واقع التجارة البينية العربية
السبت, 16-أكتوبر-2010
د.جاسم حسين -

يبدو أن الدول العربية مصممة أكثر من أي وقت مضى على تعزيز العلاقات التجارية البينية فيما بينها, الأمر الذي من شأنه المساهمة في حلحلة ملفات صعبة مثل التنمية والبطالة. والإشارة هنا إلى انعقاد القمة العربية الاستثنائية في مدينة سرت الليبية الأسبوع الماضي, فضلا عن اجتماع وزراء المالية العرب في الكويت في غضون يومين.

ويلاحظ وجود نوع من ترابط بين اجتماعي ليبيا والكويت فيما يخص المصالح الاقتصادية للدول العربية. وربما فرضت القمة العربية السياسية الاستثنائية نفسها كونها سبقت القمة العربية ــ الإفريقية الثانية في مدينة سرت الليبية. ونظرا لجسامة التحديات التي تواجه الأمة العربية لم يكن من الصعب إيجاد سبب مقنع لعقد القمة, حيث تم ربط الأمر بتعثر المفاوضات الفلسطينية ــ الإسرائيلية بسبب مشكلة الاستيطان. وفيما يخص القمة العربية ــ الإفريقية، فقد تمثلت أفضل نتائجها في عقدها مرة كل ثلاث سنوات، حيث من المقرر عقد النسخة الثالثة في الكويت عام 2013.


صندوق لدعم المشاريع

بالنسبة إلى الموضوع الآخر، من المقرر أن يستضيف الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في الكويت المسؤولين العرب لحفل توقيع تدشين صندوق دعم مشاريع القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة وتمويلها في الوطن العربي. لا شك من المنطقي أن تستضيف الكويت حفل التأسيس كونها الدولة التي عرضت تحمل رأسمال المشروع خلال احتضانها النسخة الثانية للقمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية مطلع عام 2009.

يبلغ رأسمال الصندوق مليار دولار، تتحمل الكويت نصف تكلفته. يهدف الصندوق إلى توفير الموارد اللازمة لتمويل ودعم مشاريع القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة من خلال آلية وضوابط ومعايير تقرها الدول المساهمة في هذه المبادرة بما يضمن استدامة عملياتها ويحقق أهدافها المرجوة.

وعلى هذا الأساس، يحمل المشروع أهدافا نبيلة, تشمل دعم وتمويل المشاريع التنموية, الأمر الذي ينصب في خدمة تطوير البنية التحتية في الدول الأكثر حاجة من غيرها. من جملة الأمور، يتوقع أن يسهم الصندوق في توفير التمويل اللازم وبشروط ميسرة لتنفيذ مشاريع تنموية مثل تطوير الموانئ وشبكة الطرق ما يعزز فرص تعزيز العلاقات التجارية بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية.

تتوزع الدول العربية وعددها 22 بلدا على قارتي آسيا وإفريقيا, الأمر الذي يعزز الحاجة إلى توفير الظروف اللازمة بما في ذلك التمويل بشروط ميسرة نسبيا لتنفيذ مشاريع تنموية تخدم هدف ربط الاقتصادات العربية. أملنا أن يسهم الصندوق في توفير التمويل اللازم وبشروط ميسرة لتنفيذ مشاريع تنموية مثل تطوير الموانئ وشبكة الطرق ما يعزز فرص تعزيز العلاقات التجارية بين الدول الأعضاء. نقول ذلك نظرا لوجود مشكلات لوجستية في بعض الدول العربية بسبب معضلات في البنية التحتية, الأمر الذي يحد من فرص التجارة.

إضافة إلى ذلك، يوفر اجتماع الكويت فرصة للوزراء العرب لمتابعة الأمور المرتبطة بتنفيذ المشاريع المشتركة. حقيقة القول، ما زالت التجارة البينية بين الدول العربية دون مستوى الطموح رغم مرور سنوات عدة على دخول مشروع منطقة التجارة الحرة حيز التنفيذ في عام 2005. تشير أفضل الإحصاءات المتوافرة إلى أن التجارة البينية لا تتجاوز في أحسن الأحوال 12 في المائة من تجارة الدول العربية مع العالم.

ويعتقد أن النسبة الكبرى للتجارة العربية بين دول مجلس التعاون الخليجي الست, وهي السعودية، الإمارات، الكويت، قطر، عمان، والبحرين, وذلك على خلفية مضيها قدما في مشاريع تكاملية. فقد بدأت دول مجلس التعاون في تنفيذ مبدأ الاتحاد الجمركي في بداية عام 2003. يلزم مشروع الاتحاد الجمركي الدول الأعضاء بتوحيد سياساتها التجارية مع الدول غير الأعضاء. كما بدأت دول مجلس التعاون في تطبيق مشروع السوق المشتركة في بداية عام 2008, ما يعني إطلاق العنان لقوى الإنتاج بالتحرك دون عراقيل في الدول الست.


تحديات جمة

يعود جانب من هذه النتيجة غير المرضية إلى التأخر النسبي لتطبيق مشروع التجارة الحرة بين الدول العربية. وكانت الدول العربية قد كشفت في عام 1998 عن إقامة منطقة للتجارة الحرة وعلى مدى عشر سنوات. بيد أنه دخل المشروع حيز التنفيذ في عام 2005 بسبب بطء إجراءات المصادقة في بعض الدول العربية.

تشير الإحصاءات المتوافرة والقليلة أصلا إلى أن هناك تجارة محدودة بين الدول العربية، حيث لا توجد تجارة تذكر بين البحرين وموريتانيا، والحال نفسه ينطبق على المغرب وجزر القمر. لكن هناك تجارة قوية نسبيا بين دول مجلس التعاون من جهة والهند من جهة أخرى لأسباب مختلفة منها عامل الجغرافية.

ختاما, تتميز الدول العربية بنمو سكاني مرتفع نسبيا قدره 2.4 في المائة, الأمر الذي يمهد لارتفاع عدد السكان من نحو 340 مليونا إلى 500 مليون نسمة في عام 2025. ومن شأن الزيادة المطردة للسكان الضغط على بعض الدول العربية للبحث عن سبل إبداعية لمواجهة التحديات التي تواجهها, خصوصا إيجاد فرص عمل مناسبة للداخلين الجدد لسوق العمل.

*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.