الاحتلال والفخ الصهيوني
الثلاثاء, 12-أكتوبر-2010
فايز رشيد -


لعبة “إسرائيلية” ذكية عناوينها: فرض الأمر الواقع على الأرض، وجر الفلسطينيين إلى تغيير شعاراتهم وتقليصها، وهكذا تكسب “إسرائيل” المزيد من التنازلات . فقد مضى موعد ما يسمى بتجميد الاستيطان، التزم نتنياهو وحكومته الصمت المطلق، ومثلما يقول المثل العربي: عدم الرد هو رد . بمعنى آخر، فإضافة إلى النشاط الاستيطاني المكثف الذي بدأه المستوطنون صباح السادس والعشرين من سبتمبر/ أيلول الماضي، وكأنهم كانوا يتحفزون لذلك منذ أسابيع وأشهر طويلة، فإن هذا النشاط لم يكن ليتم لولا رضا ومباركة الحكومة “الإسرائيلية” التي أعطت الضوء الأخضر لقادة مجلس المستوطنات لبناء ما يزيد على 50 ألف وحدة سكنية جديدة في مستوطنات الضفة الغربية . في الخمسينات والستينات كان الشعار هو تحرير فلسطين كلها من النهر إلى البحر، ثم تقلص فيما بعد إلى إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام ،1967 ولا نعرف بعد فترة إلى ما سينمسخ إليه هذا الشعار، كذلك الأمر بالنسبة للاستيطان، بداية وقف كامل في الضفة الغربية والقدس، ثم تجميد مؤقت فيهما، ثم تجميد ولو لشهرين في الضفة، بما يعنيه ذلك من موافقة ضمنية فلسطينية على استمراره في القدس .



من جملة المهازل التي تعمل “إسرائيل” لإغراقنا في بحرها: نسيان القضية الأساسية والتمسك بالفرعيات والجزئيات . في المرحلة الراهنة ينطبق ذلك على المطالبة بتجميد الاستيطان وتناسي أو تغييب الهدف أو المطلب الرئيسي وهو زوال الاحتلال وكل مخلفاته، ومن ضمنها بالطبع الاستيطان فلا يمكن قيام تسوية في ظل الاحتلال، ولا يمكن قيام “سلام” في ظل بقاء القوات الصهيونية في الأراضي المحتلة، وبقاء الاستيطان ودوام اعتقال الأسرى ووجود الحواجز “الإسرائيلية” وبناء الجدار العازل، وفي ظل الاغتيالات والاعتقالات الجديدة .



منذ بدء المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين استغلتها “إسرائيل” في المزيد من الاعتقالات والتشديد على الأسرى، والإكثار من مصادرة الأراضي الفلسطينية، وتكثيف بناء الحواجز في الضفة الغربية، وقبل كل شيء، بناء الآلاف من الوحدات السكنية في المستعمرات، بالتالي هل يمكن لهذه “الدولة” التي تجرى معها مفاوضات مباشرة أن تصنع سلاماً مع الفلسطينيين أو العرب؟



نتنياهو يريد “سلاماً” مقابل سلام وليس “سلاماً” مقابل الأرض، وليبرمان يريد “سلاماً” مقابل تبادل سكان الخط الأخضر الفلسطينيين بترحيلهم إلى الضفة الغربية، وإعطاء الأخيرين بعض الأراضي (من أرض “إسرائيل” التاريخية) فالسلام من وجهة نظره لن يتحقق حتى بعد 50 سنة، وهذا ما قاله في أحد تصريحاته .



لعل من المفيد أيضاً التذكير بحقائق التاريخ وعلم ثورات الشعوب، قديماً وحديثاً، ولعل من أبرزها: أن المحتلين ومغتصبي إرادات الشعوب على مدى العصور لا يستجيبون للغة المنطق، ولا يجنحون للسلام، ولا يعترفون بحقوق الشعوب التي يحتلون أراضيها ويصادرون حريات الناس فيها، إلا في ظل ميزان القوى الذي يجبرهم على ذلك . نعم ألا وهي المقاومة المسلحة التي تكبد هؤلاء المغتصبين خسائر بشرية يومية وتحول مشروعهم الاحتلالي إلى مشروع اقتصادي وسياسي خاسر، ولا نقصد التكافؤ في ميزان القوى على الصعيد العسكري، لم تضطر الولايات المتحدة إلى الانسحاب من فيتنام الشمالية إلا بقوة المقاومة ولم يجنح النظام العنصري في جنوب إفريقيا إلى السلام والتصالح مع سكان البلاد الأصليين إلا بفعل الضغوطات التي شكلتها عليه المقاومة المسلحة للشعب الجنوب إفريقي، بقيادة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، ويمكن تطبيق هذين النموذجين على كل حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية .



أما علم التفاوض فقد أثبتت حقائق تاريخية كثيرة أبرزها: أن التقدم في المفاوضات مع العدو لن يحصل إلاّ اعتماداً على ما يجري على الأرض، وعلى الحقائق التي تفرضها المقاومة . في مرحلة قريبة ماضية وصلت الفصائل الفلسطينية إلى مستوى توازن الرعب مع العدو الصهيوني، ولو قُدّر لهذه المرحلة أن تستمر فترة أطول لتحول شعار الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة من إطاره النظري إلى إطاره الواقعي .



“إسرائيل” تشكل استثناءً في تاريخ المستعمرِين (بكسر الراء) فهي عدو استعماري، اقتلاعي، بالتالي فهي من جهة تخضع إلى حقائق التاريخ الآنفة الذكر، ومن جهة ثانية تحتاج إلى تكثيف المقاومة ومضاعفة وسائلها ضد مشروع احتلالها . فقط في هذه الحالة، يمكن التفاوض معها . أما إجراء المفاوضات معها في ظل كينونة أسلوب المفاوضات باعتباره خياراً وحيداً ووسيلة منفردة في التعامل معها، فسيزيدها ذلك تعنتاً وإصراراً على التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، وعملاً لكسب المزيد من التنازلات الفلسطينية والعربية، وتجربة المقاومة الوطنية اللبنانية في عام 2006 هي خير دليل على صحة ما نقول . الذي يمنع “إسرائيل” حتى اللحظة من شن عدوان جديد على لبنان أو على المنشآت النووية الإيرانية خسائرها الحتمية من ردود المقاومة الوطنية اللبنانية والرد الإيراني على كل من العدوانيين .



في الحالة الفلسطينية حالياً، فليس لدى “إسرائيل” ما تخشاه، لا شيء يجبرها على الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية، ولذلك تمارس كل موبقاتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتمارس عهراً تفاوضياً مع الفلسطينيين . أما قوة ضغط الرأي العام العالمي على المستعمرِين (بكسر الراء) فهي مسألة موضوعية وإيجابية، لكنها تتناسب طرداً مع قوة حركة المقاومة والحقائق التي تصنعها على الأرض، بالمقاومة ولا شيء غيرها، في هذه الحالة فقط يشكل هذا الرأي العام قوة ضاغطة ذات تأثير كبير . يبقى القول: إن مقاومة الاحتلال هي الأساس، وليتم التمسك بكافة الشعارات المتعلقة بالثوابت الفلسطينية، وهي التي تعني الحقوق الوطنية الفلسطينية كاملة غير منقوصة، والحذر من المزيد من الوقوع في الفخ “الإسرائيلي” . 




. نفلاً عن صحيفة " الخليج " الإماراتية