المعجزة السبتمبرية
الخميس, 07-أكتوبر-2010
محمد حسين العيدروس -
لم يسبق لثورة أن وصفت بأنها معجزة غير ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م التي حين رأى الرئيس «عبدالله السلال» بشائر انتصارها وقف يردد«إنها ليست ثورة بل معجزة» فالواقع مر والظلم جائر، والإمكانيات محدودة والشعب لا يجد حتى قوت يومه، ولا يملك سوى إرادته.. وتلك الإرادة هي الشيئ الوحيد الذي بوسع من يحظى بها أن يصنع معجزة ...!

حين نتصفح أوراق التاريخ بحثاً عن لغز «المعجزة» السبتمبرية لا نجد لدى الثوار والجماهير اليمنية أياً من الإمكانيات والظروف المتاحة للقوى الوطنية في الوقت الحاضر - سواءً على الصعيد التعبوي أو المادي أو السياسي - لكن ما جعلها تثور وتنتصر هو صدقها مع نفسها، وصدق قادة الثورة مع جماهيرها، وإيمان الجميع بسمو الأهداف الوطنية المرجوة من التغيير، والإطاحة بالنظام الإمامي، وإعادة بناء الوطن بنظام جمهوري يمثل الإرادة الشعبية. ومع أن ثورة سبتمبر تعرضت فيما بعد لتحديات خطيرة، ودخلت حلبة رهانات وطنية، وإقليمية، ودولية، إلا أن ما منع انتكاستها هو أنها ثورة الشعب، وليست ثورة فئة، أو طائفة أو حزب، فكان حري بجماهير الشعب أن تحميها وتدافع عنها وتمضي بمسيرتها قدماً، وتبذل التضحيات الجسيمة لأجلها، حتى دخلت بها مظلة الوحدة اليمنية، والحياة الديمقراطية والتنموية، ورغم أن الثورة لم تصبح بمأمن من الأعداء، والقوى الحاقدة عليها التي ظلت تطل برؤوسها بين الحين والآخر لكن ما جعلها الأقدر على قهر المتآمرين عليها هو أن جماهير الثورة تتحلى بروح التضحية منذ اللحظة التي فجرت فيها الثورة، فيما القوى الحاقدة تتربص لمصالحها الشخصية على حساب الوطن والجماهير. إن الجهل السياسي المركب الذي يعيشه البعض يخيل له أن الثورة عصا سحرية لقلب الواقع الموروث بين عشية وضحاها، ذلك لأنه لايدرك أن الثورة منظومة مبادئ فكرية واستراتيجية، وتحولات مرحلية قائمة على أساسها، وأن أي قفز فوق إحدى المراحل، أو على الخصوصيات الوطنية اليمنية قد تتسبب بانهيار الثورة.. وحين نتصفح التاريخ ونجد الرئيس السلال - رحمه الله .. يردد «إنها ليست ثورة بل معجزة» وكم من السنين يتطلب تغييره، فما بالكم حين تكون مسيرة الثورة غارقة في التحديات ومحفوفة بالمخاطر التي حري بنا أن نتذكر أن ثلاثة رؤساء خلال عام واحد سقطوا مضرجين بدمائهم الزكية، وهم يحاولون المضي بمسيرة الثورة قدماً..!

لاشك أن ذاكرة اليمن لا يمكن أن تتجاهل حقيقة أن الثورة السبتمبرية كانت شرارة الثورة التي اشتعلت من على قمم ردفان ضد المستعمر، وكانت المدد الحقيقي لثوار ثورة 41 أكتوبر الذين تحقق بهم جلاء الاحتلال البريطاني من عدن.. ولولا أنها مثلث ضمير الشعب اليمني وإرادته الوطنية الحرة لما صعدت بنضالها من أجل تحقيق الوحدة بين شطري الوطن رغم كل الدماء الطاهرة التي أريقت على الحدود الشطرية والتي ما كان لأحد أن يوقف أحقاده لولا أن الوطن اليمني الواحد هو الغاية الأسمى التي تستحق بذل أغلى التضحيات. ومن هنا فإن الثورة لم تكن لتغير الواقع الأليم بقرارات سياسية، بل بمزيد من التضحيات على أساس مبادئها السامية التي رسمت خارطة المستقبل اليمني..

ولم تكن الثورة لتترجم أهدافها الستة إلى واقع لولا إيمان شعبنا بها، وصدق ذاته الوطنية، وثقته بقدراته في التغيير وليس في رفع الشعارات وكتابة الخطابات، ودغدغة عواطف البسطاء بما لا يسمن ولا يغني من جوع..! ومع أننا نقف اليوم أمام سجل حافل بمنجزات الثورة إلا أننا لا يمكن أن ندعي أو نظن بأن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وصلت إلى مبتغاها النهائي لأنها مسيرة بناء وطني متكامل للدول العصرية التي تبقى - بطبيعتها - متجددة الاحتياجات، وفي سعي مستمر للحاق بركب من سبقنا في التحرر والتطور، وبالتالي فهي مشروع مستقبلي للأجيال اليمنية المتعاقبة وكل جيل يتحمل مسئوليات مرحلته في استكمال البناء التنموي للوطن.

ورغم إيماننا بما يمكن أن تقدمه الأجيال لصرح الثورة التنموي، إلا أن ثمة مسئولية تضاف إلى عاتقنا اليوم وهي توثيق تاريخ الثورة وتنوير الشباب بكل الحقائق والوقائع التي عاشها شعبنا تحت نير العهد الكهنوتي البائد، وما تم بذله من تضحيات من أجل التحول إلى حياتنا المعاصرة، فمعرفة الشباب للحقيقة هي التي ترسخ الإيمان بقيمة وقدسية الثورة، وتمنحها الحصانة الأكيدة من كل القوى الانتهازية اللاهثة للسطو على منجزاتها، ومصادرة حق الشعب اليمني في جني ثمار ما غرست يداه من شجرة مباركة خالدة بإذن الله تعالى.. 


*رئيس معهد الميثاق - عضو اللجنة العامة