الإصلاح في العالم العربي
السبت, 09-أكتوبر-2010
مروان المعشّر - يمثّل الركود السياسي ضاغطاً بالنسبة إلى العالم العربي. وفي سؤال وجواب جديد، يحدّد مروان المعشر العقبات الرئيسة أمام الإصلاح في المنطقة، ويتحدّث عن كيفية تحقيق التقدّم والدور الذي يمكن أن يقوم به المجتمع الدولي في تشجيع الإصلاح. يجادل المعشر بأن العالم العربي محصور بين رُحى اثنتين من القوى الرئيسة - مؤسسة سياسية متجذّرة تفتقر إلى الضوابط والتوازنات، من جهة، والحركات الاسلامية التي هي في الغالب متشدّدة ويعد التزامها بالتنوّع السياسي موضع شك في كثير من الأحيان، من جهة أخرى. ويقول: "لاوجود في العالم العربي اليوم لقوة ثالثة معبأة وفعّالة، وسلمية وإصلاحية في آن ". هل رَكَد الإصلاح في العالم العربي؟ ما العقبات التي تحول دون الإصلاح في العالم العربي؟ مَن هي قوى التغيير في المنطقة؟ ما المطلوب من أجل التغيير؟ هل توجد دول في المنطقة يمكن أن تصبح رائدة في الإصلاح العربي؟ هل تؤثر التنمية الاقتصادية على النظام السياسي لبلد ما؟ كيف تؤثّر الفجوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في عملية الإصلاح؟ هل يمكن للغرب مساعدة العالم العربي في الإصلاح والتغيير؟ هل رَكَد الإصلاح في العالم العربي؟ إذا ماقارنت العالم العربي ببقية بلدان العالم من حيث مؤشرات الحوكمة، فهو في أسفل القائمة - أو بالقرب من أسفلها - إذ ليس ثمة شك في أن الإصلاح السياسي راكد في العالم العربي. لايوجد بلد عربي واحد اليوم يمكن أن يُعتَبَر أنه يتبنّى عملية إصلاح سياسي جدّية ومستدامة. وهذا حقاً مايجعل العالم العربي في آخر الركب. كانت ثمة أسباب مختلفة تٌَقدَّم لتفسير لماذا العالم العربي يعيش مثل هذه الحالة من الركود، ومن المرجّح أنها كلها صحيحة. البعض يستشهد بتاريخ العالم العربي على صعيد الاستعمار. كما يشكّل الصراع العربي-الإسرائيلي عائقاً ومبرّراً لعدم المضي قدماً. كل الأحزاب العلمانية في العالم العربي في فترة مابعد الاستقلال، لم تُعطَ في الواقع مسألة الإصلاح أي اهتمام، وركّزت معظم اهتمامها على الصراع العربي-الإسرائيلي. ومنذ العام 1967 وانتصار إسرائيل على الدول العربية، فَقَد الخطاب العلماني صدقيته وبدأ الإسلام مرحلة الصعود بسبب ذلك. ثم أنه كثيراً ماتمّ الاستشهاد بالنفط كسبب تأخر العالم العربي. وفي ظلّ وجود عائدات النفط، فإن العديد من الدول العربية لاتملك أية ضرائب يمكن الحديث عنها، الأمر الذي يثير السؤال الشهير "لاضرائب، لاتمثيل". وهكذا، ثمة مروحة متنوعة من الأسباب التي تجعل العالم العربي على ماهو عليه اليوم. لكن عند التدقيق في جميع هذه الأسباب، ليس ثمة مبرر لعدم التحرّك إلى الأمام، في وقت تمكّنت كل منطقة أخرى في العالم تقريباً من التعامل مع تحدياتها الخاصة والتغلب عليها. ما العقبات التي تحول دون الإصلاح في العالم العربي؟ بين العامين 2002 و2005، نشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عدداً من التقارير الهامة التي كتبها عرب، والتي حدّدت التحديات الرئيسة التي تواجه العالم العربي اليوم. وقد أدرجت التقارير ثلاثة تحديات: الأول هو الحكومات والتنوّع السياسي، والثاني هو تمكين المرأة، والثالث في الفجوة المعرفية بين العالم العربي وبقية العالم. هذه التحديات تسجّل معظم، إن لم يكن كل، التحديات التي تواجه العالم العربي اليوم. ومن ثم، السؤال هو كيف نمضي قدماً؟ إذ لايمكن أن يتم تحقيق التقدّم من خلال نهج تطوري. فلكي تنجز الديمقراطية أنت بحاجة إلى عملية مستدامة قد تمتدّ إلى عقود من الزمن. لكن العملية التطورية تحتاج إلى بداية على الأقل، ويجب أن تكون هناك عملية إصلاح مستمرة وتدريجية، ولكن جدّية من شأنها أن تضمن توافر جميع الدعائم اللازمة للديمقراطية، وليس مجرّد إجراء انتخابات حرة، يجب أن تكون هناك أيضاً سلطة قضائية مستقلة، وحرية صحافة، وحقوق إنسان. من المحزن أن أقول إن أي دولة عربية اليوم لم تشرع في مثل هذه العملية بطريقة جدّية. كانت هناك برامج قطاعية هنا وهناك لدفع قضايا معينة، لكن لايوجد برنامج شامل يتناول جميع هذه العناصر، ولامحاولات للنهوض بها على نحو جدّي. مَن هي قوى التغيير في المنطقة؟ يمتلك العالم العربي اليوم اثنتين من القوى الرئيسة، واثنتين فقط: إما المؤسسة السياسية المتجذّرة التي تحكم من دون نظام للضوابط والتوازنات، أو المعارضة الإسلامية التي تدعو إلى الإصلاح، لكنها غالباً ماتكون مسلّحةً أو متشدّدةً، يعد التزامها بالتنوّع السياسي في كل الأوقات موضع شك في أحسن الأحوال. لاوجود في العالم العربي اليوم لقوة ثالثة معبّأة وفعّالة، وسلمية وإصلاحية في آن، متحمّسة للسلام - على كلا المستويين المحلي والإقليمي - كما هي متحمّسة للإصلاح والحاجة إلى وجود عملية إصلاح سياسي جدية. لقد قاومت المؤسسة السياسية التغيير (موردةً أسباباً)، لكن في رأيي، السبب الرئيس هو أنها ستفقد امتيازاتها. تأتي قوى التغيير في العالم العربي الآن إلى حد كبير من الإسلاميين يطرحون مجموعة التحديات الخاصة بهم، لأن الناس يشعرون بالقلق أيضاً من فقدان التنوّع السياسي إذا جاء الإسلاميون إلى السلطة، لأنهم يمكن أن ينكروا على الآخرين حقّهم في التنظيم. إن قوى التغيير في العالم العربي التي تدعو إلى التعددية السياسية في كل الأوقات ولاستخدام الوسائل السلمية لتحقيق ذلك معزولة جداً، وغير معبّأة، وتميل إلى أن تكون نخبوية. ولذلك لم تعبئ إلى الآن مجموعات كبيرة من الأنصار مما كان يمكن أن يؤدي إلى تغيير فعّال. ما المطلوب من أجل التغيير؟ تحتاج الى طبقة وسطى ناشطة، وحرية المجتمع المدني للعمل في العالم العربي، وإنشاء الأحزاب السياسية التي يمكنها أن تبدأ العمل على أرض الواقع، وتقدّم بدائل إما للمؤسسات السياسية أو الإسلاميين. بطبيعة الحال، في معظم الحالات، وقفت الحكومات ضدّ تطوير مثل هذه البيئة، ولذلك فإن قوانين الأحزاب السياسية مقيِّدة جداً في العالم العربي، ولايمكن للمجتمع المدني أن يعمل من دون ضوء أخضر من الحكومة. لكن تطوير الطبقة الوسطى والمجتمع المدني لايمكن أن يتم إلا بمرور الوقت، وهذه عملية لابد أن تتم من أسفل إلى أعلى، وكذلك من أعلى إلى أسفل. إذا لم تكن لدينا هاتان العمليتان، فإن الهوة بين الحكومة وبين الجمهور في العالم العربي ستتّسع حقيقةً. هل توجد دول في المنطقة يمكن أن تصبح رائدة في الإصلاح العربي؟ قدّمت بعض البلدان نماذج ومبادرات كانت هامةً بالنسبة إلى بقية المنطقة. لديك المغرب، على سبيل المثال، الذي استحدث في العام 2003 قانوناً جديداً للأحوال الشخصية فعل الكثير من أجل سدّ الفجوة القائمة على التمييز بين الجنسين. لديك بلدان - لبنان وتونس والأردن - عملت على الجانب التعليمي من المشكلة، وعلى الحاجة إلى تحسين نوعية التعليم في العالم العربي. لديك بلدان مثل اليمن الذي عمل في مجال حقوق الإنسان والحاجة إلى دفع فكرة منظمات المجتمع المدني التي تنشط في بيئة أكثر حرية. لكن من الصعب أن نشير إلى بلد نظر إلى كل هذه الجوانب مجتمعةً، وأحرز تقدّماً جدّياً على جميع هذه الجبهات على نحو مطّرد. هل تؤثر التنمية الاقتصادية على النظام السياسي لبلد ما؟ التنمية الاقتصادية لها تأثير إيجابي، وسلبي أيضاً. لقد رأينا تأثير النفط، والذي لم يكن إيجابياً فقط. نعم، من ناحية، أدّى النفط إلى ارتفاع معدلات النمو ومعدلات التنمية في أجزاء كثيرة من العالم العربي، لكنه أبطأ أيضاً وتيرة الاصلاح في المنطقة كما سبقنا وأشرنا. لكن للتنمية الاقتصادية من دون إصلاح سياسي حدودها. ففي خاتمة المطاف، لايمكنك جذب الاستثمارات الأجنبية من دون وجود سلطة قضائية مستقلة، على سبيل المثال، تضمن أن تتاح للناس محاكمة عادلة عندما تحدث المنازعات. لايمكنك محاربة الفساد من دون وجود صحافة حرة، أو نظام قضائي مستقل، أو برلمان قوي. لذلك عندما نتحدّث عن التنمية الاقتصادية في معزل عن الاصلاح السياسي، فإن ذلك في حدّ ذاته لن يؤدّي إلى نوعية أفضل عموماً في العالم العربي. كيف تؤثّر الفجوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في عملية الإصلاح؟ لعب الصراع العربي الإسرائيلي بالتأكيد دوراً رئيساً في إبطاء وتيرة الاصلاح في العالم العربي. فقد تم توجيه الكثير من الموارد للصراع العربي-الإسرائيلي بعيداً عن التنمية والقضايا المحلية. لكن ذلك لم يسفر، بطبيعة الحال، عن إيجاد حل للصراع أو في معالجة تلك القضايا الأخرى. كما تم استخدام الصراع العربي-الإسرائيلي كذريعة. فقد وجد كثير من الحكومات العربية هذا مبرّراً مناسباً لعدم المضي قدماً في الإصلاح. في خمسينيات القرن الماضي، كان لدينا شعار مشهور جداً يقول "لاصوت يعلو فوق صوت التحرير". لكن في النهاية، لم نحقّق التحرير ولا الإصلاح أيضاً. لايمكن لعملية إصلاح سياسي أن تستمر على نحو جدّي من دون حلّ للصراع العربي-الإسرائيلي. الجانب الآخر من المعادلة صحيح أيضاً، وهو أن العالم العربي لايمكن أن ينتظر تسوية النزاع العربي - الإسرائيلي قبل أن يشرع في عملية إصلاح سياسي تدريجية وجدية. هذان الأمران يجب أن يسيرا جنباً إلى جنب، وهذا أمر لايحدث الآن. هل يمكن للغرب مساعدة العالم العربي في الإصلاح والتغيير؟ أي عملية إصلاح سياسي جدّية ومقبولة على نطاق واسع، بحكم تعريفها، يجب أن تكون محلية. لايمكنك الحديث عن أي عملية يتم فرضها من الخارج. وعلى الرغم من ذلك، يمكن للمجتمع الدولي، في الوقت نفسه، أن يساعد بالتأكيد من خلال دعم الخطاب المعتدل، لكن على أن يتم ذلك من خلال نموذج شراكة بدلاً من فرضه من الخارج. محاولة إدارة بوش، على سبيل المثال، لدفع الإصلاح في المنطقة فشلت إلى حد كبير، على وجه التحديد لأنه كان يُنظَر إليها على أنها مفروضة من الخارج من دون موافقة المنطقة. لكن، وبعد قول كل شيء عن هذا الأمر، فإني أعتقد أن العديد من البلدان في المنطقة استخدمت هذه الحجة المحلية كذريعة كي لاتفعل شيئاً في شأن الإصلاح. لذا، يجب أن يكون هناك حلقة وسيطة لبقة بين العملية المحلية وبين الحوار والتعاون مع المجتمع الدولي لدعم هذه العملية. كانت ثمة نماذج مختلفة استُخدِمَت ونجح بعضها على نحو أفضل من غيره. أنا لا أحب استخدام حتى كلمة "الدفع" في مايخص الديمقراطية لأنها لاتحقّق النتيجة المرغوبة، وقد تمت تجربتها من قبل من خلال مبادرات مثل مبادرة الشرق الأوسط الكبير ومبادرات أخرى لم يُكتَب لها النجاح. هناك نماذج أخرى ربما نجحت على نحو أفضل. فقد جرّب الأوروبيون عملية برشلونة، وهي اتفاقات شراكة في العالم العربي حيث لديك برامج متفق عليها بصورة مشتركة دفعت الإصلاح السياسي إلى الأمام. ويتمثّل الأثر المطلوب في ضمان أنك لاتفعل الأشياء بطريقة قطاعية، أو بطريقة لاتُسفِر بشكل جماعي عن عملية إصلاح سياسي جادة، عندما يتم وضع مثل هذه البرامج. لذلك لاينبغي للمرء أن يلقي نظرةً على البرامج الفردية وحسب، بل أيضاً على الكيفية التي يمكن من خلالها لهذه البرامج الفردية أن تلتقي لوضع المنطقة على المسار الذي سيؤدّي إلى إرساء الديمقراطية، والتي من شأنها أن تؤدّي بدورها إلى الديمقراطية في غضون بضعة عقود. المصدر : مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي
|