الأزمة.. نشأتها وتطورها وسبل الخروج منها
السبت, 16-أكتوبر-2010
إبراهيم شكري دبدوب -
لا تزال الأزمة الاقتصادية تهيمن على المسرح العالمي بشكل عام، مع أنها دخلت عامها الثالث. ومن حسن حظنا أن العالم العربي إلى جانب العديد من الدول النامية تجنب، حتى الآن وإلى حد ما، التدهور الحاد الذي أصاب معظم الدول الصناعية سواء من الناحية الاقتصادية أو المالية. لكن بقيت هناك بعض الآثار السلبية التي أدت إلى تباطؤ نمو الاقتصادات العربية في العام الماضي. وكانت هذه الآثار أكثر حدة في منطقة الخليج لكونها أكثر ارتباطا مع الأسواق العالمية عبر قناتين رئيسيتين، هما النفط والتدفقات النقدية.
صحيح أن الاقتصاد العالمي قد تجاوز الفترة الأكثر حرجا، أي تجاوز سيناريو الانهيار، لكن التحديات ما زالت ماثلة، وكذلك تداعياتها المحتملة على منطقتنا. وإذا ما نظرنا إلى هذه التحديات لوجدنا وراءها الاختلالات الهيكلية التي كانت أصلا من الأسباب الرئيسية للأزمة. وهذا يعني أن خطط الإنقاذ والإصلاحات التي تم تنفيذها حتى الآن لم تعالج المرض الاقتصادي الذي تعاني منه معظم الدول المتقدمة من جذوره، بل كانت أشبه بالإسعافات الأولية. وأفضل تشخيص لهذا المرض في نظري هو: 1 - عدم تبني الحكومات لسياسات مالية متوازنة وتراكم الديون السيادية بسبب حالة العجز المستدام في ميزانياتها، وما يرافقه عادة من عجوزات في موازين التجارة الخارجية. 2 - تبني سياسات نقدية توسعية مما رفع معدلات السيولة والإقراض لمستويات غير حكيمة. 3 - عجز السلطات الرقابية عن تنظيم الأنشطة المالية وإدارة المخاطر لدى المؤسسات المالية بشكل فعال، ربما لافتقادها للمهارات في مجال الخدمات والمنتجات المبتكرة التي انتشرت بشكل واسع والتي لا يفهمها إلا العدد القليل حتى داخل المؤسسات التي تقدمها. 4 - عدم التركيز الكافي على الاستثمار في البنى التحتية ورفع معدلات الإنتاجية، والسماح للنزعات الاستهلاكية بأن تطغى على الاقتصاد بحيث لم يبق هنالك توازن بين دخل الفرد والتزاماته الائتمانية.
لقد تسرع البعض بالحكم على أن الأزمة انتهت وأن مرحلة التعافي قد ابتدأت. إذ رغم نجاح السلطات النقدية حول العالم باستعادة الاستقرار في الأسواق المالية من خلال التعاون وتنسيق خطواتها، لا سيما في ما بين الدول الكبرى، كانت الوسيلة الأساسية لتحقيق هذا الاستقرار أن تضخ السلطات الحكومية أموالا ضخمة في بنوكها وأسواقها المالية من خلال شراء شتى أنواع الأصول أو تقديم قروض مباشرة للمؤسسات الضخمة التي قد تؤثر بالنظام المالي أو الاقتصاد المحلي. الحل كان أن تستبدل هذه الدول القروض المعدومة لدى مؤسساتها المالية بقروض سيادية. ولكن ساهم هذا الوضع في ارتفاع حجم الدين العام لدى العديد من هذه الدول لمستويات مقلقة ومن ثم برزت مشكلة الديون السيادية في اليونان وايرلندا والبرتغال وامتدت بعدها لتمس اليابان وأميركا. ومنذ منتصف العام الحالي بدأت المؤشرات الاقتصادية في الدول المتقدمة، لا سيما في الولايات المتحدة، تتدهور على أكثر من صعيد.
ومن هنا جاءت المعضلة: إذ تفرض الأسواق المالية على الدول التي تعاني من مشكلة القروض السيادية أن تخفض من حجم إنفاقها العام، في حين يتطلب ارتفاع معدلات البطالة لديها ووضعها الاقتصادي المتراجع عكس ذلك، أي يتطلب المزيد من الإنفاق العام. ويبقى أمام هذه الدول خيارات ضعيفة: إما خفض سعر صرف عملاتها أو السماح لمعدل التضخم بالارتفاع.
