذا كان اللجوء إلى تدابير الحماية محدودا. وطبقا لتقديرات البنك الدولي فإن 2 في المائة فقط من الانحدار في التجارة أثناء الأزمة كان راجعا إلى ارتفاع تدابير الحماية. أما في الثلاثينيات فإن نصف الانحدار تقريبا في التجارة العالمية كان راجعا إلى تدابير الحماية.

ولكن ما السبب وراء هذا الاختلاف اليوم؟

السبب ببساطة هو صراعات العملة. ففي الثلاثينيات كانت البلدان الأكثر زيادة للتعريفات الجمركية وتشديدا للحصص هي تلك البلدان الأقل قدرة على إدارة أسعار الصرف لديها - وهي بالتحديد البلدان التي استمرت في استخدام معيار الذهب. وفي عام 1931، بعد أن علقت بريطانيا ونحو 20 دولة أخرى قابلية تحويل عملاتها إلى ذهب وسمحت بانخفاض قيمة عملاتها، وجدت البلدان التي التزمت بمعيار الذهب نفسها وقد وقعت تحت ضغوط انكماشية. وفي محاولة يائسة للقيام بشيء ـــ أي شيء ـــ لحماية اقتصادها، تحولت هذه البلدان إلى تدابير الحماية، ففرضت رسوما على ''إغراق سعر الصرف''، وحصص استيراد بهدف تعويض الخسائر في القدرة التنافسية نتيجة لقيمة عملاتها المبالغ في تقديرها على نحو متزايد.

ولكن القيود التجارية كانت بديلا ضعيفا للتدابير المحلية المتمثلة في توسيع الناتج الاقتصادي من خلال السياسة النقدية أو المالية، كما كان تأثيرها هزيلا فيما يتصل بوقف دوامة الانحدار في الناتج والأسعار. ولم تفعل أي شيء فيما يتصل بالحفاظ على استقرار الأنظمة المصرفية الواهنة. وفي المقابل، فإن البلدان التي خففت السياسات النقدية ولجأت إلى توسيع الناتج لم تتمكن من تثبيت استقرار أنظمتها المالية واستعادة العافية بشكل أسرع فحسب، بل نجحت أيضا في تجنب تدابير الحماية في ذلك الوقت.

واليوم أصبحت الولايات المتحدة في موقف البلدان التي التزمت بمعيار الذهب في الثلاثينيات. فهي غير قادرة على ضبط مستوى الدولار في مقابل الرنمينبي الصيني من جانب واحدة. وما زال نمو العمالة مخيبا للآمال، ولم تتبدد المخاوف من الانكماش. وفي ظل غياب الأدوات الأخرى اللازمة للتصدي لهذه المشكلات فقد أصبحت الضغوط الدافعة إلى الاستجابة الحمائية في ازدياد.

ما العمل إذن لمعالجة هذا الوضع من دون اللجوء إلى سياسات الاستفادة على حساب الآخرين، وفرض التدابير الانتقامية؟ أثناء انكماش الثلاثينيات كانت الوسيلة الأكثر أهمية التي قد تتمكن بها البلدان من إخضاع الضغوط الحمائية تتلخص في استخدام السياسة النقدية بشكل نشط بهدف دفع مستوى الأسعار وتحفيز التعافي الاقتصادي. ويصدق الأمر نفسه اليوم. فإذا كان للمخاوف من الانكماش أن تنحسر، وإذا كان لمستويات الناتج ومعدلات تشغيل العمالة أن تنمو بشكل أكثر قوة ونشاطا، فإن الضغوط الدافعة إلى الاستجابة الحمائية ستتبدد.

وهذا يعني إذن أن الطرف الشرير ليس الصين، بل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي تقاعس عن استخدام كل الأدوات المتاحة لقهر الانكماش وتحفيز نمو تشغيل العمالة. والواقع أن القيام بهذا من شأنه أن يساعد في التخفيف من الضغوط في الكونجرس لإلقاء اللائمة على أي طرف أيا كان ـــ الصين في هذه الحالة ـــ عن التعافي من دون القدرة على توفير فرص عمل جديدة. ويتعين على بنك الاحتياطي الفيدرالي الآن أن يبدأ من حيث انتهى بنك اليابان.

وبطبيعة الحال، في ظل ربط الصين عملتها بالدولار، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيعمل في واقع الأمر على توسيع الناتج الصيني وليس الناتج الأمريكي فقط، لكن هذا في حدود قدراته. ذلك أن اقتصاد الصين لا يزال يشكل جزءا بسيطا من حجم اقتصاد الولايات المتحدة، والواقع أن قدرة بنك الاحتياطي الفيدرالي على توسيع قوائمه المالية غير محدودة.

وقد لا تسعد هذه النتيجة الصين؛ فالتضخم هناك أعلى من المستوى المريح بالفعل، لكن مما يدعو إلى التفاؤل أن الحكومة الصينية لديها حل جاهز لهذه المشكلة: فبوسعها أن تسمح لقيمة عملتها بالارتفاع.

*نقلا عن صحيفة ''الاقتصادية'' السعودية.