وما يزيد الأمور تردياً ما نراه مؤخراً من تراجع روح التعاون والتنسيق بين الدول في رسم خططها للخروج من الأزمة، ليحل محلها التركيز على أولويات محلية قد تخدمها على المدى القصير، إلا أنها ستؤدي لنزاعات تهدد استقرار الاقتصاد العالمي على المدى الطويل. وقد سلط الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، الذي تم عقده في نهاية الأسبوع الماضي، الضوء على هذه التوترات، وحذر من نشوب حروب تجارية وحروب عملات بحيث تلجأ كل دولة الى خفض سعر عملتها لترفع صادراتها، أو تحمي منتجاتها المحلية. وحاليا تضغط الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية وغيرها من الدول الناشئة على الصين لرفع سعر صرف اليوان، بهدف خفض الفجوة الكبيرة في الميزان التجاري وتحفيز الطلب المحلي لديها عوضا عن الاعتماد على الصادرات كمحرك أساسي لنموها. وقد قامت كل من اليابان وكوريا الجنوبية والبرازيل اخيرا باتخاذ اجراءات جديدة لتضعف من سعر عملاتها، كما ساهم اعلان البنك الفدرالي الاميركي عن برنامج التسهيل النقدي الكمي (أي ضخ سيولة جديدة في السوق) في خفض سعر الدولار. ومهما كان الحل الذي تتبناه هذه الدول لمعالجة الاختلالات لديها، فان وتيرة النمو في شتى أنحاء العالم ستبقى منخفضة لسنوات عديدة مقبلة. وكون معظم الدول العربية تربط قيمة عملاتها بالدولار، فلا بد أن نتأثر بحروب العملات، داعيا الله ألا نتعرض لحروب من نوع آخر.
ماذا يتوجب على الدول العربية أن تفعله؟
اذا كيف نحصن اقتصاداتنا خلال هذه الفترة؟ في الحقيقة الجواب لا يختلف عما يجب على الدول المتقدمة أن تفعله، وهو التركيز على الاصلاحات الهيكيلية التي من شأنها تعزيز التنمية والنمو، والاستثمار في البنى التحتية والتعليم وتأهيل القوى العاملة في المجالات المعرفية، مع الحفاظ على أساسيات مالية صلبة. وهذا من شأنه زيادة جاذبية دولنا للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء، واللحاق بالاقتصادات النامية الناجحة مثل الصين والهند والبرازيل وروسيا وسنغافورة وكوريا. اذ انه من المعيب أن تتأخر دولنا في معدلات نموها عن الدول النامية الأخرى. صحيح أن الدول العربية قد حققت تقدما في جذب الاستثمار الأجنبي في العقد الماضي، الا أن الاستثمارات البينية المباشرة بين الدول العربية شكلت نحو ثلثي الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم العربي، واستأثرت دول الخليج بالجزء الأكبر منه. وبايجاز أرى أنه بامكاننا أن نغير هذا الواقع نحو الأفضل من خلال التوجهات التالية:
1 - أولا، يجب أن نطور ونفعل دور القطاع الخاص. فهيمنة القطاع العام لعقود طويلة مضت لم تثمر الكثير، بل ادت الى خنق الابداع وخفض الأداء والانتاجية. وبالتالي، علينا أن ندفع قدما بالاصلاحات والتخصيص وتطوير المؤسسات. أما القطاع العام فيجب أن يركز استثماراته محليا في البنى التحتية وتطوير مؤسساته وتطوير التعليم.
2 - ثانيا، علينا مواكبة تيار العولمة ان كان من ناحية التكنولوجيا والاتصالات والمعلوماتية والمعرفة، أو حرية حركة الأفراد والسلع والخدمات ورأس المال. وبالتالي علينا أن نحسن من تنافسيتنا لنواجه التقلبات والأزمات المستقبلية بشكل أفضل.
3 - ثالثا، التعليم: ان برامج تعليمنا متخلفة وهي تعتمد على الكمية لا النوعية. علينا اذا اصلاح أنظمتنا ومناهجنا التعليمية لخلق طاقات بشرية قادرة على تبني فكر مستقل والابداع وابتكار الحلول. وعلى مجتمع الأعمال أن يلعب دورا في ذلك على جميع مستويات التعليم، لا سيما في مجال الادارة والأبحاث والتطوير.
ومن خلال التعليم أرى فرصا كبيرة لتعزيز التعاون العربي المشترك والتجارة البينية، حيث سيصبح هنالك مجال أكبر للعمالة العربية الوافدة لتحل مكان العمالة الأجنبية في دول الخليج، علما أن القوى العاملة لدى الدول غير المنتجة للنفط تعد أهم صادراتها. ومن ناحية أخرى يساهم التعليم في تطوير تجارة الخدمات بين الدول العربية، علما أننا حاليا لا نمتلك المعطيات لتطوير القطاعات الصناعية لننافس الدول الصناعية أو حتى الآسيوية.
4 - وأخيرا، على مجتمع الأعمال أن يطور نفسه ويرتقي بمؤسساته وأن يخلق كوادر مهنية محترفة، ويطبق معايير الحوكمة الصحيحة.
اختلالات هيكلية
1.لا سياسات مالية متوازنة
2.قروض ارتفعت إلى مستويات غير حكيمة
3.سلطات رقابية تفتقد المهارات
4.لا تركيز كافيا على الاستثمار بالبنى التحتية
ما على الدول العربية فعله
1.تفعيل دور القطاع الخاص
2. مواكبة العولمة.. لاسيما معلوماتيا ومعرفيا
3. تطوير التعليم نحو النوعية لا الكمية
4. على مجتمع الأعمال زيادة الاحتراف والحوكمة
*نقلا عن صحيفة "القبس" الكويتية.
|